أضواء
يرى البعض أن تهميش المرأة يرجع إلى جذور دينية بحتة تجد أصولها في النص الديني، إلى جانب من يرى أن الثقافة العربية بما فيها الموروث الشعبي من الأسباب التي كرست دونيتها، فما هي بعض الإشارات التي فهمت من خلال النص القرآني أنها تحط من قدرها في الإسلام، وما مدى صحة هذا الفهم؟ ثم ماهي بعض تجليات الإقصاء الممنهج للمرأة من المجتمع؟ وإن تواجدت فبأدوار محدودة كما نجد عند التيارات الأصولية على سبيل المثال. بماذا سنفسر هذه الدونية وما هي جذورها؟ هل هو «النص المقدس» أم الثقافة؟ الأنثى في النص القرآني: يرجع البعض سبب تهميش المرأة إلى سلطان البيئة والحرص على مراعاة التقاليد المعروفة في البيئة العربية إذ ذاك، وهو أن تكون المرأة تابعة للرجل وألا يذكر اسمها عاريا حين تتناول بالحديث في أي موقف وبين قوم كلهم من الرجال.لهذا السبب طرح السؤال التالي: لماذا لم يذكر اسم حواء في القرآن ولا مرة واحدة؟ إذا استعرضنا شخصيات النساء في قصص القرآن فنلاحظ أنه يعبر عنها بالمرأة دائما، سواء في ذلك المتزوجات وغير المتزوجات، فهي إن كانت متزوجة امرأة فلان، كامرأة نوح وامرأة لوط... ومرة واحدة يعدل القرآن عن هذه الطريقة إلى التسمية المباشرة وذلك عند حديثه عن مريم... فقد كان القوم يعتقدون أن عيسى ابن الله، وأراد القرآن إثبات أن عيسى ابن مريم وأنه ولد من غير أب، من هنا صرح القرآن بالاسم عاريا ومن هنا كرره وكرره على أنه ابن مريم ومعنى ذلك أنه ليس ابن الله.وهذه الملاحظة وجيهة، ولكن ليست راجعة لتلك الأسباب التي ذكرت، وبالنظر إلى النصوص التي وردت فيها كلمة امرأة العزيز في قصة يوسف.قوله تعالى: (وقَال الَذي اشتراه من مصر لامرأَته أَكرمي مثْواه) يوسف، الآية 21وقوله تعالى:وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا ) يوسف، الآية 30.وقوله تعالى : (قالت أمرات العزيز الآن حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين) سورة يوسف، الآية 51. يتضح أن إيراد اسم امرأة العزيز لا يتناسب مع السياق العام للقصة التي تتحدث عن حادثة وقعت ليوسف في قصر العزيز، وهو في موقع اتهام، فكان لا بد من لفت الانتباه إلى طبيعة هذه التهمة وصاحبتها. قوله تعالى: “امرأة العزيز” ولم تسمى باسمها بل ذكرت بالوصف الذي ينادي عليها بقبيح فعلها لكونها ذات زوج، فصدور الفاحشة من متزوجة أقبح من صدورها ممن لا زوج لها. إضافة إلى أن “العزيز” مجرد ذكر اسمه يحيل على مكانته الاجتماعية بين القوم، والمنصب الذي يتولاه، ما يجعل صدور الفاحشة من امرأته أشد في القبح، وأمرا مستنكرا، وهذا بيان لطبيعة الفعل الشنيع لامرأته. و بالتالي فإن ذكر اسمها لا فائدة منه. أما التوراة (العهد القديم) فنلاحظ أنه يركز على الأسماء والأنساب، ولذلك، نجد تفاسير القرآن تعج بتفاصيل ووقائع لم ترد في النص الاصلي بما فيها أسماء نساء الانبياء وغيرهم، وهي مأخوذة من الإسرائليات كما نجدها في تفسير الطبري مثلا؛ فضلا عن اهتمام المجتمع العربي بالأنساب. ولم يكن من اليسير أن يمر ذكر شخص دون تحري نسبه وقبيلته وقد وجد الأوائل ضالتهم في كتب اليهود، فأخذوا عنها سلاسل نسب الشخصيات المختلفة نحو سارة زوج إبراهيم عليه السلام، وأزواج يعقوب عليه السلام وأبنائهن والأسباط والنقباء وأسماء الجواسيس وغيرهم. ولنا وقفة مع موضوع آثار قصة الخطيئة الاولى في الثقافة العالمية بما فيها الثقافة الاسلامية، حيث شكلت فكرة “الخطيئة” المنسوبة الى حواء آثارا اجتماعية وعقائدية، جعلت الكثير من الباحثين يرون أن دونية المرأة متأصلة في الأديان السماوية.الأنثى في الثقافة: لمعرفة كيفية تفكير المتدينين، وفي أي اتجاه يتطور، يجب النظر في وضع المرأة داخل المجتمع المسلم، أكثر من الاطلاع على كتابات الإسلاميين حولها؛ لأن وضع المرأة يحتاج إلى معاينة مباشرة. ولعل ما لفت انتباهنا، هي حالة الصمت والإخفاء التي تسم وضعية المرأة داخل البيئة الاجتماعية والحزبية، هذا فضلا عن مسائل أخرى غضضنا عنها الطرف، كمشاركتها وحصيلتها المعرفية، ومظهرها الخارجي، وتجليات تبعيتها للرجل.إن القائمين - على سبيل المثال- على شؤون الدعوة والتنظيم من دعاة وقادة و مسؤولين حكوميين وغيرهم، ينطلقون من سلطة ذكورية وتصور تاريخي للمرأة، ما يفسر استحالة تصور وضعية للمرأة واقعية ومتحررة في إطار نسق إيديولوجي ديني خاضع لسلطة ذكورية.فالمرأة في المجتمعات «المحافظة» التي تلتزم الصمت وغير الحاضرة إلى جانبه في محطات الحياة، تعد نموذجا عند الرجل. أما المرأة الناشطة الحركية فهي مقبولة لضرورة اجتماعية ليس إلا، وتبقى المرأة السلبية الخاضعة الصموت ضرورية لبناء الأسرة والاعتناء بالبيت، وتجديد الخزينة البيولوجية للعائلة، وهذا طبعا هو دورها المركزي في المجتمع التقليدي. وإذا كان التيار السلفي قد حدد للمرأة خرجتين؛ خرجة لبيت زوجها وخرجة لقبرها، فإن التيار الأصولي قد جاوز هذه الخرجات لكنها بقيت خاضعة لبوصلة الرجل.فما هي إذن مصادر هذه السلطة والتصورات الذكورية؟تتغذى مجموعة التصورات هذه من الواقع المعاش، وتستند إلى الموروث الديني الأسطوري للمرأة، فضلا عن الموروث الشعبي. وبما أن هذه الجوانب ذات علاقة بالثقافة والفكر؛ فإن أصحاب الكتابات الإسلامية حول المرأة مهما علت أصواتهم في الدفاع عنها، أو الحديث عن حقوقها أو تكريم الإسلام لها، فإنهم لا يسلمون من تأثيرات الثقافة والتاريخ شأنهم شأن بعض من يرفع شعارات الحداثة.ثقافة الصمت السائدة في المجتمع تظهر بجلاء عند المرأة، حيث إذا تحدثت تحدث بلغة غيرها أو بأمر من يتولى شأنها، طالما أنها جسد يحتاج إلى ضبط، وكيان غير ناضج لجلب الفتنة - كما تكرسه الثقافة- ومن ثم استحالة التعبير عن أحاسيسها وأفكارها ورغباتها بكل جرأة بدون وساطة ولا وصاية.يقال «المرء مخبوء تحت طي لسانه» لاسيما وأننا في وسط اجتماعي لا يجيد الكلام ولا الاستماع، ناهيك عن الحوار والمناقشة، وبعيدا عن مقولة: «الإنسان العاقل يعرف بحسن منطقه لا بطول صمته».إن من نتائج حالة الصمت والإخفاء المباشر وغير المباشر؛ الإخفاء الجسدي والإخفاء الفكري وهو الأخطر، امرأة مستلبة المواقف، وغريبة عن واقعها، ومقموعة ومكبوتة، وتابعة ومقلدة..وسط محيط -يزكم بالتخلف- بشري يعج بأنوات، وراءها ثقافات مختلفة وسيكولوجيات غير متشابهة. فكيف يتم إيجاد الرجل المتوازن والمرأة المدركة لذاتها؟ وكيف يتم إزالة الصورة التاريخية والأسطورية الكامنة في ذهنية بعض المتدينين حول المرأة «الشيئية»؟إنها بعض من إشكالاتنا التي يصعب علينا التخلص منها؛ فيها خليط من الموروث واللاهوت والهوى.*[c1]عن / موقع ( ايلاف ) الالكتروني [/c]