مصر الكنانة على صفيح ساخن
القاهرة / محمد الصادق :مرت جمعة “الرحيل” هادئة في مصر.. فلم يشهد ميدان التحرير أي احتكاكات بين آلاف المتظاهرين الذين احتشدوا في ميدان التحرير بوسط القاهرة للتعبير عن آرائهم ومطالبهم، وبين مسيرات أخرى توزعت بين ميدان مصطفى محمود بالمهندسين، وميادين عبدالمنعم رياض والعباسية وشوارع طلعت حرب وعبدالخالق ثروت وقصر النيل والقصر العيني المؤدية إلى ميدان التحرير تأييدا للرئيس مبارك .اللافت للنظر أن ثمة قنوات فضائية عربية تحولت من وسائل إعلامية مهمتها تغطية الحدث والخبر والرأي بالصوت والصورة بكل الاتجاهات، إلى غرف عمليات حربية تمارس الدعاية والتحريض والحرب النفسية باتجاه واحد، الأمر الذي أصاب مهنيتها ونزاهتها في مقتل.يقينـا أن (جمعة الرحيل) كانت هادئة.. فلم نشاهد زحفـا على قصر الرئاسة ومبنى الإذاعة والتلفزيون على نحو ما جاء في التهديد الذي أطلقه منظمو ( جمعة الرحيل) .. ولم نشاهد صورا حية لرحيل الرئيس المصري من منزله في روكسي بمصر الجديدة .. ولم نسمع أيضـا البيان رقم (1) من مبنى الإذاعة والتلفزيون.. لكن الناس كانوا على موعد آخر مع جمعتين ساخنتين.. إحداهما من طهران والأخرى من الدوحة، حيث ألقى كل من الإمام علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية والشيخ يوسف القرضاوي المرشد الروحي للإخوان المسلمين خطبتين ناريتين عبرتا عن أجندتين تختلفان من الناحية الشكلية، لكنهما تتقاطعان عند هدف مشترك واحد، هو القضاء على النظام الجمهوري في مصر واستبداله بنظام الإمامة القائم على طاعة الولي الفقيه ، أو نظام الخلافة القائم على طاعة الحاكم بأمر الله ولي أمر المسلمين.على مدى عشرة أيام ساخنة انشغل المصريون ببذل كل الجهود الممكنة للحفاظ على كيان الدولة الوطنية وحماية الأمن القومي والسلم المدني، وتوفير مقومات الاستقرار المعيشي، بينما انشغل آخرون بتوجيه الأوامر من الخارج ، والمقامرة في بورصة المراهنات على تسويق أجندات اقليمية ودولية وصهيونية وحزبية وأيديولوجية متناقضة ومتناحرة، وتنذر بمصير مأساوي للكيان الوطني والدولة المدنية في مصر الحديثة. ولعل أبرز هذه الأجندات المتصارعة ما ورد على لسان كل من الإمام علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الاسلامية في إيران والإمام يوسف القرضاوي المرشد الروحي للاخوان المسلمين، حيث لم يخف أحد منهما تمنياته وتطلعاته لتحويل مصر إلى دولة دينية فاشية من خلال الدعوة إلى (( الثبات)) في ميدان التحرير، (( ومواصلة “الجهاد” حتى يتم إسقاط “الطاغية” وإقامة الدولة الاسلامية والشرق الأوسط الإسلامي الكبير)).في جمعة ( طهران ) دعا مرشد الجمهورية الاسلامية الامام آية الله علي خامنئي في خطبة ألقاها لأول مرة باللغة العربية الى اقامة نظام اسلامي في مصر، مؤكدا ان الانتفاضات العربية اليوم (( زلزال )) يسير على خطى الثورة الاسلامية في ايران في 1979 ، ويبشر بولادة الشرق الاوسط الاسلامي الكبير !! وفي جمعة ( الدوحة ) دعا إمام الاخوان المسلمين يوسف القرضاوي من أسماهم ( المرابطين في ميدان التحرير بالقاهرة ) الى ما أسماه ( الثبات وعدم الاستماع الى الأصوات التي تدعوهم لمغادرة الميدان والعودة الى منازلهم بحجة أن مطالبهم قد تم قبولها والبدء بتنفيذها)!! ورأى القرضاوي (( أن مصر كانت منذ الفتح دولة اسلامية كبرى ، ومن مصر انطلقت صرخة الاخوان المسلمين الاحتجاجية ضد الغاء نظام الخلافة الاسلامية والمطالبة بعودته ، وان هذه الصرخة ما زالت مدوية حتى اليوم والشاهد على ذلك ما يصدر من حناجر شباب الاخوان المسلمين في ميدان التحرير وسائر أنحاء مصر منذ انتفاضة الشباب المباركة ) بحسب تعبير القرضاوي.. فيما قال الامام علي خامنئي في خطبة جمعة طهران ((ان الاحداث في مصر وتونس مهمة جدا وتعبر عن زلزال حقيقي وما يجري اليوم في مصر يدل على امكانيه استعادة أمجاد الدولة الاسلامية )) و اضاف قائلا : ياشباب مصر لا تتراجعوا حتى اقامة النظام الاسلامي ) مشيرا الى أن ((احداث هذه الأيام في مصر وتونس وبعض الدول الاخرى لها مغزى خاص بالنسبة الينا. هذا ما كان يقال دوما عن اليقظة الاسلامية لدى قيام الثورة الاسلامية الكبرى للامة الايرانية التي ستحيي هذا الاسبوع الذكرى الثانية والثلاثين للثورة الاسلامية المباركة )) .ومضى خامنئي يقول : (( ان الثورة الاسلامية في ايران أصبحت مصدر وحي ونموذجا بسبب استمراريتها واستقرارها واصرارها على المبادئ ويمكننا ان نسمع صدى صوت الثورة الاسلامية هناك في القاهرة.. ان ما نسمعه في مصر مألوف. ما نسمعه في القاهرة اليوم سمعه العالم كله في طهران عام 1979 )) واضاف موجها حديثه الى المعتصمين في ميدان التحرير (( لا تثقوا بقادة الجيش المصري فهم كانوا قبل ايام يدعمون النظام المصري، ولا تثقوا بالدور الاميركي والاوروبي لانهما مستعدان لتبديل عميلهما بعميل آخر.. وتعلموا من تجربة الثورة الاسلامية في ايران فقد انضم اليها بعض أبناء الجيش الايراني لكنها لم ترحم أولئك الجنرالات الذين كانوا حراسا لنظام الشاه العميل )) في إشارة الى المجازر والمشانق التي أقامتها اللجان الثورية الاسلامية لجنرالات الجيش الايراني السابق.وفي نفس الاتجاه دعا إمام الاخوان المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي في خطبة الجمعة التي القاها من على منبر أحد مساجد الدوحة وعلى مقربة من أكبر قاعدة أميركية في العالم الاسلامي الى مواصلة الانتفاضة الشبابية في مصر حتى تحقق كافة أهدافها ، وتحاسب الذين أفسدوا في أرض مصر. ثم قال ان (( من يحكم اليوم مصر ومنذ 30 عاما لم يعارض الحرية فحسب، وانما كان عميلا وخادما للصهاينة. مصر كانت تحمل راية مواجهة المد الصهيوني لكنها في ظل مبارك فرضت الحصار على الفلسطينيين في غزة ولولا تبعيته للصهاينة لم يكن بامكان الكيان الصهيوني فرض الحصار على غزة )) بحسب تعبيره !!ودعا القرضاوي الجيش المصري الى دعم المتظاهرين والوقوف الى جانب مطالبهم وحذرهم من مصير مشابه لمصير جنرالات جيش شاه ايران المخلوع الذين ترددوا في دعم الشعبية الاسلامية في ايران بحسب قوله .في هذا السياق نشر موقع «ويكيليكس» وثائق خطيرة كشفت أن لقاء سريا جمع مسؤولا عربيا ومسؤولاً إسرائيلياً نافذاً ، وكشفت الوثائق التي مازالت منشورة حتى اليوم على الانترنت عن خطة لضرب استقرار مصر بعنف، وعن دور محوري ستلعبه قناة تليفزيزنية فضائية لتنفيذ هذه الخطة، بواسطة اللعب بمشاعر المصريين لإحداث هذه الفوضى وممارسة الحرب النفسية ضد أركان النظام المصري.ووفقا لهذه الوثائق فإن المسؤول العربي وصف مصر بـأنها تشبه (( الطبيب الذي لديه مريض واحد ويجب أن يستمر مرضه ) مشيرا الى أن المريض الذي لدى مصر هو القضية الفلسطينية، في إشارة منه إلى أن مصر تريد إطالة أمد القضية الفلسطينية من دون حل، حتى لا تصبح مصر بلا قضية تضعها في منصب القائد للمنطقة العربية.إلا أن الهجوم العنيف على تحركات هذا المسؤول العربي جاء من حيث لايتوقع ، حيث هاجم وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد بعض الدول ـــ من دون أن يذكرها بالاسم ـــ التي تريد أن تتاجر بما يحدث في مصر بسبب ((نظرة قصيرة المدى )).وقال الشيخ عبدالله بن زايد: (( إن وقوفنا مع مصر ضرورة كبرى وملحة لكن في الوقت ذاته عتبنا كبير على بعض الأطراف التي تحاول أن تستغل وضع مصر لخدمة أجندات خارجية وأضاف: ((هناك بعض الدول لا تفهم المنطقة ولا تفهم مصر وتحاول أن تستغل ما يحصل في مصر لصالحها)).وتابع الوزير الاماراتي : (( نستهجن هذا التصرف القصير النظر، ونأمل الاستقرار بغض النظر عن طبيعة الحكومة في مصر التي ستبقى محور استقرار للمنطقة والدول العربية)).وأشارت وكالات الأنباء في تقارير لها خلال اليومين الفائتين إلى أن «ويكيليكس» لديه 7 وثائق عن قناة الجزيرة الفضائية التي اضطلعت بدور تعبوي ودعائي وحرب نفسية ضد مصر ، وبما يخالف أبسط الأعراف والقيم المهنية الاعلامية، وقد نشر منها موقع «ويكيليكس» 5 وثائق، وحجب وثيقتين بعد تفاوض ممولي هذه القناة مع إدارة الموقع. وعلى الرغم من أن الموقع التزم بسرية الوثيقتين، إلا أنه تم تسريبهما إلى عدد من وسائل الإعلام، أهمها جريدة الغارديان التي نشرت نصهما على موقعها وشملت ضمن محتواها تحليل السفارة الأميركية لموقع قناة الجزيرة على خريطة التحرك السياسي ودورها فى رسم ملامح بعض السياسات الاقليمية المعادية لمصر ولدورها المحوري في العالم العربي.وطبقا لما نشرته «الغارديان» البريطانية فقد أكدت الوثيقتان أن المسؤول الاسرائيلي أبلغ وزارة خارجيته ووزارة الخارجية الأميركية (أن قناة الجزيرة ستقوم ببث كل ما يذكي إشعال الفتنة في الشارع ليس فقط بين المصريين والنظام ولكن بين المصريين بعضهم بعضا)).الجدير ذكره أن قناة «الحياة» المصرية التي يملكها حزب (الوفد) المصري المعارض بثت برنامجا نقلت فيه عن وثائق ويكيليكس إن أطرافا اقليمية تستخدم قناة ( الجزيرة ) لبث الفتنة في مصر.