غضون
* احتفلت دولة إسرائيل يوم الأول بالذكرى الثالثة والستين لقيامها أول مرة في منتصف مايو عام 1948م.. احتفلت بالمناسبة التاريخية وهي اليوم في كامل عافيتها وأوج قوتها.. سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعلمياً وعسكرياً.. فانظروا أين هي وأين العرب الذين شغلوا أنفسهم طيلة 63 سنة في تحرير فلسطين من اليهود وهاهم اليوم يتقاتلون لتحرير بعضهم من البعض الآخر. منذ 63 سنة وهم يكافحون بغباء لإقامة دولة فلسطينية واحدة ثم يكتشفون اليوم أنهم في الأقطار العربية الواحدة والعشرين لم يقيموا دولة واحدة بمعنى الدولة، لا في مصر ولا سوريا ولا غيرهما وانظروا ماذا يجري في ليبيا وفي اليمن وفي البحرين والعراق والسودان وما جرى ويجري في الصومال وما يمكن أن يجري في الجزائر وغيرها.. وفي الوقت ذاته لم تقم الدولة الفلسطينية المستقلة بعد.. ولو ترك العرب قضية فلسطين للفلسطينيين منذ ذلك الوقت لكانوا قد تكفلوا بإقامة دولتهم على نصف التراب الفلسطيني منذ وقت مبكر، بينما هم اليوم قد تنازلوا إلى ما هو أقل من ذلك ومع هذا لم يحصلوا على شيء سوى قطعتين متباعدتين هم اليوم متنازعون فيها وعليها وجزء من أسباب الصراع مصدره عربي.* خلال 63 سنة صار لليهود الذين تجمعوا من أصقاع الأرض دولة في فلسطين.. دولة بمعنى الدولة.. والمواطن السوري الكردي لم يحصل بعد على حقه في الجنسية، والمواطن في الصومال بلا دولة. والشعوب العربية في بقية الدول التي كانت تسمى دولاً اكتشفت أنها لا تزال بحاجة إلى دولة.. بمعنى الدولة.خلال هذه الفترة أنشأ اليهود دولة وعلى أرض عربية.. ودولة بمعنى الدولة، وهي اليوم تصنف ضمن البلدان مرتفعة النمو من كافة النواحي.. بينما العرب شغلوا أنفسهم أولاً برمي اليهود بالبحر.. وسلم الله مقاتيلهم، ثم أهدروا كل شيء.. المال والكرامة والحريات والجهد العام لإقامة دولة فلسطينية، وفي هذه الأثناء اسقطوا 21 دولة كان يمكن أن تكون اليوم دولاً بمعنى الدول.* بعد 63 سنة تأملوا أين دولة إسرائيل وأين دول العرب.. وكيف حال اليهودي وحال العربي؟ تبين لنا الآن أن العرب - أنظمة ونخباً وجماعات وأفراداً - كانوا بحاجة إلى تحرير أنفسهم من الأمية قبل أن يفكروا بتحرير فلسطين، أن يقيموا العدل قبل إقامة دولة فلسطين، أن يحرروا أنفسهم من الفقر والعوز والخرافة والجهل ويتركوا الفلسطينيين لأنفسهم فقد كانوا أجدر بحسم قضيتهم لولا إفسادها بالتدخل والمتاجرة وتفريخ المنظمات وشق الصف.بعد 63 سنة دولة واحدة قوية ومزدهرة في الشرق الأوسط.. هي إسرائيل.. وخلال 63 سنة لم تقم للعرب دولة بمعنى الدولة.. والدول الهشة صار حالها كما نرى اليوم.. والشعوب تبدو وكأنها خرجت إلى الدنيا ليلة أمس فقط مرتبكة تريد ولا تدري كيف تترجم إرادتها، تريد التغيير إلى الأفضل وتسلك طريقاً يؤدي إلى الماضي.. ولا عتب عليها لأنها ظلت موضوعاً للتجهيل.. هي اليوم تنتفض ضد الفقر ومن أجل الديمقراطية، وهي نفسها التي سخرت مواردها من أجل فلسطين وسخرت لضرب الديمقراطية من أجل فلسطين بدعوى أنها أمة في حالة معركة مع العدو ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وكل شيء يهون.. والنتيجة هوان!.