قراءة في صفحة من صفحات تاريخ اليمن
إعداد/ محمد زكرياصهاريج عدن من أشهر المعالم التاريخية في اليمن وإن لم تكن أشهرها على الإطلاق يعرفها الداني القريب والقاصي البعيد دونت في كتابات الرحالة المسلمين أمثال ابن بطوطة الذي زار عدن في عصر الدولة الرسولية وتحديدًا في حكم السلطان المجاهد علي بن المؤيد بن داود الرسولي (764هـ / 1363م) وابن المجاور وغيرهما وتحدث كذلك عنها الرحالة الغربيون الذين زاروا ثغر عدن المحروسة في الماضي البعيد ولكن ـــ مع الأسف الشديد ـــ الكثير والكثير جدًا من الناس يجهلون تاريخ بنائها ومن بناها ؟ وما الغاية من تشييدها ؟ . وكيف كان شكلها الأصلي ؟ وما الغاية الرئيسة من بنائها ؟ . وما الأخطاء الفادحة التي وقع فيها المهندسون الإنجليز في ترميم الصهاريج ، فيجيب على تلك الأسئلة الصعبة والمعقدة مؤرخنا الأستاذ عبد الله محيرز في كتابه القيم (( صهاريج عدن )) .[c1]آراء متضاربة [/c]ويطرح الأستاذ محيرز عددًا من الآراء المتضاربة والمتباينة عمن بنى صهاريج عدن؟. البعض يقول إنّ من شيد الصهاريج هم اليمنيون القدامى وتحديدًا يعود إلى الممالك اليمنية القديمة والآخر يرى أنّ تلك الصهاريج بنيت في عصر الدول اليمنية التي ظهرت في مسرح العصور الإسلامية التي تعاقبت على حكم اليمن ردحا من الزمان كالدولة الرسولية والطاهرية ودولة بني زريع التي أقامت إمارة في عدن أمتد عمرها إلى أكثر من ثلاثين عاما الذين كانوا من ولاة الدولة الصليحية في عدن ويذكر آخرون أنّ من شيد تلك الصهاريج هم أبناء الفرس الجيل الجديد الذي خرج من أباء الفرس الذين ساعدوا سيف بن ذي يزن بطرد الأحباش الموالين للدولة البيزنطية من اليمن . ويقال أنَّ عدن شهدت في أيامهم حركة واسعة من العمران ومنها صهاريج عدن . [c1]ابن بطوطة [/c]يصف الرحال ابن بطوطة الذي زار عدن في عصر الدولة الرسولية ـــ كما سبق وأنّ ذكرنا ـــ جغرافيتها : . . . عدن مرسى بلاد اليمن على ساحل البحر الأعظم ( البحر العربي ) والجبال تحف بها ولا مدخل إليها إلاّ من جانب واحد ( ويقصد باب عدن أو العقبة ) وهي مدينة كبيرة ولا زرع فيها ولا شجر ولا ماء بها صهاريج يجتمع فيها الماء أيام المطر . وفي سياق حديثه يذكر بأنّ القبائل القادمة من البادية كانت تستغل أهلها لحاجتهم الشديدة إلى الماء فكانت تحول بين قوافل الجمال المحملة بالمياه المتجة إلى داخل المدينة مقابل أنّ يدفعوا لهم شيئًا من المال . وفي هذا الشأن يقول : فربما منعته العرب ، وحالوا بين أهل المدينة وبينه ( أي الماء ) حتى يصانعوهم بالمال والثياب . ويصف ابن بطوطة مناخ عدن قائلاً وهي شديدة الحر . وفي السياق نفسه يقول عبدالله المحضار عن مدينة عدن ( نقلا ً ) عن الجغرافي المقدسي في ( القرن 4 هـ / القرن 10 م ) إن عدن بلد جميل عامر كثير القصور وأشار إلى المياه بداخلها بالقول ولها آبار مالحة وحياض عدة ، وأنها ( عدن ) يابسة عابسة لا زرع ولا ضرع ولا شجر ولا تمر ولا ماء . [c1]عدن والأمطار [/c]وتذكر المراجع التاريخية أنَّ عدن كانت تشهد أمطارًا غزيرة في تاريخها الطويل حيث تصير إلى فيضانات تحدث الكثير من الخسائر الضخمة في الأرواح والممتلكات . كما حدث في عصر الدولة الطاهرية . وهذا ما يذكره المؤرخ ابن الديبع المتوفى ( 944 هـ / 1537م) في حوادث سنة ( 916هـ / 1510م ) قائلاً : حصل بمدينة عدن ، ولحج ، وأبين ، والسيلة وتلك النواحي مطر عظيم لم يعهد مثله ، من نصف الليل إلى عصر يوم الأربعاء . وامتلأت الصهاريج كلها حتى تفجرت وزاد الماء زيادة عظيمة ، حتى سال إلى البحر من نصف الليل إلى آخر النهار . ويتحدث ابن الديبع الخسائر التي أحدثها هطول الأمطار بغزارة على المدينة ، قائلاً : واشتد حتى أشفق الناس وخافوا . وسقطت بعدن بيوت حجر كثيرة ، وسقط بيت على أهله . وتذكر الروايات أن مدينة عدن سنة 1757م تحولت إلى سيول متدفقة أغرقت المدينة بالمياه ولم يمض شهران على سقوط تلك الأمطار على المدينة حتى هطلت أمطار أخرى غزيرة تشبعت على إثرها هضبة عدن وكان جراء ذلك أنّ امتلأت صهاريج عدن كافة. [c1]السائلات [/c]وحدث في سنة 1953م ، هطول مطر غزير على عدن وكان جرائه أنّ دمرت الكثير من البيوت . في الوقت الذي كانت السائلات مفتوحة على البحر فكانت سيول المياه تتدفق بحرية كاملة وتصب في البحر حينئذ . وهذا ما جعل مؤرخنا عبد الله محيرز يقول متسائلا ً إنّ تلك الأمطار الغزيرة التي هطلت في مراحل زمنية متباعدة في التاريخ البعيد كانت مجرى المياه ( السائلات ) لا يعوقها عائق تتدفق من خلالها السيول بحرية وتصب في البحر مباشرة واليوم اختفت تلك السائلات ( مجرى المياه ) من على خريطة مدينة عدن بفعل عوامل البناء والتوسع العمراني الكبير فكيف سيكون حال المدينة في الوقت الراهن في حالة سقوط أمطار غزيرة تتحول إلى سيول متدفقة جارفة ؟ .[c1]نقش قديم [/c]لقد طبع في أذهان الكثير من الناس وإنّ لم يكن أغلبهم أنّ الذي بنى الصهاريج هم اليمنيون القدامى وعلى وجه التحديد في عصر دولة حمير وهي « من أشهر الدويلات اليمنية القديمة وآخرها ظهورًا وذلك في أواخر القرن الثاني ق . م « ويتطرق مؤرخنا عبدالله محيرز إلى نق-ش قديم ذكر فيه صهريج أو صهاريج عدن قائلاً : « يفيد أحد النقوش اليمنية بما معناه : (( قيلزد قد قدمت مسندًا للآلهة ذات بعدين تكفيرًا عن خطيئة ابنتها بتدنيسها صهريج عدن )) « و يعقب محيرز على ذلك النقش القديم الذي يذكر فيها اسم صهريج عدن فيقول : » وهذا أول مصدر يذكر فيه صهاريج مقرونة باسم عدن . وهو مصدر يغري بقبوله تاريخاً لوجودها في أزمنة سبقت ظهور الإسلام . ولكنه قبول يشوبه قدر من المجازفة لعدم تحديد أي من ( العدنيات ) قصدها النقش فهو يكفي لنسبة هذه الصهاريج إلى ( عدن ) ما ، ولكن ليس إلى عدن أبين : هذه المدينة التهامية الساحلية « ونستخلص من ذلك أنّ اسم صهريج عدن الذي ذكر في النقش القديم تلفه الضبابية الكثيفة والاضطراب ولا نستطيع الجزم بأنّ النقش يشير صراحة وبشكل قاطع إلى أنها صهريج عدن لأن ( عدن ) تحمل أسماء كثير من المناطق اليمنية. وفي هذا الصدد ، يقول عبد الله محيرز :» وفي تقصي لما سميت به عدن من المواضع في مساحة محدودة في شمال محافظة لحج ما بين لبعوس في يافع والضالع وشمال ردفان أمكن حصر ما لا يقل عن عشرة من العدنيات كلها منسوبة إلى ما يميزها عن بعضها . فتوجد في الضالع مجموعة حصرت منها خمسة : عدن حمادة عدن أهور عدن حمير عدن أرود عدن جعشان. وفي مركز مشألة من مديرية لبعوس ـــ يافع مجموعة أخرى حصرت منها أربع ـــ : عدن الشبهي عدن الدقيق عدن الجحال عدن الحوشبي وفي ردفان عدن الراحة « ويمضي في حديثه قائلاً : » ويفيد من رأى هذه المواقع ودل عليها أنها تقع في بطون الجبال بعيدة عن جادة الطريق نائية عن التجمعات العمرانية» ويذكر أسم عدن في مواقع أخرى من اليمن فيقول : « عدينة تعز عدين التعكر في محافظة إب واختفى بعضها مثل عدن لاعة في حجة وحصن عدن في وادي حضرموت وعدن المناصب وعدن بني شبيب في نواحي إب . وبقيت عشرات منها ما بين قرى صغيرة مجهولة مواقعها لأغلب الناس . ويختم تعليقه قائلاً : « فيبدو واضحا أنّ عدناً مصطلح جغرافي لمستوطنات قديمة وتتميز عن بقية المستوطنات أنها مثوى آمن نظرًا لموقعها ملتصقة بسلسلة جبال عالية صعبة المرتقى » وهذا يدل على مدى صعوبة معرفة من شيد صهاريج عدن ؟ . [c1]بنو زريع [/c]وتذكر الروايات أنه عندما انسلخ بنو زريع من الدولة الصليحية ،تحديدًا في حكم السيدة بنت أحمد الصليحي المتوفاة ( 532هـ / 1138م ) آخر ملوك الدولة الصليحية. فقد أسسوا إمارة جديدة لهم في عدن .وكان طبيعيا أنَّ يولوا عنايتهم الكبيرة إلى شريان حياة المدينة وهو الماء فعملوا على تشييد العديد من الصهاريج لحفظ الماء حتى تكون المدينة بمأمن من الخطر المتمثل في قطع المياه عنها في حالة حصارها . وقد ذكرت بعض المراجع التاريخية أنّ عددًا من الرحالة المسلمين المعاصرين لحكم بني زريع شاهدوا الصهاريج في المدينة. وهذا ما أكده عبد الله محيرز قائلاً : « وتنفي كتابات ابن المجاور نسبتها إلى الرسوليين وحدهم فقد رآها في السنوات الأولى من حكمهم متخذة تسميات سبقت عهدهم فنسب أحد الصهاريج على الأقل إلى بني زريع . ويؤكد ذلك بشكل قاطع ما كتبه المقدسي في مطلع القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي أنّ في عدن آباراً وأحواضا للماء موحيا بوجود الصهاريج في وقت مبكر من تاريخ المدينة الإسلامي » .والجدير بالذكر أنّ عدن كانت مكتظة بالأسواق في عصر حكم بني زريع ومن أهم تلك الأسواق التي كانت تتجمع فيها قوافل الجمال من بادية عدن هو سوق الزعفران الواقع في السائلة . وكان يباع فيه الماء والحطب , والعلف . [c1]أبناء الفرس [/c]وتشير بعض الروايات التاريخية إلى أنّ أبناء الفرس لذين كان آباؤهم من الجنود الفرس جاؤوا مع الملك سيف بن ذي يزن لطرد الأحباش من اليمن وتقول الروايات إنه في فترة من التاريخ علا شأنّ أبناء الفرس في اليمن وباتوا لهم الكلمة العليا في البلاد ، ويقال إنّ من أهم مآثرهم العمرانية هو بناؤهم لصهاريج عدن. ولكن مؤرخنا عبد الله محيرز يناقض تلك الروايات حيث يشوبها الكثير من المغالطات التاريخية فيقول : « ويبدو أنّ من نسب بناءها ( الصهاريج ) إلى الفرس أعتمد على ما كتبه ابن المجاور . وقد نسب كثيراً من المنشآت العامة في عدن إليهم » . وحقيقة أنّ عبد الله محيرز يؤكد أنّ أبناء الفرس بسطوا نفوذهم على اليمن في القرن الرابع الهجري / القرن العاشر الميلادي وكان لهم حضور كبير بين سكان البلاد ـــ على حسب قول المقدسي ـــ . ولكن عبد الله محيرز يوضح مسألة تاريخية مهمة وهي : « ولا يبدو أنّ ابن المجاور قصدهم فهؤلاء، إنّ كانوا من أبناء الفرس الذين جاؤوا مع الحملة مع سيف بن ذي يزن إلاّ أنهم انصهروا مع اليمنيين فلم يعد يطلق عليهم فرسا وبعد بضعة أجيال صاروا من أهل اليمن وانقطعت علاقاتهم بفارس ومن الواضح أنّ من قصدهم ابن المجاور لا وجود لهم » . ومرة أخرى يؤكد عبد الله محيرز نفيه أنّ يكون الفرس هم الذين شيدوا صهاريج عدن وفي هذا الصدد يقول : « وهذا أيضا ينفي نسبة بناء الصهاريج إلى الفرس إلى الحميريين أو غيرهم من الدول اليمنية أمراً جديراً بالاعتبار » . وما ذكره مؤرخنا عبد الله محيرز يؤكد مرة أخرى أنًّ من شيد الصهاريج غير محدد تارة تقول الروايات التاريخية إنّ بناءها يعود إلى عصر دولة حمير أحدى الدويلات اليمنية القديمة ــ كما قلنا سابقاً ـــ وتارة أخرى تقول إن تشييدها يرجع إلى عصر بني زريع وبني رسول وبني طاهر فصهاريج عدن رغم شهرتها الواسعة والعريضة بين الناس مازال تاريخها مجهولاً يشوبه الكثير والكثير جدا من التضارب والتناقضات والغموض ونسجت أيضاً حول بنائها الكثير من الأساطير .[c1] الدولة الطاهرية [/c]وبعد أنّ جنحت شمس الدولة الرسولية التي ملكت اليمن أكثر من مائتي عام أشرقت شمس الدولة الطاهرية سنة ( 858هـ / 1454م ) . وقد كان بنو طاهر عمال ملوك الرسوليين في عدن ولحج وعندما قويت شوكتهم وصاروا لهم الكلمة العليا على ملوك بني رسول قفزوا على سدة الحكم ورفعوا راية دولتهم الجديدة على كثير من أجزاء اليمن ومنها عدن وتذكر المراجع التاريخية أنّ مدينة عدن وعلى وجه التحديد في حكم السلطان عامر بن عبد الوهاب أعظم سلاطين الدولة الطاهرية المقتول سنة ( 923هـ / 1517م ) أولى عناية كبيرة بتشييد عدد من الصهاريج في المدينة. « فقد مد السلطان ( عامر ) القنوات إلى داخل (( عدن)) حيث أقام هناك صهريجا ضخما لتخزين المياه حتى لا تنقطع مياه الشرب عن المدينة . ويسهب الأستاذ حسن صالح شهاب: في تلك القناة التي تجري المياه من خلالها من دار سعد إلى قرية المباءة ( دكة الكباش حاليا) ومن ثمة تنقلها قوافل الجمال إلى داخل المدينة قائلاً : « أهم المآثر العمرانية للملك عامر بن عبدالوهاب الطاهري بعدن تلك القناة المبنية من الحجارة والجص التي كانت تمتد نحو سبعة أميال من قرية ( المباءة ) تحت جبال عدن من جهة البر إلى بئر ( أمحيط ). ويحدد حسن شهاب موقع البئر بأنه إلى الشمال من مدينة ( دار سعد ) ويفسر معنى (أمحيط) بأنها البستان بلهجة أهل لحج . وظل ذلك الصهريج الذي بناه السلطان عامر بن عبد الوهاب في قرية ( المباءة ) تحديدًا تحت باب عدن يستخدم لفترة طويلة من الزمن ويمضي في حديثه : « أنّ الصهاريج في عدن مازالت تستخدم قبل مجيء الفتح العثماني الأول لليمن قبل ثمان سنوات » وكتب برتغالي يدعى (( رسنديس)) ـــ جاء مع الحملة البرتغالية ـــ أنه كان بالمدينة في عام 1530م عدة صهريج للماء واحد في خارجها ، وأنه يجلب إلى المدينة ما بين ألف وخمسمائة وألفي جمل محملة بالماء يوميا. وتدخل هذه الجمال المدينة بالماء في النهار ولكن في الليل تصب في صهريج قريب من بيت الماء تحت بابها إذ لا تفتح أبواب المدينة في الليل على الإطلاق». [c1]العثمانيون[/c]وامتدت يد الخراب إلى صهاريج عدن بسبب الاضطرابات والقلاقل السياسية التي أطلت برأسها على المدينة إبان عهد المماليك المصرية الذين نزلوا إلى اليمن بغرض نشاط البرتغاليين في البحر العربي وفتح الحصار على منافذ الموانئ الواقعة في البحر الأحمر التي أغلقتها السفن البرتغالية من ناحية والصراع الدموي بين السلطان ( عامر ) الطاهري وعدوه اللدود الإمام شرف الدين المتوفى ( 965هـ / 1558م) من ناحية أخرى . وكانت الضربة القاصمة لاستقرار مدينة عدن وازدهار عمرانها ومن بينها الصهاريج عندما اغتيل السلطان عامر بن عبد الوهاب على أيدي المماليك ومن الأسباب الأخرى أيضاً التي سارعت في وتيرة خراب صهاريج المدينة ، هو أنّ العثمانيين جعلوا عدن قاعدة بحرية بحتة لمراقبة الأسطول البرتغالي في السواحل الساحلية اليمنية ما أدى إلى عدم عنايتهم واهتمامهم بخدمات المدينة الحيوية كصهاريج عدن لحفظ المياه فيها فكان كل اهتمامهم منصبا على جعل عدن نقطة مراقبة عسكرية . ويذكر عبد الله محيرز الأوضاع السياسية المتردية إبانًَّ الحكم العثماني الأخرى التي أثرت تأثيرًا خطيرًا على اندثار وطمس العديد من صهاريج المدينة ، قائلاً : « وبعد الاحتلال العثماني لعدن دخلت المدينة عهد خراب وانحطاط واضطراب ، فقد أرغموا على مغادرتها مرتين : إحداهما على يد علي بن سليمان الطولقي صاحب خنفر ( 954هـ / 1547م ) ، والثانية على يد جيش الإمام المطهر في 976هـ / 1568م وقام فيها أكثر من تمرد كاد أحدها أنّ يفقدهم إياها ( أي اليمن ) . واندثرت بعض هذه الصهاريج وخرب الباقي ويبدو أنها اختفت نهائيا . ولم يبق منها ما يمكن الإشارة إليه في مطلع القرن السابع عشر » . [c1]سلطان لحج [/c]ويوضح مؤرخنا عبد الله محيرز الأسباب التي دفعت بالسلطات الإنجليزية إلى ضرورة الاستفادة من صهاريج عدن لخزن المياه وحفظها من خلال ترميمها ، فيقول : « وأصبح واضحًا في منتصف القرن التاسع عشر أنّ الآبار داخل المدينة لم تعد كافية لسد حاجة أهلها إضافة إلى المعسكرات وتموين السفن فقد كانت تمون من آبار الخساف ــ أعذب آبار المدينة آنذاك ـــ حين كانت ( صيرة ) ميناء عدن في ذلك الوقت ـ . وعندما تحول الميناء إلى التواهي جلب إليه الماء بالقوارب من ( الحسوة ) . . . « . ويضيف قائلاً : » إلا أنّ تكاليف نقل الماء من الحسوة كانت باهظة إذ كان ينقل بالقوارب عبر التواهي إلى باب عدن بسعر خمسة أضعاف ما يباع منه من آبار المدينة « . وما زاد من تعقيد الوضع لدى السلطات الإنجليزية هو أنّ السلطان علي بن محسن فضل سلطان لحج المتوفى ( 1279هـ / 1862م) كان يكن كراهية شديدة للإنجليز بسبب احتلالهم لعدن وكان يضع العراقيل في تزودهم بمياه الشرب فقد وجه كتابا شديد اللهجة للسلطات الإنجليزية في سنة ( 1858م ) كتب فيه « بأنه قرر إقفال الحدود بينه وبين عدن ... حتى يعود إلى الحكومة البريطانية عقلها « . كل تلك العوامل مجتمعة دفعت السلطات الإنجليزية إلى أنّ تلتفت إلى ترميم صهاريج عدن . وكيفما كان الأمر ، فقد « استقر الرأي ( لدى الإنجليز ) أخيرًا على الاستفادة من الصهاريج . وعلقت آمال عريضة على حل أزمة الماء بترميمها ، وخزن الماء فيها » . [c1]المهندسون الإنجليز [/c]وبعد أنّ استعرضنا بصورة سريعة الآراء المتباينة حول من شيد الصهاريج ؟ . فإننا نذكر على الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها المهندسون البريطانيون في عملية ترميم الصهاريج والتي سماها مؤرخنا محيرز بأنها كانت كارثة كبرى . وقصد مؤرخنا من كلمة ( كارثة) بأنّ المهندسين البريطانيين طمسوا الغرض الرئيس من بناء صهاريج عدن وجراء ذلك تلاشى نظام شبكة الصهاريج التي كانت تعمل بشكل جيد في المدينة قبل احتلالهم للمدينة بفترة ليست قصيرة . فقد أراد المهندسون البريطانيون أنّ يحسنوا صنعًا في حفظ مياه الأمطار في تلك الصهاريج بكميات كبيرة , ولكن مع الأسف لم يفهموا ويدركوا تمام الإدراك الحقيقي من وراء بناء نظام شبكة الصهاريج الذي خطط له المهندسون اليمنيون القدامى أو الغاية من تشيدها . وفي هذا الصدد ، يقول عبد الله محيرز : « وفي سبيل تحويل هذا النظام إلى صهاريج تدخل المهندسون ( البريطانيون ) في مسالك المياه . وبدلاّ من أنّ ينزل الماء بحرية، بنو حواجز فوق الهضبة هدفها تصفية الماء من الأحجار والطمي . فكانت النتيجة أنّ حجز الماء ، وغاض في الهضبة التي تعلو ( وادي ) الطويلة . ولم يعد ينزل إلى الوادي كما كان قديما. وفي موضع آخر ينقل عبد الله محيرز عن المهندس البريطاني ( اينج ) حول الأخطاء الفادحة والخطيرة التي تسببت في اضمحلال صهاريج عدن قائلاً : « وتعطل مفعول الهضبة المصدر الرئيسي لوادي الطويلة وغيرها من الأودية في المدينة . وتعطل هدف نظام الطويلة فلم تعد مصارف بل خزانات للماء وانقرضت صهاريج المدينة فلا توجد مصارف توجهه إليها » . وفي موضع آخر يقول عبد الله محيرز أنّ عدم فهم المهندسين البريطانيين الصحيح لنظام شبكة الصهاريج التي أقامها اليمنيون القدامى هي التي أحدثت الكارثة الكبرى على الصهاريج قائلاً : « ولعل أخطر عامل أدى إلى هذا الغموض هو سوء فهم المهندسين آنذاك ـــ لهدف الصهاريج أو لعله إصرار من البيروقراطية على اعتبارها وسائل خزن للماء لا تصريف له . وأدى ذلك إلى قلب مهمتها : فتحولت المصارف إلى خزانات . ويمضي في حديثه ، قائلاً : « بل أضافوا خزانات أخرى لم تكن موجودة لمضاعفة خزن الماء. وتحولت الطويلة إلى خزان هائل ، واختفى ذلك الوجه الحضاري بضياع التقنية التي شيد بموجبها هذا النظام » .[c1]فشل المشروع [/c]ويوضح مؤرخنا عبد الله محيرز الأسباب الحقيقية وراء توقف سلطات عدن الإنجليزية في ترميم وصيانة الصهاريج . وفي هذا الصدد ، يقول : « ولكن سرعان ما خابت هذه الآمال ( أي آمال الإنجليز ) . فقد رممت اثنتا عشر صهريجا حتى 1857م , واستمر ترميمها إلى سنة 1861م ، وبلغ ما صرف عليها ثلاثمائة وخمسين ألف ربية بينما بلغ مردودها حوالي اثنين وستين ألف روبية أي أقل من خمس ما صرف عليها . وامتنعت الحكومة عن الاستمرار في المشروع » . ويضيف : قائلاً : « واضطر السياسي المقيم كوجلان أنّ ينهي المشروع بطريقة أخرى . فقد تقدم ثلاثة من التجار هم ( قهوجي دنشو) و (ادلجي منكيجي ) و ( حسن علي ) بمشروع لترميمه مع ستة صهاريج أخرى على حسابهم مقابل استغلالها. وِقبل هذا العرض . وعقدت اتفاقية في 1863م لمدة عشر سنوات جددت في 1873م إلى ثلاثين أخرى « .وكان من الطبيعي أنّ يؤثر فشل مشروع السلطات الإنجليزية في ترميم الصهاريج إلى إهمال الكثير منها ومن ثمة اندثارها وخصوصاً بعد أخطاء المهندسين الإنجليز في معرفة الأسس التي قامت عليه شبكة نظام الصهاريج في عدن ـــ كما قلنا سابقاً ــــ .[c1]الهوامش : [/c]عبد الله أحمد محيرز صهاريج عدن ، سنة الطبعة 1425هـ / 2004م ــ الناشر : الجمهورية اليمنية وزارة الثقافة والسياحة صنعاء . عبد الله أحمد محيرز ؛ العقبة ، سنة الطبعة 1425هـ / 2004م ، وزارة الثقافة والسياحة ، صنعاء . الجمهورية اليمنية .رحلة ابن بطوطة ؛ الجزء الأول ؛ دار الشرق العربي ـــ بيروت ــ لبنان ـــ حلب ـــ سورية .القاضي إسماعيل بن علي الأكوع الدولة الرسولية في اليمن ، الطبعة الأولى سنة 2003م، دار جامعة عدن للطباعة والنشر ـــ عدن ـــ الجمهورية اليمنية ـــ .الدكتور سيد مصطفى سالم ؛ الفتح العثماني الأول لليمن 1538ـــ 1635م ، الطبعة الخامسة نوفمبر 1999م دار الأمين للطباعة والنشر والتوزيع ـــ القاهرة ـــ جمهورية مصر العربية.حسن صالح شهاب عدَن فرضة اليمن الطبعة الأولى 1410هـ / 1990م مركز الدراسات والبحوث اليمني ـــ صنعاء ـــ .الدكتورة أسمهان سعيد الجرو ؛ موجز التاريخ السياسي القديم لجنوب شبه الجزيرة العربية، مؤسسة حمادة للخدمات والدراسات الجامعية ـــ أربد ـــ الأردن ـــ . مهندس / علوي عبد الله المحضار ؛ إمدادات مياه الشرب في عدن البدايات والتطور 1839 ــــ 1965 ، الطبعة الأولى 2010م دار جامعة عدن للطباعة والنشر ـــ الجمهورية اليمنية .