أضواء
قرأت تحقيقا في جريدة الرياض عن إدمان الفضائيات. يستعرض فيه الزميل سعيد معيض ، عبر استطلاع مجموعة من آراء الخبراء ، أثر هذا الإدمان على الشباب. أعتقد أن الفضائيات فقدت تأثيرها أمام الإنترنت. التلفزيون طوال تاريخه يمثل ضجة لابد منها أو خلفية للجلسة. في بعض البيوت أو الاستراحات او المقاهي، يعمل التلفزيون دون أن يحظى بانتباه الجالسين. يمثل حالة اجتماعية عالمية تتمحور حولها العائلة دون أن يسرقها. في بعض الأحيان يربط العائلة ببعضها البعض بل تربط المجتمع بأسره.نحن مدينون هذه الأيام لعدد من الفضائيات العربية الشهيرة مثل الام بي سي وروتانا والجزيرة والعربية وغيرها في مسألة الترابط والبقاء في إطار ثقافة واحدة. الإدمان الحقيقي مع الإنترنت.خطورة الإنترنت أنها تساعد على العزلة. كل فرد أمام شاشته الخاصة وتجوله الخاص.تتوغل الإنترنت إلى أعماق الإنسان إلى متطلباته الشاذة والخاصة والفردية، تخلق عند الإنسان كونا وهميا لا يشاركه فيه أحد، مثل المخدرات تماما. توفر كل شيء على النت أو هكذا يظن المرء يشجع على الإدمان. حتى على المستوى الثقافي هي أقرب إلى السوء. من خبرتي مع النت اكتشفت أنها تساعد على تضييع الوقت وتشتيت الذهن. الوصلات داخل الوصلات تساهم في الضياع. تحتاج أن تكون صارما في البحث ومحدد الهدف ولن تصل دائما إلى ما تريد. إذا لم تدخل على النت بهدف فوري وتخرج على الفور فستجد نفسك قد تهت في عالم من المعلومات المجزأة والمبعثرة. المعرفة فيها غير مطردة وغير دقيقة وليس لها حدود. لا تشبه المكتبة التي نعرفها في صورتها التقليدية. عندما تدخل إلى اليوتيوب مثلا بحثا عن مادة معينة ستحصل على مادة مشابهة لما تريد أو قريبة منها ولكنها ليست هي. في كثير من الأحيان تقع في فخ الفضول. يقودك إغراء مواد لا علاقة بها إلى متابعتها. أتذكر أني كنت ابحث عن مادة عن الفضاء انتهيت أتفرج على مواد عن الكنجارو. ما علاقة الكنجارو بالنجوم. لا يوجد ولكنها الإحالة. مع الفضول تنتقل من مادة إلى أخرى . أؤمن تماما أن الإنترنت التي نراها الآن تقع في عصرها البدائي. علاقة البشر بها كفقير وقع فجأة على ثروة لم يحلم بها أبدا. لم تصل بعد محركات البحث الشهيرة حتى( جوجل ) إلى المنطق الحقيقي للبحث. قارنها بالبحث في الموسوعة البريطانية. في الموسوعات تنطلق إلى نفس المكان الذي تبحث عنه دون تشتت. حتى هذه اللحظة مازلت استخدم الموسوعات وخاصة الموسوعة البريطانية . قد يرى البعض أن وعيي ينتسب لزمن مضى. سأجادل كثيرا لرفض هذا المنطق. أكرر دائما أن البشرية يقودها المهندسون والمهندسون خدم عند الرأسماليين. سيطرة الرأسمالية على الإنترنت تقود إلى تراكم الثروة دون أن يقابله تراكم حقيقي للمعرفة. تتنافس الشركات على تسويق أوعية يعبئها كل من يريد أن يعبئها . لا فرق بين جامعة وبين رجل أمي جاهل، صار الأمي الجاهل ينتج معرفته الخاصة ويخلطها بالمعرفة الصحيحة دون أن يدرك أحد ذلك. لم تع حكومات العالم الهوة التي يغرق فيها الإنسان بعد. الحكومات نفسها أذعنت للرأسمالية. لم تعد تملك سوى الرقابة وفي أحسن الأحوال النصائح الفارغة.[c1]*عن صحيفة ( الرياض ) السعودية [/c]