نبض القلم
بعض الناس يتلقى الحديث على علاته ، وينشره بين الناس من غير ترو أو تثبت، وهو لم يتأكد من صدقه أو كذبه، ولم يتعرف على مدى صلاحه أو فساده. وغالباً ما يكون هذا الحديث مفترى، وهذا النوع من الحديث يدخل في باب القيل والقال الذي نهى عنه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). جاء في البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة: أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، (نهى عن قيل وقال) أي الذي يكثر من الحديث عما يقوله الناس أو ما تنشره وسائل الإعلام الضالة والمضلة من غير تدبر ولا تبين لحقيقة ما يقال أو ينشر. والقيل والقال، منهي عنه في الإسلام لأنه يؤدي إلى نقل الإشاعة وانتشارها في المجتمع، وترويجها بين الناس بالحق أو بالباطل. والإشاعة إذا ما انتشرت في المجتمع تعصف به عصفاً، وتضر بالوحدة الوطنية، وتقضي على مصالح الناس. وناقل الإشاعة شريك في ترويجها، وعامل على انتشارها، وهو في نظر الإسلام مثير للفتنة، والفتنة أشد من القتل. قال الله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً عظيماً). وقال أيضاً: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لاتعلمون). والإشاعة هي نقل الكلام السيئ من شخص إلى آخر، وإذاعة الأكاذيب بين الناس لإثارة الفتنة، سواء عن طريق الهمس أو عن طريق مجالس القيل والقال، أو عن طريق وسائل الإعلام المختلفة. وقد يكون الدافع إلى الإشاعة الحقد والكراهية، أو التشفي ، أو الانتقام، عن طريق التشنيع والتشهير، أو إساءة السمعة. ومما لاشك فيه أنه يترتب على ذيوع الإشاعة وانتشارها آثار سيئة، وأضرار عظيمة، وعواقب وخيمة، تتفاوت بتفاوت ما يتعلق بها. فمن الإشاعة ما يتعلق بالفرد، ومنها ما يتعلق بالأسرة، ومنها ما يتعلق بالجماعة، ومنها ما يتعلق بالمجتمع أو الوطن. وإذا كانت الإشاعة ضارة بالنسبة للفرد والأسرة لما تسببه من أضرار اجتماعية، فإن ضررها بالنسبة للمجتمع يكون جسيماً، وهي بالنسبة للمجتمع تعتبر طامة كبرى ، وجريمة عظمى يستحق صاحبها العقاب الشديد، لما يسببه للمجتمع من مخاطر، وما يثيره فيه من خوف وفزع، وما يحدثه في الناس من قلق واضطراب واقتتال. إن الإشاعة تثير مشاعر الناس، وتبلبل أفكارهم، وتهيج الشعب للشغب، وتحدث الفتن والقلاقل والاضطرابات، وتفقد المجتمع الاستقرار والهدوء والأمن، وتدفعه إلى أن يقتل الأخ أخاه. قال الله تعالى: ( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) سورة النور «15».والكلام الذي يلقى على عواهنه دون التثبت من صحته، ليس بالكلام الهين- كما يحسبه البعض - ولكنه عند الله عظيم، لأنه كلام يبثه المنافقون المرجفون الذين في قلوبهم مرض لغرض بث الفتنة في المجتمع، والله قد حذر المنافقين من التمادي في الإرجاف وإثارة القلاقل، قال الله تعالى: ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض، والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لايجاورونك إلا قليلاً) سورة الأحزاب «60». والمرجفون هم المتلمسون الفتنة، المشيعون بين الناس الأكاذيب والأباطيل ، وقد نزلت هذه الآية في شأن المنافقين ومرضى القلوب، هاتكة سترهم، وكاشفة حالهم، ومهددة لهم، وأي تهديد أعظم من قوله تعالى: (ولنغرينك بهم، ثم لايجاورونك فيها إلا قليلاً). والإرجاف هو إذاعة السوء وإشاعة الأكاذيب التي يروجها المنافقون وضعفاء الإيمان، وخطر المرجفين على المجتمع كبير، فهم يحطمون آمال الشعب، ويباعدون بين الشعب وآماله، ويحولون بينه وبين تحقيق أمانيه، ويتسببون في تسرب اليأس إلى قلوب الناس، وإشاعة الضعف في المجتمع، ويقتلون في الناس روح الأمل، والإقدام على العمل، ويفقدونهم الثقة بقدراتهم على تجاوز المصاعب والمحن. ولذلك يقتضي الواجب الوطني الحذر من الإشاعة التي يستخدمها أعداء الوطن في الداخل والخارج لإضعاف وحدتنا، وتحطيم تماسك مجتمعنا، والقضاء على بوادر الخير فينا، وقتل معنوياتنا، وزرع الفتنة بين أوساطنا، حتى لانقوى على مجابهة متاعب الحياة، فنيأس، أو نتقاعس عن أداء واجباتنا في بناء بلادنا، وتطوير مجتمعنا، ونظل دوماً عالة على غيرنا. وإذا كانت الإشاعة سلاحاً يستغله أعداء الوطن للإضرار بنا، فحري بنا أن نعمل على القضاء عليها بمختلف الوسائل، حرصاً منا على مصلحة بلادنا، وحفاظاً على أمنه واستقراره، فلا ينبغي أن نصدق كل ما يقال، أو ينشر عبر وسائل الإعلام المختلفة، بل علينا أن نتريث في كل أمر من أمورنا، ولانسمح للشائعات أن تجرنا إلى إضرار بعضنا ببعض، لذا لابد أن نقف على حقائق الأشياء تحاشياً من الوقوع في الأخطاء، أو الانزلاق في مطيات السياسة. فيكفي بلادنا ما حل بها من مصائب، ويكفي شعبنا ما واجه من متاعب، ويكفي اقتصادنا ما لقي من استنزاف للموارد، ويكفي أبناءنا وشبابنا ما حل بهم، وما عانوه من جراء التغرير بهم عن طريق الشائعات، والإرجاف، فمن الحكمة والكياسة ألا ننجر وراء مروجي الشائعات ودعاة الفتن، ومثيري الفتن، وصانعي الأزمات. [c1] * خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان [/c]