نجوى عبدالقادركتبت هذه الدراسة ـ قبل عشرين عاماً ـ للدكتور عبده بدوي أستاذ الأدب العربي الشاعر والناقد الذي ترأس تحرير مجلة (شعر) المصرية، وفيها يسلط الضوء على جانب مهم من جوانب علي أحمد باكثير، هو الشعر الغنائي ـ وبخاصة شعره الذي لم ير النور بعد، والذي مازال بخطه عند أسرته في سيئون.يقول الكاتب عبده بدوي، وهو من أقرب أصدقاء باكثير، وحضر مهرجان باكثير الذي أقيم في عدن في نهاية عام 1985م وذهب إلى حضرموت وزار أسرة باكثير واطلع على كل ما خلفه باكثير من قصائد وكتابات أدبية في مرحلة الصبا والشباب قبل أن يستقر به المقام في مصر.ولعل الدافع وراء ذلك أن باكثير قد عرف روائياً مسرحياً ولم يعرف على أنه شاعر إلا عند القليل، بينما نرى أن القصيدة الغنائية قد تحكمت حتى في أعماله المسرحية والغنائية بل ويمكن القول بأنها تحكمت في حياته، وأدخلتها في أكثر من منعطف ولما كان شاعراً مكثراً عرفته في أول الأمر مجلة (الرسالة) ، ومجلة (ابولو)، وعرفته الملفات الخاصة التي كان يضع فيها شعره، فإننا قد رأينا تقديم هذه الدراسة لأنها تضيء جانباً معتماً من جوانبه، وتكمل دائرة الحديث عن الحداثة في الشعر، وتعطي لكل ذي حق حقه وفي الوقت نفسه توقفنا على طريقة كتابة القصيدة العربية عند الشاعر.ويؤكد الدكتور عبده بدوي ريادة علي احمد باكثير للشعر الحر قبل أن تظهر قصيدة (الكوليرا) لنازك الملائكة بعشرة أعوام وهذا ما أكده علي أحمد باكثير في ما كتبه عن الكتب أو الدواوين التي كان يهديها إليه الشاعر الكبير بدر شاكر السياب .. ويعترف فيها بريادة باكثير للشعر الحر .ويواصل الكاتب والشاعر عبده بدوي في كتابه هذا الحديث عن شعر باكثير ويقدم في أثناء حديثه أبياتاً من قصائد كثيرة لباكثير منها القصائد العاطفية والقصائد الوطنية ثم القصائد الدينية والقصائد المترجمة عن الإنجليزية والفرنسية .. كما يقدم قصائد كان قد شارك بها الشاعر باكثير في عدد من المهرجانات الشعرية العربية مثل مهرجان الشعر الثاني في دمشق عام 1960م ومهرجان الشعر الخامس بالإسكندرية عام 1963م.. وهناك عدة أناشيد كتبها باكثير بمناسبات وطنية ـ كما كتب القصائد التي تندد بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والاحتلال الفرنسي والبريطاني لكل من مصر وسوريا ولبنان والجزائر واليمن.والاحتلال الإيطالي لليبيا والاستعمار الهولندي في اندونيسيا ..وغيرها من القصائد التي تعتبر صرخات مدوية في أذن القوى الغاشمة:[c1]ياقوة الظلم استبدي، وأغشمي، وتحكميفستعلمين غداً من الأنباء مالم تعلميوستندمين على خطاك .. ولات ساعة مندمإذ ينهض الجبار من إقعائه والمجثميرمي برأس في (كنانة مصر) صور الأنجمقد وضح الصبح لذي عينينلم يبق من شك ولا من مينأين الخلاص أين؟ أينلم يبق بين بينإما نحوز الغايتينأو نخسر الكرامتينإما نكون أبداًأولا نكون أبداًغداً وما أدنى غداً لو تعلمون إما نكون أبداً أو لا نكون[/c]وأخيراً يتحدث الكاتب عبده بدوي عن هذا الأديب الكبير الذي جاء من حضرموت يحمل بين جناحيه رسالة عربية وقومية، فقد أدخل الشعر في المسرح، وتحدث في مسرحياته عن مشكلات الأمة العربية وما تعانيه من مشاكل عديدة (الاستعمار، اللغة، الوحدة العربية، التاريخ العربي، الإسلام والتراث العربي والإسلامي، القضية الفلسطينية)، وغيرها من المشكلات التي وضعها باكثير في إنتاجه الأدبي الغزير والمتنوع.ونظراً لأهمية هذا الكاتب المبدع لم يبخل الكثير من أصدقاء باكثير بالحديث عنه وعن أعماله الأدبية التي تميزت بالصدق والوفاء والحب فقد كان علي احمد باكثير ـ رحمه الله ـ شاعراً في كل صغيرة وكبيرة من حياته ولقد كانت حياته ـ كالشعر يغلب عليها الشجن والقلق، والغربة والاغتراب، بالإضافة إلى القهر، كما كان موته كموت بعض أبطال التراجيديا، مليئاً بالمرارة، وبما لم يحسب له حساباً .. وبالكلمة.ويستمر الحديث عن باكثير الشاعر الغنائي:(نرى أن باكثير قد أعطى الشعر الكثير وفي الوقت نفسه نعرف أن الشعر قد أعطاه الكثير ونحن نعرف ـ كما يقول الدكتور عبده بدوي أنه في آخر حياته ـ وليتها طالت) !!قد حول بعض مسرحياته النثرية إلى شعر كما في مسرحية (إبراهيم باشا) بالإضافة إلى أنه كتب (الأوبرا) ممثلة في (قصر الهودج) والأوبريت ممثلة في (شادية الإسلام) كما ترجم وكتب بعض الأعمال بالشعر الخالص على نحو ما نعرف من فصول من مسرحية (الليلة الثانية عشرة)، ومن (روميو وجوليت) و (أخناتون ونفرتيتي).وإن كان مسرح باكثير قد نشر أكثره على الصفحات وعلى تلك الرقعة السحرية المسماة بالمسرح، أما ديوانه فلا يزال بدداً بين الصحف والمجلات وأيدي أسرته وبعض أصدقائه. ولقد كان حظ الأستاذ عبده بدوي أن حصل على بعض شعره بخطه من أسرته في القاهرة، وعلى نسخة خطية من بعض شعره الموجود لدى أسرته بمدينة سيئون، قدمها له ـ بكرم ـ تلميذه اليمني محمد أبوبكر حميد، هذا بالإضافة إلى شعر باكثير الذي كان يلقيه في (مهرجان الشعر) وعلى هذا الشعر الذي تجمع في يد الباحث اعتمد هذه الدراسة التي يأمل أن تكون مقدمة لأبحاث تتوالى عن علي أحمد باكثير، وقد تحقق للكاتب عبده بدوي هذا الأمل الذي بقي لأكثر من خمسة وعشرين عاماً .. وتم طبع ديوانه الذي جمعه وقدمه الباحث اليمني الدكتور محمد أبوبكر حميد.وتوالت الدراسات القيمة عن القامة الأدبية الشامخة:فما أكثر ما أحب أمته، وعقيدته! وما أكثر ما أحب الشعر!فلعل هذه الرسالة ترفع عنه بعض الظلم، ولعلها تزرع في صحراء الصمت المضروب عليه وردة، فقبره في حاجة إلى أن يغطى تماماً بالعديد من الورود !المرجع:حوليات كلية الآداب ـ جامعة الكويت، الرسالة السادسة في الأدب، علي أحمد باكثير شاعراً غنائياً، د. عبده بدوي، قسم اللغة العربية ـ جامعة الكويت الحولية الثانية ـ 1981م ـ 1400هـ
أخبار متعلقة