في كتاب جهاد فاضل (أم كلثوم.. نغم مصر الجميل):
القاهرة/14اكتوبر/ رويترز :يقول الكاتب والناقد اللبناني جهاد فاضل في كتاب له، إن أي دراسة موضوعية تتناول (السيرة الذاتية الحميمة) للسيدة أم كلثوم لم تظهر حتى الآن.ورأى أن أم كلثوم عوملت (كامرأة قيصر) ذات منزلة رفيعة منعت الألسن من أن تتناولها، مما يدفع إلى القول إن سيرتها العاطفية لم ترو بعد.وقال جهاد فاضل (بعد مرور سنوات طويلة على رحيل كوكب الشرق أم كلثوم، لم تظهر بعد الدراسة الموضوعية الباردة التي تحيط بسيرتها الذاتية الحميمة أو العاطفية).وأضاف يشرح ما اعتقد انه من أسباب ذلك فقال ((ذلك إن أم كلثوم أحيطت دائما بحصانة منعت على الدوام تعرض وسائل الإعلام لحياتها الخاصة. وباستثناء فترات محددة (في البدايات على الخصوص) كانت الصحافة المصرية خلالها تتناولها بحرية كاملة، كما تتناول أي فنانة أخرى.. إن أم كلثوم عوملت كشخصية استثنائية رفيعة المقام إن لم نقل كملكة من الملكات، كامرأة (قيصر )حسب تقاليد روما القديمة)).((وعندما تزوجت من الدكتور حسن الحفناوي تدخل (الرئيس الراحل) جمال عبد الناصر شخصيا لمنع الصحف المصرية من أن تنشر - تصريحاً أو تلميحاً- أي خبر عن زواجها)).ونقل الكاتب رواية عن البكباشي موفق الحموي، الذي كان مديرا للرقابة انه عندما اتصل به عبد الناصر ليبلغه هذا الأمر سأل الرئيس عما إذا كان الخبر شائعة من الشائعات فرد عبد الناصر (لا الخبر صحيح غير أن أم كلثوم اتصلت بي وأخبرتني عن زواجها، ولكنها طلبت مني منع نشر الخبر في الوقت الراهن، وهذا كل شيء وهذا اقل ما استطيع فعله لها).وقد أورد مثلاً آخر في هذا المجال فقال انه عندما (وقعت مرة في يد احد المسئولين المصريين أوراق خاصة تتصل بالصحافي المصري الراحل مصطفى امين (1914 - 1997) منها عقد زواج رسمي بينه وبين أم كلثوم ورسائل من أم كلثوم تخاطبه فيها بعبارة <زوجي العزيز> حمل المسئول هذه الأوراق على الفور إلى الرئيس جمال عبد الناصر.(امسك عبد الناصر بالأوراق ونظر إليها وابتسم، من دون أن يعلق بشيء ثم وضعها في جيبه. ومن يومها لم تظهر هذه الأوراق على الإطلاق ولم يطلع احد عليها. ويضيف المسئول المصري الذي روى هذه الحكاية انه لا يعلم ما الذي فعله عبد الناصر بهذه الأوراق. وأغلب الظن انه أخفاها تماما ولم يتحدث فيها لا إلى أم كلثوم ولا إلى سواها، معتبرا إياها (شأناً خاصاً لا يجوز لأحد أن يتدخل فيه).ويقول هذا المسئول المصري إن عبد الناصر كان يحب أم كلثوم ويحترمها ويعتبرها قيمة وطنية عالية. ولم يكن يتهاون في الدفاع عنها وتكريمها وحمايتها من أي محاولة للإساءة إلى مكانتها أو المساس بمشاعرها.وقد ورد ذلك في كتاب جهاد فاضل (أم كلثوم.. نغم مصر الجميل) الذي تألف من 206 صفحات متوسطة القطع وصدر عن دار (رياض الريس للكتب والنشر) في بيروت.وقال في مكان آخر انه رغم مرور أكثر من ثلث قرن على رحيل أم كلثوم (توفيت سنة 1975) فإن <الكثير من جوانب حياتها الخاصة أو الشخصية لا يزال يحيطه الغموض. فالباحثون المصريون على الخصوص يمرون مرورا سريعا على هذه الحياة، وكأن أم كلثوم لا يجوز الاقتراب من حياتها الخاصة إلا بورع واحترام، فهي رمز لا إنسان يمكن معالجة كل ما يتصل به، بل هي سر من الظلم جعل الشفرة الخاصة به مباحة أمام الجمهور العريض لان في ذلك ما يسيء إلى ذكرى القديسة الكبيرة الراحلة.(وحتى عندما يكشف الباحث أو ما يشبه الباحث جوانب من علاقتها العاطفية مع فلان ولنفترض انه الموسيقار محمود الشريف الذي قيل إنها هي التي لفتت نظره إلى معاناتها وحاجتها إليه أو إلى رجل ليكون إلى قربها، أو بهي الدين بركات باشا قريب الأسرة المالكة (الذي قيل انه توله بها وعرض عليها الزواج) فإن القارئ يشعر بأن البحث في هذه الجوانب لم يستوف بما فيه لكفاية لا لشح المعلومات وحسب أو لعدم دقة ما لدى الباحث منها، بل لسبب آخر هو الخوف من الخوض في أمر قد يسبب له المتاعب. عندها تتعثر الخطوات ويتلعثم الراوي).تابع الكاتب كلامه قائلاً في فصل آخر (ويبدو أن السنوات التي انقضت على وفاتها زائدا سنوات حمايتها من عبد الناصر وفقدان شهود زمن شبابها وكهولتها، من شأنها أن تحجب إعادة فتح ملفها العاطفي على الخصوص، أن لم تمنع طرح أسئلة بصدده).والواقع كما قال الكاتب هو أن (كثيرين أحبوا أم كلثوم وطلبوا يدها، سواء من كبار مصر، ومنهم شريف صبري باشا خال الملك فاروق أو من غيرهم).ولعل في عناوين بعض فصول الكتاب ما يطرح في ذهن القارئ خطوطا عريضة عن موضوعات وأشخاص في حياة كوكب الشرق.من عناوين الفصول ما يلي (الشيخ أبو العلا محمد: هل كان حبا؟) و(محمود الشريف: قمر ضل مداره) و(حسن الحفناوي: زواج بلا رومانسية) و(احمد رامي: رومانسية بلا زواج).ومن العناوين أيضاً (ألهمته كما أوهمته) وفيها يتحدث كذلك عن احمد رامي وأم كلثوم وتلك العلاقة غير العادية فقال (الشائع إن علاقة عاطفية ما ربطت بينهما. ولكن ما هو نوع هذه العلاقة؟ هل كانت حبا بالمعنى المعروف لهذه الكلمة أم كانت حبا من نوع خاص؟ لا ينكر أحد أن رامي كان مولعا بأم كلثوم فكل الروايات تجمع على انه كان لها في قلبه مكانة عظيمة. وإذا تركنا هذه الروايات جانبا وجئنا إلى الأشعار العاطفية التي غنتها أم كلثوم له - وهي كم هائل إذ تبلغ 137 قصيدة من 283 قصيدة هي كل أغاني أم كلثوم - تأكدت لنا هذه المكانة الخاصة>.ومن العناوين (الباشا والصحافي) ومنها (قصب) في السيرة الكلثومية وفيها تناول الكاتب قصة محمد القصبجي احد كبار الموسيقيين والملحنين العرب في القرن العشرين رفيق سيد درويش منذ البدايات وأستاذ محمد عبد الوهاب والخاسر أمام رياض السنباطي في مباراة التلحين لام كلثوم والعازف العبقري على العود ومتعهد أسمهان في خطواتها الأولى في عالم الغناء لا يخشى لومة لائم - واللائم أم كلثوم نفسها التي وجدت في هذه المطربة الشامية الشابة منافسا خطرا - وملحن أكثر الاغاني خلودا في حياة أم كلثوم وأسمهان: (رق الحبيب) للأولى و(اسقنيها بأبي أنت وأمي) للثانية.وتناول الكتاب كيف انتهى هذا الكبير إلى مجرد عازف عود في فرقة أم كلثوم وكيف سيطر عليه ما يمكن أن يوصف بأنه عقدة نفسية (كلثومية).ومن الموضوعات المثيرة للاهتمام قصة أم كلثوم والشاعر السوري (بدوي الجبل) أي محمد سليمان الأحمد، الذي كان الشاعر الوحيد الذي رفض رغبة أم كلثوم في تغيير عنوان قصيدة له أرادت أن تغنيها شرط أن يغير عنوان القصيدة من (شقراء) إلى (سمراء). سائر الشعراء كانوا يغيرون في قصائدهم وفقاً لطلب أم كلثوم إرضاء لها، أما بدوي الجبل فرفض مضحيا بذلك الخلود الذي كان سيكسبه إياه غناء أم كلثوم لقصيدته. كانت حجته انه نظم القصيدة في فتاة سويسرية شقراء. لكن الكاتب يكشف عما اسماه (الحقيقة) وهي أن الشاعر نظم القصيدة لشاعرة سورية شقراء كان يحبها وهي عزيزة هارون وصعب عليه تغيير عنوان القصيدة.في الكتاب معلومات كثيرة وقد صيغ بسلاسة وسهولة. بعض ما قد يؤخذ على جهاد فاضل هنا انه في عدد من الأماكن كان يروي أحداثاً وكلاما وحوارات من دون أن يذكر مصادرها مع أنه في مجالات كثيرة غيرها ذكر مصادره بوضوح.الكتاب يثير أسئلة أو يجدد طرح أسئلة عن حياة أم كلثوم لم تجد أجوبة وافية عنها حتى الآن.