غضون
* الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى..وهذا هو الاسم الرسمي لهذه الدولة المكون من ست كلمات ويزيد عدد سكانها قليلاً على ستة ملايين نسمة وتشترك مع ست دول في حدود برية إلى جانب البحر الأبيض وتزيد مساحتها على مليون وسبعمائة ألف كيلو متر، ونظامها “جماهيرية” لا وجود في العالم سواها يحكمها القذافي منذ عام 1969 وتنتج في اليوم أكثر من مليوني برميل نفط إلى جانب الغاز وفيها 13 جامعة ، ودخل الفرد يزيد على عشرة آلاف دولار .. وأرقامهم في كل المجالات عالية على أية حال. خلال أربعة أيام دمر الليبيون نصف ما بني في بلادهم.. في هذه الفترة القصيرة قتل أربعمائة شخص حسب بعض التقديرات المتواضعة .. مكاتب الحكومة تحرق وتنهب وكذلك أقسام الشرطة ووسائل الإعلام الحكومية والبنوك، والقبائل توقف العمل في بعض حقول النفط.* مدن كبرى مثل بنغازي وسرت والبيضاء خرجت عن سيطرة الجماهيرية، وطرابلس في الطريق، وهذا الولد سيف الإسلام القذافي يطمئن المواطنين أن قبائل في طريقها إلى العاصمة لحمايتها!الشرطة تنقسم إلى عشائر والجيش ينقسم إلى قبائل ومسؤولون كبار يتسابقون على إعلان الاستقالات والبراءة من النظام .. والعصابات هي الوحيدة المتماسكة وهي سيدة الموقف .. ما هذا الذي يحدث؟.الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى تدمر بهذه السهولة، والقذافي الذي منح لقب ( ملك ملوك أفريقيا) يفقد ثقة شعبه في جولة غضب واحدة .. ما هذا ؟ ليبيا عاصمة القومية العربية أصبحت عرضة للتفتت وتبرز فيها العشائرية والعداوات القبلية .. يا لطيف .. يا لطيف.لا ينقص الليبيين نفط ولا غاز ولا دخل مرتفع ولا رعاية صحية ولا تعليم ولا ولا ولا .. ما الذي كان ينقصهم وجعلهم يثورون هذه الثورة العمياء التي تحطم كل شيء قائم أمامها؟ * هل سئموا قائد الثورة أم يبحثون عن الحرية والديمقراطية.. أم هم يقلدون ما حدث في تونس ومصر ولكن بصورة مختلفة ومن خلال سلوك متأثر ببيئة الصحراء القاسية؟ كل ذلك وارد وهم أدرى أما ما نعرفه نحن المراقبين من بعيد فهو أن هذا الخراب لأصحاب دوافع لا شك في ذلك .. وليس بالتأكيد دوافع من تلك التي اعتدنا سماعها من الحكام العرب ..دوافع خارجية..مؤامرة أجنبية.. وغيرها من هذا القبيل.الزعيم القذافي خرج قبل يومين إلى وسط طرابلس يتظاهر مع المتظاهرين ضد الفساد في اللجان التنفيذية أي الحكومة.. والفساد المالي في ليبيا أقل تأثيراً في حياة الناس هناك من الفساد الذي تمثل في صرف جزء كبير من عائدات الثروة لتمويل المنظمات الثورية وكذلك الإرهابية في شتى أنحاء الأرض وتعويض ضحايا العمليات الإرهابية التي نفذها عملاء المخابرات في البر والبحر والجو .. ولعل الفساد الحقيقي الذي جعل ليبيا في مهب العاصفة هو جعل السلطة الحقيقية بيد القرابة بوصفهم “ أهل الثقة”.. واستبعاد “ أهل الخبرة”.. ولعل ذلك هو ما سيجعل الجيش الليبي بلا مهمة وطنية في هذا الوقت العصيب.