عودة إلى الخلف سنوات ، بعيد القضاء على الحكم الإمامي الكهنوتي والاستعمار البريطاني في اليمن، نجد تلك النهضة الثورية في مختلف مناحي الحياة ، تمثلت في عملية التغيير في مختلف مناحي الحياة ، ولعل الميدان التربوي والتعليمي كان أكثر الميادين التي منحتها الدولة اهتمامها ، وكانت البداية في بناء المدارس في المناطق الريفية والنائية البعيدة عن المدن ، والتغيير التدريجي للمناهج التعليمية وتطوير السلم التعليمي ، فضلاً عن رفد المدارس بالعناصر التربوية المحلية ، الوطنية ، بدلاً عن المدرسين الأجانب الذين كان معظمهم من مختلف الدول العربية . زد على ذلك تعبيد الطريق لتسهيل المضي نحو تحقيق النجاح المنشود للعملية التعليمية في البلاد من خلال مجانية التعليم ، وفي منح الطلاب الجامعيين مبالغ رمزية تعينهم على سد بعض متطلبات الدراسة الجامعية ، كما قامت الدولة بتوفير وسائل المواصلات للتلاميذ القاطنين في المناطق البعيدة عن مواقع مدارسهم، وكذا لطلاب الكليات المختلفة ، ومن خلال توعية أفراد المجتمع بأهمية التعليم وضرورته في التنمية والتطوير والتقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وغيرها من صعد الحياة . وكان التعليم حلم شرائح المجتمع اليمني الفقيرة ، التي حرم أبناؤها منه عقوداً من الزمن إبان عهود الظلام ، خاصة إبان الحكم الإمامي الذي قيد الحريات وساد الجهل والتخلف بين أوساط الشعب ، ومازالت تداعيات ذلك العهد لها آثارها الممتدة حتى اليوم ، ونلمس كثيراً منها في ظاهرة منع عدد من الأسر تعليم أولادها والاكتفاء بتحفيظ القرآن الكريم في المساجد . وهناك أيضاً عدد من الأسر التي تمنع بناتها من التعليم ، بحجة أن البنت لها البيت ، وترتكب فوق ذلك أبشع الجرائم الإنسانية بحق الفتاة ، إذ يتم تزويجها في سن مبكرة ، وربما قبل سن البلوغ ، أي وهي قاصر ، لا تعرف ماهية الزواج وأحكامه. إن مشكلة التسرب من المدارس تكاد تشكل عائقاً أمام عجلة التنمية في بلادنا ، لا بل لعلها السبب الرئيسي في إفساح المجال للمتطرفين دينياً للتأثير السلبي على هؤلاء الأطفال والشباب وحشو عقولهم الغضة بمفاهيم لا تمت بصلة إلى قيم وأخلاقيات الدين الإسلامي الحنيف ، ولا نذهب بعيداً ، فما حدث قبل أيام لأحد الإعلاميين اليمنيين في العاصمة صنعاء خير شاهد على ما نقول ، عندما راح هو و ولداه ضحية الأفكار السامة التي حملها ابنه الذي قام بقتلهم جميعاً ، وهناك الكثير من الشواهد المماثلة التي نراها للأسف تنمو في محيطنا كالفطر ، والكل يقف متفرجاً ولا يحرك ساكناً ، عدا بعض المنابر الإعلامية ، منها صحيفتنا الغراء ، التي تحاول جاهدة التنبيه ودق جرس الإنذار قبل وقوع الفأس بالرأس ، كما يقال . وندرك جميعاً أن هناك أسراً فقيرة في بلادنا يجبر أبناؤها على ترك المدارس للبحث عن عمل ، أي عمل كان . والتسرب من المدارس لا يقتصر على المدن فحسب ، وإنما في الريف أيضاً ، ولعل الأخير ترتفع فيه نسبة تسرب التلاميذ من الجنسين بزيادة عن المدن ، فالأهالي هناك يدفعون أولادهم للعمل في الحقل أو في أي أعمال أخرى للتخفيف من نفقات الأسرة وسد حاجتها . أما في المدن فللتسرب أسباب عدة فضلاً عن الفقر ، منها بعد بعض المدارس عن سكن التلاميذ ، تخوف الأهالي على أبنائهم من حوادث مختلفة وأخيراً الأفكار المناهضة للتعليم والعلم والتحضر . لذلك فإننا نعيد إلى الأذهان ، حتى لا تستفحل الأمور ، وحتى لا نعض على نواجذنا بعد فوات الأوان . وفي هذا المقام نشيد بدور شبكة الإرادة من أجل التخفيف من الفقر في محافظة عدن ، التي تقوم حالياً بوضع برنامج عمل لزيارة المواقع ذات الكثافة السكانية ، حيث الكثير من الأسر الفقيرة التي لم تتمكن من إلحاق أبنائها في المدارس ، ورصد واقعها والبحث عن حلول لها ، ونهيب بمكتب التربية والتعليم في المحافظة ، وبقية منظمات المجتمع المدني التعاون معاً والتكاتف من أجل القضاء على أسباب التسرب من المدارس، واجتثاث شأفة التخلف والجهل والأفكار الهدامة التي تسيء إلى ديننا الحنيف الذي يحض على التعليم والعلم والعمل، فبالعلم ترقى الأمم وتتكاثر وتتطور ، فكيف لا نتوق لأن يباهي بنا رسولنا الحبيب الأمم يوم القيامة .
أخبار متعلقة