فن تشكيلي
د/ زينب حزام يقول الفنان التشكيلي اليمني مظهر عبدالحبيب شمسان : (تراوحت الأعمال الفنية التي قدمتها خلال الأعوام الماضية بين الجيد والممتاز، وهذا أمر عادي مع كثافة الأعمال التي قدمتها، وقدمها غيري من الفنانين التشكيليين، والسؤال الذي يطرح نفسه كل عام إثر انتهاء عرض هذه الأعمال الفنية هو من يقيم هذه الأعمال وجودتها من عدمها؟.. الجمهور المتذوق للفن التشكيلي.[c1]الجمهور .. الجمهور[/c]في الحقيقة أمر جمهور الفن التشكيلي يهمني كثيراً، وخاصة عندما نسمع مقتطفات من حواريات الشبان المتعلمين او المثقفين، وتعليقاتهم على اللوحات الفنية وألوانها وهدف الرسومات فيها والنقوش والزخارف والأعمال المنحوتة، فالأمر سواء والإعجاب واحد، في الوقت الذي حاد فيه الجمهور عن بعض المعارض التشكيلية التي قدمت في أماكن بعيدة لا يستطيع جمهور الفن التشكيلي الوصول إليها ما أدى إلى تذمر جمهور الفن التشكيلي الذي يطالب باستمرار تقديم المعارض الفنية في مواقع يستطيع الوصول إليها والتعرف على المزيد من الأعمال الفنية .الجمهور .. وما أدرانا ماالجمهور .. وماذا يمكن أن نأمل من جمهور تتفشى بينه أمية معرفة الفنون الجميلة، إذن دعونا نساعد الجمهور في معرفة الفن التشكيلي ونقيم المعارض الفنية في مواقع تصل إليها الجماهير للتعرف على المزيد من اللوحات الفنية الرائعة.والفنان التشكيلي اليمني مظهر عبدالحبيب من مواليد عدن 1959دبلوم فنون جميلة في المعهد الصناعي الأول تعز، شارك في عدة معارض داخلية وخارجية. ومن مؤسسي بيت الفن في عدن، شارك في معرض الفنانين الشباب الثاني ـ المسابقة العامة 2009م. وهو يرسم ما شاء له من موضوعات بدءاً من الشجرة إلى البجع في بحيرة صيرة حتى المقاهي الشعبية في كريتر والأسماك والأهلة والنخيل كرموز تنبني عليها تراكيب معقدة، حسبه فقط أثناء الفعل الفني، أن يظل النبض الإنساني حاضراً بقوة، سواء جاءت النتائج ذات ملامح هندسية ساكنة مجردة، او عضوية تعبيرية هادرة، أي أنه ببساطة شديدة قد فهم بوعي أن لغة الفن لغة بسيطة، تخاطب العقل بتفرد صياغاتها والوجدان برقة ما تحمله من مشاعر وما تطرحه من موضوعات، ثم راح يرسم بذلك المفهوم بالقتامة، أو تناقض الألوان الليلية الباردة، بالنهارية الساخنة، أو حتى تباين معالجات السطوح بين الخشونة والنعومة، لأن المضمون فيها بدأ إنسانياً بسيطاً دائماً.[c1]مهارة الأداء[/c]خلاصة القول أن مظهر شمسان يرسم ويلون ويزخرف كيفما شاء، دون حدود أو قيود، حسبه فقط مهارة الأداء الواعية، وتلك الحرية قد أتاحت له أن ينقل من أسلوب أدائي لآخر، ومن منطق صياغي لآخر، بل من رؤية تشكيلية لأخرى مادام كل ذلك مشحوناً بنبض إنساني عال، كما أنها ايضاً ـ الحرية ـ قد أتاحت له أن يعيد قراءة خلاصة نتاجات الفخام أمثال (ماتيس) و ( رووه) و (بيكاسو) قراءة واعية مستوعبة وهاجمه ومتجاوزة بعد ذلك وما قدموه، وقد تحول إلى خبرات ذاتية من مجموع خبراته الأخرى الآتية من وعي جيد بفنون التراث اليمني الإسلامي والشعبي، ثم راح يصوغ تراكيبه وبناءاته بمفهوم ذاتي خالص، لا يهم فيه أن يأتي هندسياً صارماً ذا حس زخرفي، وأن يهدر بالتعبير الفطري البدائي، أو حتى يتحول إلى همس لوني شاعر رقيق، قدر ما يهم مدى التوافق بين المشاعر والأفكار وأساليب الصياغة، وهو ما يجعل نتاجاته تبدو متعددة الهيئات والأساليب والصياغات برغم ما يربطها جميعاً من روح واحدة إنسانية شاعرية النكهة.[c1]روح يمنية[/c]والواقع أن أهم ما يميز نتاجات مظهر شمسان، هو تلك الروح اليمنية التي تتبدى في كل نتاجاته مهما تنوعت، روحاً خالصة ليست مرتبطة بالموضوعات التي يطرحها، ولا بأساليب الصياغة ولا حتى بالعناصر والرموز الشعبية التي تمتلئ بها اللوحات وإنما هي شيء آخر لا نستطيع أن نمسكه بوضوح، بل نستشعره كالرائحة أو الشذى الذي ينتشر في عوالمه مهما تباينت، صحيح انه يجمع بين السيريالية والميتافيزيقية والواقعية حتى التجريد في توليفة واحدة، جمعاً ناتجاً بين الوعي بها جميعاً والاستيعاب الهاضم لمعطياتها، وليس عن قصد عقلي مباشر، وصحيح ايضاً أنه يختار موضوعات .. إنسانية عامة، ليس بالضرورة أنها يمنية، ولكنها تبدو ذات نكهة يمنية شعبية.ربما بسبب حبه لوطنه اليمن وعشقه للطبيعة اليمنية في بحار عدن والمدرجات الطبيعية في صنعاء والعمارة اليمنية في حضرموت وحقول الفل والياسمين في لحج.وربما بسبب عشقه الذاتي الخالص للزخارف الشعبية على عربات الباعة الجائلين، وواجهات البيوت الشعبية وقصص الأطفال وغيرها.وربما ايضاً أنه يرسم بحرية كاملة، دون قيود بموضوعات معينة، أو أسلوبه وأداءات واحدة.[c1]صدق الوجدان[/c]نفس الشيء يلتزمه الفنان مظهر شمسان ينتهي من عمله في لوحة من اللوحات، ويعلقها على حائط من حوائط مرسمه، ثم يبدأ في لوحة جديدة .. ما أن ينتهي منها، حتى تراه يعود إلى اللوحة القديمة يضيف إليها بعد أن تكون رؤيته لها قد زادت نضوجاً ووضوحاً.وهذا الأساس من أسس الإنتاج في المرحلة الجديدة للفنان التشكيلي اليمني مظهر شمسان، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأساس الثاني، وهو مبدأ الصدق. والصدق هنا ليس هو الصدق العقلاني المتفق عليه، ولكنه نوع من الصدق الوجداني الذي يساعد في الوصول إلى لحظة الكشف القريبة من لحظة الكشف الصوتي المعروفة صدق يسعى به إلى استجلاء مكونات وعاء اللاشعور الجماعي، واقتناص مكوناته لطرحها على الصفحة الفنية للوحة. وكلما توصل الفنان عن طريق التأمل الصادق إلى درجة أكمل من الصدق انعكس هذا على لوحته وراح يترجم وعيه الجديد في شكل إضافات إلى العمل القديم.كان من نتيجة التزامه بهذه الأسس أن أقبل الجمهور على أعماله في حماس يسعى إلى اقتنائها ويعتز بحوزتها فتضاعف سعادته بذلك .. ويحقق رؤيته القديمة التي أدركها في بداية حياته عندما كان يبدع الرسوم والزخارف على التحف الفنية التي كان ينحتها.وهكذا نجد الفنان التشكيلي اليمني مظهر شمسان، يقدم فناً رائعاً اصيلاً صادقاً، يستجيب له الجمهور ويسعى إلى اقتنائه ولا يسمح لنزوة فنية إن تقف حائلاً بينه وبين الجماهير الواسعة.