غضون
* رجال الدين الذين تكلموا حول قضية الساعة في اليمن، يستطيع المتابع ملاحظة أنهم صنفان متناقضان وما يجمع بينهم أنهم جميعا يقولون إن الآراء والفتاوى التي يوجهونها للجمهور تمثل حكم الإسلام الصحيح، بينما هي آراء وفتاوى متناقضة، وما يجمع بينهم أيضا هو التطرف.. وبين التطرفين يجلس في الوسط صنف ثالث صامت.. لا ينسب إلى ساكت قول، وربما كان لدى هؤلاء الأخيرين جزء من الحقيقة الغائبة، لكنهم يسكتون إما إيثاراً للسلامة أو (وأنا مالي).وإذا عدنا للصنفين الاثنين المتناقضين والمتطرفين، سنجد الأول يعتلي المنابر يحرض الناس ويفتي بأن هذه الاعتصامات والمظاهرات التي يطالب أفرادها وجماعاتها برحيل رئيس الجمهورية وإسقاط النظام هي ضرب من الأمر بالمعروف وضرب من الجهاد الذي أمر به الله، ويحثون المعتصمين والمتظاهرين على البقاء على ما هم عليه حتى يسقط النظام! ويقولون لهم لا تقبلوا بحل القضايا عن طريق الحوار لأن ذلك سيقود إلى (انكسار راية الأمة). أما الصنف الثاني فيقول- وباسم الإسلام أيضاً- الاعتصامات والمظاهرات محرمة شرعاً، والدعوة إلى إسقاط النظام خروج عن طاعة ولي الأمر لا يجوز شرعاً.* يكمن تطرف الصنف الأول في الحض على العنف وعدم احترام الدستور والقانون وعدم الاعتراف بالنظام الديمقراطي، واستخدام الديمقراطية لضرب الديمقراطية نفسها، من خلال استعمال حرية الرأي والتعبير للقيام بدور للترويج للفوضى التي لا يحسبون عواقبها إلا من حيث أنها ستفضي- بغض النظر عن الثمن- إلى عودة نظام الخلافة الإسلامية بعد اسقاط النظام الجمهوري . ويكمن تطرف الصنف الثاني في انحيازهم إلى (طاعة ولي الأمر) إلى درجة تحريم الحلال وعدم الاعتراف بالديمقراطية، بل وعدم الاعتراف بدستور وقانون، هما يمنحان المواطن الحرية في التعبير عن الرأي وحق التجمع وحق اختيار الحكام.. وهذا الصنف الثاني يتطوع أصحابه بآراء وفتاوى لا يريدها الرئيس منهم لأنه يدرك تماماً أنها تتعارض مع النظام السياسي الديمقراطي.ونشير أو نذكر في نهاية هذه الفقرة إ لى أن هؤلاء المتطرفين في هذين الصنفين أو المعسكرين هم ممن نالوا في السابق دعماً ورعاية مباشرة من قبل الرئيس علي عبدالله صالح إلى حد التمكين الفعلي في الميدان.* وفي الوسط بين التطرفين والحق بين الباطلين، جلس ويجلس- كما قلنا قبل- رجال الدين الهداة المستنيرون صامتين لا يبدون رأياً حول قضية الساعة، إما إيثاراً للسلامة من المتطرفين أو نكاية بالنظام وتشفياً به، وثأراً لأنفسهم من تضييعهم وسط الانشغال بأمور المتطرفين في المعسكرين الذين مكنوا تمكيناً قوياً عصف بالتعدد الثقافي والمذهبي وبمصائر المستنيرين والمجددين.. لقد زحزحوا إلى الصفوف الأخيرة، وأقصوا عن منابر التأثير، وصاروا يشعرون بالغربة والاستضعاف، وخفتت أصواتهم أمام أصوات المتطرفين.. ومع هذه الشهادة التي أسجلها لهؤلاء أقول أيضاً إنه ينبغي عليهم الخروج عن صمتهم في الأوقات التي يكون فيها الحياد انهزامية والصمت عن الحق شيطانية.