• قليلة هي الفرص التي يجب على الإنسان أن يغتنمها إن هو أراد ان يخرج مما هو فيه ، ولان الوضع الذي نحن فيه أصبح معقدا لدرجة أن الأفق لا تنبئ بخير ، إلا أن بارقة الأمل دائمة ما تصدر عن رجال خبروا الحياة ، من خلال معاصرتهم لكثير من المحن ، ولان الحلول لا تعد حلولا إلا إذا لامست كبد المشكلة وعالجت مصدر الداء ، كل ذلك تجلت ملامحه في المبادرة التي قدمها رئيس الجمهورية أمام المشاركين في المؤتمر الوطني بملعب الفقيد علي محسن المريسي ، ولو تمعنا في محتواها لوجدناها نسخة طبق الأصل لما نادت به المعارضة طويلا، إلا أن الغريب والذي يصيب أي عاقل بالدهشة ، رفض المبادرة الجريئة من قبل المعارضة حتى قبل ان ينهي الأخ الرئيس كلمته ،وليس لذلك أي معنى سوى أن المعارضة تتجه للرفض من اجل الرفض فقط ، لا من حيث المضمون أو الشكل أو الحيثيات ، وإلا لكانت المعارضة أخذت وقتها وتشاورت فيما بينها ، على الأقل لتقنع الناس بجدوى رفضها وما هي الأسباب التي ارتكزت عليها .• لن أبالغ إن قلت أن الأخ الرئيس قد فاجأ حتى المقربين منه في صيغة وتوقيت ومكان المبادرة، فالصيغة بدت متناغمة تمام مع ما يدعوا إليه شباب التغيير، وجاءت منسجمة مع ما سعت إليه المعارضة ، ومن حيث التوقيت فقد جاءت في وقتها لا كما يقال أنها أتت متأخرة ، ولا يوجد تأخير بين المتحاورين إطلاقا ، فنحن نرى المتقاتلين في دول أخرى يجلسون على طاولة الحوار بعد ألاف القتلى ولم يقل لهم احد ان الوقت قد تأخر أو فات ، فإن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبدا ، أما من ناحية المكان فقد جاء وفق الرؤية التي دعت إليها المعارضة في إحدى نقاطها الخمس ، بأن يتوجه الأخ الرئيس بمبادرته إلى الشعب وهو ما فعله تماما ، فقد نادى بما يفيد الشعب نفسه ، فالشعب هو الباقي ، والأشخاص زائلون بمفهوم الشخصنة ، والأحزاب زائلة بمفهوم الانتهازية بما فيها الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة ، ويبقى الوطن الذي يحوي بين جنباته الشرفاء فقط .• لقد صدمت مبادرة الأخ الرئيس المعارضة لأنها لم تتوقع منه ذلك لأنها بكل بساطة قاسته بمستوى فهم بعض أعضائها للأحداث الجارية ، وكنت واثقا وراهنت الجميع بأنه سيقدم كل شيئ لتجنيب الوطن ويلات القادم المؤلم ، وقلت في مقالي السابق بالحرف الواحد (وان كنت أتوقع منه أن يقدم ما لا يخطر على بال احد من اجل مصلحة اليمن وهو الذي عودنا على تقديم العديد من المبادرات ، فلندعه يقود عملية تصحيح واسعة ،إنها فرصتنا جميعا أن نحكم لغة العقل من اجل التغيير الايجابي بأقل خسائر ممكنة) ، وذلك ما حصل ولكن ما راهنت عليه أيضا أن ترفض المعارضة اي مبادرة لكنالمفاجأة أن ترفض حتى من قبل أن تسمع ؟.• إخواني وأخواتي الشباب والفتيات في ساحة الجامعة وميدان التحرير وبقية ساحة الوطن ، يا من لا تتبعون المعارضة ولا الحزب الحاكم ، انتم فقط من وجهت إليكم المبادرة مع بقية أفراد الشعب ، وانتم من فرضتم واقع التغيير السلمي في بداية الأمر قبل أن يتسلق على أعناقكم من لهم مآرب أخرى ، لقد نلتم انتم أيها الشباب ما لم تنله المعارضة بجحافلها ، لأنكم بدأتم بصدق قبل أن ينحرف مسار البعض وتتفوق عليه الرغبة الحزبية عن الانتماء للوطن ، يكفيكم اليوم أن تفاخروا بأنكم مصدر التغيير بأسلوب سلمي مغاير تماما لما حدث ويحدث في الدول الأخرى ، ورحم الله كل روح بريئة أسلمت نفسها إلى بارئها من قوات الأمن وشباب الوطن ومن الله على المصابين بالشفاء العاجل .• في اعتقادي أن المبادرة ستكون حاسمة في توضيح الرؤى ليس أمام الداخل فقط بل أمام الرأي العالمي ، فقد اتضحت الرؤية طرف يقدم التنازلات حتى وان كانت متأخرة وطرف يرفضها حتى قبل سماعها ، طرف يريد تهدئة الأمور ، والآخر يقود إلى اشتعالها ، وكما يقول المثل تستطيع أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت .• فخامة الرئيس حتى يكون للمبادرة صدىً فعال فعليكم الإسراع في تنفيذها ، وبالتوازي مها يجب الإعلان عن كشوفا المفسدين في السلطة والمعارضة ، وإذاعة أسمائهم في وسائل الإعلام ، وعلى هيئة مكافحة الفساد ان لا تحاربهم على استحياء بل عليها أن تعلم الشعب بما وصلت إليه من نتائج ، لكي يتسنى للناس معرفة المفسد من المحسن ، وألا ما دورها إن بقيت الملفات لديها أو رفعت سرا للنيابة العامة ، ففي هذا استغفال للرأي العام الراغب في كشف الفاسدين ، وألا تظل هذه الكلمة منفردة بل يجب أن تضاف إليها القوائم الاسمية للمفسدين والمتنفذين والمتلاعبين بخيرات البلاد والعباد .• فخامة الرئيس أنت عازم على التغيير فلا تجعل للتغيير حدوداً ولا أقارب وهيئات ولا أحزاباً ولا منظمات ، اجعل سيف التغيير يطال الجميع بالحق ، فالشعب بعد سماع مبادرتكم الشجاعة ينتظر منكم التطبيق ، فالوقت لم يتأخر كما يقول البعض بل هو بدأ فعلا ، والناس كلما شعرت بخطوات التغيير، وبدأت تتلمسها على ارض الواقع ،هم فقط من سيثورون على أعداء الوطن ، وحينها لن تجد في صف الطرف الآخر احداً، فالطرف الآخر يزايد على التغيير ، فإن بدأ التغيير فعلا فلن يجدوا شيئا آخر يزايدون عليه .[c1]* باحث بجامعة الجزائر [email protected][/c]
مبادرة لا تقبل الرفض
أخبار متعلقة