عبدالفتاح علي البنوسبراءة الأطفال سحر يجذب نحوه الجميع، براءة فطرية لانملك أمامها سوى إبداء مشاعر الاعجاب والاندهاش والإطراء، معهم ننسى مشاكلنا وهمومنا ومنغصات الحياة، فنحلق معهم في فضائهم المفعم بالحيوية والسعادة الغامرة والتي لايمكن أن يعيشها سواه، هم فلذات أكبادنا نفرح لفرحهم ونتوجع لأي عارض صحي يعتريهم هم فقط من نريد أن يكونوا أفضل منا في معيشتهم وحياتهم ومستقبلهم، هكذا نريدهم وهكذا ننشد لهم، فما الذي حصل حتى يذهب البعض منا إلى الأساءة لهذه البراءة والاستغلال الخاطئ للطفولة التي ينعم بها أطفالهم من خلال توظيفها في قضايا وصراعات سياسية وحزبية.مشاهد مؤلمة تبعث في النفس الحسرة والأسى، أطفال في عمر الزهور يتم الزج بهم في ساحات الاعتصام وفي مقدمة صفوف المتظاهرين من قبل آباء نزع الله من قلوبهم الشفقة والرحمة، آباء تجردوا من مشاعرهم وأمهات تجردن من مشاعر الأمومة الحانية فطفى عليهم وعليهن الانتماء الحزبي والمصالح السياسية والذاتية .. امتهان للطفولة وإنتهاك صارخ لحقوق الأطفال، لايعقل أن تتسابق القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة على عرض هؤلاء الصغار وهم يمارسون دوراً لساسه، إنهم مايزالون يحلمون بالألعاب والهدايا والملابس الجديدة فلماذا تقحمونهم في معمعة الأحزاب السياسية؟!الميادين امامكم تظاهروا واعتصموا بانفسكم ودعوا عنكم الأطفال، هؤلاء أمانة في اعناقكم وأي مكروه يتعرضون له أنتم المسؤولون عنه أمام الله، إنهم يريدون الذهاب إلى المدارس فلا تمنعوهم، ويريدون الذهاب إلى الحدائق والمتنفسات فلا تحرموهم.انها جريمة كبيرة استغلال الاطفال لتحقيق مكاسب رخيصة، آلمني جداً اعتماد بعض وسائل الإعلام على الأطفال في تمثيل مشاهد دموية مفتعلة من أجل قلب الحقائق وجلب السخط والإدانة الدولية على السلطة الحاكمة بتصوير أنها تقوم بالاعتداء على الاطفال ولا أعلم هل يعي هؤلاء أن الدول والهيئات الخارجية ستدين إقحام صغار السن في الاعتصامات والمظاهرات وستحملهم المسؤولية الاخلاقية والقانونية.لايعقل أن يتم إلزام دور الايتام باحضار الأطفال المقيمين فيها إلى ساحات الاعتصام للمطالبة بأشياء لا علاقة لهم بها لا من قريب ولا من بعيد، هؤلاء الايتام بحاجة إلى رعاية واهتمام وأجواء فرائحية تنسيهم مرارة اليتم، هؤلاء الأيتام بحاجة إلى ممارسة هواياتهم والعمل على صقلها، هم يريدون أن تغرس في قلوبهم مشاعر المحبة والألفة والتسامح لا أن يتم تعبئتهم وادلجتهم على الكراهية والعداوة والبغضاء، لانريد تربية هؤلاء الصغار على الكذب عبر الفضائيات بادعاءات أن السلطة أو الرئيس هم من قتل آباءهم أو أمهاتهم بحسب المعلومات التي يتم تلقينها وتدريسها لهم، لأننا بذلك سنفسد أخلاقهم في المستقبل، حبل الكذب قصير ولا داعي لإقحام الأيتام الصغار في هذا الجانب.شعرت بالصدمة وأنا أشاهد عبر إحدى الفضائيات المنتهكة لحقوق الطفل مجاميع من صغار السن وهم يرتدون بزات بيضاء عبارة عن أكفان كتب عليها مشاريع استشهادية وكأن هؤلاء يجهزون من أجل تحرير المسجد الأقصى، بالله عليكم أين عقول من يقف وراء مثل هذه التصرفات؟ هل وصل الحد إلى استغلال براءة الطفولة من أجل الوصول إلى السلطة؟!! ألم يكن الأجدر بهؤلاء أن يتركوا الأطفال وشأنهم لممارسة حياتهم بعيداً عن التعبئة الخاطئة؟!! لسنا أعداء حتى يقوم البعض منا بإعداد مشاريع استشهادية لا من الأطفال ولا من الكبار فالمسألة لا تحتاج إلى كل ذلك والمطلوب هو تحكيم شرع الله أولاً ومن ثم تحكيم العقل والضمير وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية والحزبية الضيقة، فاليمن أغلى بكثير من السلطة والمعارضة وعلى الجميع أن يعوا ذلك جيداً.أيها الآباء، أيتها الأمهات كنوز الأرض لا تساوي بسمة أطفالكم وشعورهم بالسعادة وتمتعهم بالصحة والعافية فلا تأخذكم العزة بالإثم وتدفعوا بهم إلى الهلاك والضياع، خافوا الله فيهم ودعوهم يتفرغوا للتحصيل العلمي والمعرفي ولا تقحموهم في السياسة والحزبية، أغرسوا فيهم القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة اجعلوا منهم القدوة المثلى في المستقبل، اجعلوا نظرتهم إلى ما حولهم كلها تفاؤل بالخير، أغرسوا في قلوبهم وعقولهم قيم الولاء والانتماء للوطن الواحد الموحد أرضاً وإنساناً، ووظفوا براءتهم هذه فيما يعود عليهم وعلى مجتمعهم ووطنهم بالخير، لا نريدهم مشاريع استشهادية على إخوانهم وأحبتهم، نريدهم مشاريع بناء وتطوير وتعمير وازدهار لهذا الوطن، نريدهم مشاريع عطاء وبذل وتضحية وفداء للذود عن حمى الوطن ووحدته وأمنه واستقراره، نريدهم مشاريع تخرج نفاخر بها في الطب والتكنولوجيا والهندسة والإعلام والفكر والأدب والطيران وغيرها من المجالات والتخصصات.أيها الآباء، أيتها الأمهات أطفالكم أمانة في أعناقكم، فلا تفرطوا في هذه الأمانة مهما كانت المغريات والمبررات وتأملوا جيداً في قوله عليه الصلاة والسلام “كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول”.
الطفولة عندما تتحول إلى مشاريع استشهادية
أخبار متعلقة