صباح الخير
دلت الأبحاث والدراسات على أن هناك عوامل بيئية وأخرى وراثية تؤثر على شخصية الطفل وتحدد سلوكه سواء طبيعيا أم غير طبيعي ، ولقد أكد العلماء والباحثون صعوبة فصل أثر الوراثة عن أثر البيئة في نمو الشخصية ، بمعنى أن العوامل البيئية والوراثية تتفاعل وتتعاون في تحديد شخصية الفرد ومدى توافقه وشذوذه .وقد أجريت دراسات على التوائم المتطابقة وقد وجد أن التوائم لها نسبة العامل الوراثي نفسها، فإذا تربى التوأمان في بيئة واحدة فإن الصفات والسمات تكون واحدة لديهما في حين لو تربى كل منهما على حدة في بيئة مختلفة فإن ما يكتسبه كل فرد ( أحد التوأمين ) يختلف عن الآخر من ناحية السلوك ومدى الأثر البيئي عليه .«إذن نستطيع أن نقول أن الانحراف ليس سلوكا بيئيا فحسب بل هو وراثي ايضا» .وتمثل الوراثة العوامل الداخلية التي وجدت من بداية الحياة وتنتقل الوراثة إلى الفرد من والديه عن أجداده بواسطة المورثات ( الجينات ) ، وقد أظهرت نتائج الدراسات التي أجريت في هذا المجال أن هناك أدلة تجريبية تؤيد فكرة الوراثة ، وقد أجريت أيضا على التوائم وأطفال التبني فوضح لهم أن للوراثة أثرا كبيرا على سمات الأطفال وحتى ميولهم المهنية . ودراسات أخرى أوضحت أن الأطفال حديثي الوراثة (الرضع ) تظهر عليهم أنماط سلوكية تلاحظ في أمهاتهم .إذن نستطيع أن نقول إن علاقة الوراثة بالسلوك الإنساني من أبرز المشكلات التي تجابه الإنسانية المعاصرة ، وبعض الفلاسفة القدماء أقروا بدور الوراثة في تكوين الفرد من ناحية (الطباع ، الأخلاق والسلوك) وفي القرون السابقة وجدت (مدرسة الأنتروبولوجية الإيطالية ) التي يترأسها (لومبروزو ) الذي وضع بعض الفرضيات الشائعة في هذا المجال .وهناك محاولة أخرى من أجل تفسير توارث الجريمة وفقا لمقاييس مندل ، وفي هذه الناحية نجد العالم الألماني ( كارل رات ) قد درس تاريخ 98 مجرما في أحد السجون فوجد أن انتقال السلوك الإجرامي بين أفراد عائلة كل مجرم من هؤلاء المجرمين يكاد يتفق مع ما هو متوقع حدوثه وفق القوانين المندلية في الوراثة بمعنـى إمكانية انتقال السلوك الإجرامي من السلف إلى الخلف .
تمثل البيئة كل العوامل المادية والاجتماعية والثقافية والحضارة التي تسهم بشكل أو بآخر في تكوين شخصية الفرد وفي تحديد أنماطه السلوكية أو أساليبه لكي يواجه مواقف الحياة ، فالبيئة التي يعيش فيها الفرد تشكله اجتماعيا وكما يؤكد العلماء والباحثون أن الفرد يكتسب أنماط ونماذج سلوكه من خلال تنشئته ، فإن البيئة تسهم في أعداد شخصية الفرد والدليل على ذلك اختلاف السلوك لكل من الجنسين في البيئات والثقافات المختلفة . وبوجه عام ، كلما كانت البيئة متنوعة وصحية كان لها التأثير الحسن على النمو ، فالجوع في الغذاء على سبيل المثال يؤدي إلى الهزال أو الموت ، كذلك الحال بالنسبة للجوع العقلي والانفعالي والاجتماعي الذي يدفع الفرد لارتكاب ما يشبع هذه الرغبات . وعندما أذكر العامل البيئي فإني لا أقصد به محيط الأسرة فحسب بل محيط (الرفقة ، ووسائل الإعلام ، والمدرسة وغيرها) .وتعد الأسرة محور وأساس تكوين شخصية الفرد ، فهي أولا تحتضنه لدى رؤيته نور الحياة وهي الجسر الذي يؤدي به إلى المجتمع وهي المدرسة التي يتعلم من خلالها أسس الحياة وقواعدها . ويشبع الطفل بواسطة العائلة جميع حاجاته الطبيعية الأساسية ويشعر بأهمية وجوده وأنه عنصر فعال غير مهمل في المجتمع ، فيشعر بالأمن ، والحب ، والحماية ، والقبول والعطف .وقد وجد الباحثون أن للخبرات التي يكتسبها الطفل من محيط الأسرة أثرا كبيرا على مستقبله وقدرته على التوافق المطلوب كما أكدوا أن الاتجاهات الأولى التي يتلقاها تعد الأرضية التي يترجم على أساسها الخبرات الجديدة .وفي جيلنا هذا نلاحظ أن الأسرة المعاصرة فقدت غالبية وظائفها الاقتصادية ، والاجتماعية ، السياسية والتربوية ، فقد تفرق تشكلها وأصبحت صغيرة وتغيرت نشاطاتها ولكن مع كل هذا لم تفقد حتى الآن دورها الأساسي ألا وهو حضانة الطفل ورعايته خلال أهم مرحلة من مراحل نموه الجسمي والنفسي والاجتماعي .ويشير بعض الباحثين إلى أن لجنوح الأطفال علاقة بجنوح الآباء ، ذلك انهم يؤكدون أن الطفل كائن صغير مقلد ، يتأثر بكل ما يحيط به ، ولا يوجد غير الآباء من يرسم له طريق التقليد فمثلا لو كان هناك اضطراب في شخصية أحد الوالدين فينعكس ذلك سلبا على نفسيته عاجلا أم آجلا ، كما يذكر لنا الباحثون بعض الأنماط الجانحة التي يتأثر بها الطفل … وهي الكحول ، والجريمة ، والسلوك الجنسي الشاذ ، والرذائل والسرقة .وهناك عدد من العوامل الأسرية التي تؤثر في تشكيل شخصية الطفل وهي :(حجم الأسرة - الحالة الاجتماعية و الاقتصادية - سلوك الوالدين و عمرهما - العلاقة بين الأبناء و الوالدين - المستوى التعليمي للوالدين ).
