محمد العلائيكنت مخزناً بعد المغرب في ساحة التغيير رفقة زملاء صحفيين وناشطين، حينها تلقيت مكالمة من الزميلة غادة العبسي كان صوتها مخنوقاً بالبكاء، لم تستطع الحديث، بالكاد فهمت أنها في ساحة التغيير بجوار الأكشاك، خرجت مهرولا مصدوما ذاهلا. وصلت وبدأت اسألها: ايش حدث؟ مالك؟ لم تجبني إلا وشخصين يقتاداني قدما نفسيهما على أنهما من اللجنة الأمنية، كانا يمسكاني من ذراعي والزميلة غادة تتبعنا. أدخلونا خيمة صغيرة تؤدي إلى خيمة أخرى، كنت أتلعثم من الصدمة واسألهم بإلحاح: ما الذي حدث؟ أنا محمد العلائي، أنا صحفي. كانوا يرددون: انتم قتلة ودم الشهداء في أعناقكم. في الخيمة التي هي أشبه بمخفر شرطة متنقل وقاعة محكمة أيضا، يتم الفصل فيها سريعا. حاولت أن اتصل بالزملاء الذين كنت معهم لكن شباب التغيير جردونا من تلفوناتنا بالقوة. وأجلسوني بالقوة.. لم استطع توضيح شيء، ادهم شرع في الاعتداء على غادة، بدأت اشعر بالخوف. كانوا صلفين وغلاظاً، اثنان منهم ملتحيان ، ويبهررون بأعينهم . بعد دقائق جاء اثنان يلتقطان صورا فوتوغرافية وآخر يصور بكاميرا فيديو، فهمت فيما بعد أنهم يعرضونها في قناة سهيل ضمن قائمة ما يسمى بـ“البلاطجة “. عرفت حينها طبعا أن سبب هذا الهتك والترويع والاهانات هو أن الزميلة غادة، التي تبحث عن وظيفة منذ سنوات، واعترضها قبل أسبوع عسكر من الحرس الرئاسي لأنها سألتهم عن مكتب الرئيس تريد مقابلته لأنها لم تحصل على وظيفة. كانت يائسة وقانطة وتريد اختبار صدق الإعلان الرئاسي بفتح مكتب صالح للمواطنين.قصدي أن سبب تصرف عسس الجامعة مع غادة هو أنها جاءت لتوزيع استبيان عن القنوات الفضائية، كان بحوزتها مجموعة ورق لا غير، اعتبرها عسس ساحة التغيير مبتعثة من قبل “القتلة” لاختراق صف الثورة والتشويش عليه . مشهد كابوسي، تذكرت (جوزيف ك) في رواية “المحاكمة” الذي يتم اقتياده الى المشنقة دون أن يدري لم فعلوا ذلك . مهما حاولت فأنا عاجز تماما عن وصف ما اشعر به، وعن وصف ما حدث، وما زلت تحت تأثير الصدمة . لم أتعرض لاهانة كهذه طيلة حياتي. لا اعتقد انه يمكنكم تخيل كيف أن الوجع والصدمة مضاعفة لأنني تبهذلت على يد رجال التغيير الذين كنت أقاسمهم المصير. كتبت ضد السلطة وعارضت وانتقدت في شتى الصحف . فليتلقوا شرحي للحادثة هكذا كيفما تلقوه، لكني اقسم لكم أن الفاشية تتخلق في ساحة التغيير في أجلى صورها. ما يزيدني قهراً هو إنني ذهبت متحمسا لمشاركة الشباب الذين أدهشتني عروضهم يوم السبت . أنا ضحية الثورة. والثورة هي المستقبل. إذن لن ينصفني أحد ولا زميلتنا غادة التي مارسوا ضدها أبشع أنواع الفاشية.
الفاشية تتخلق في ساحة (التغيير)
أخبار متعلقة