الفنان / حسن عطاء :
إن الأدب والفن والمجتمع كيان واحد منسجم ، مترابط ، شكل المعنى الرفيع لوجود « الإنسانية » بما يحمله هذا المفهوم من معان سامية .. لذلك لايمكن أن يتكون شيء اسمه ( الإبداع ) دون وجود المجتمع الإنساني ، أي دون وجود الإنسان ( المبدع ) ولا يمكن أن نتصور مجتمعاً إنسانياً خالياً من الإبداع ، أي كان هذا الإبداع : أدبياً ، فنياً ، ثقافياً .. لأن الأدب والفن والثقافة سمة «عامة » مميزة لأي مجتمع ، نابعة من تراث وأصالة ذلك المجتمع ، وهي إبداع إنساني نجد فيه أنفسنا كثيراً ، ويجد المبدع نفسه معبراً أو مترجماً كل مايتنابنا من مشاعر ، وانفعالات .. فالمبدع سواء أكان أديباُ ، فناناً ، مشاعراً .. فإنه يترجم أفراحنا واحزاننا ، مشاعرنا ومشكلاتنا ، بكل صدق وإحساس ووفاء ، ونتملس من إبداعه وفكره طريقنا السليم ، ورؤيتنا الواضحة لقضايا ومشكلاتنا بصورة جادة ، ونسمو معه بوجداننا ‘إلى مراتب الفكر والذوق الإنساني الرفيع خلال الشعور بكياننا وذاتنا .فالمبدع الحق هو المبدع الإنسان الذي يعايش حلاوة الواقع ومرارته ، ورخاءه وقسوته ، انتصاراته وانكساراته ، يعايش واقع المجتمع بكل معاناته ومعانيه ، أي أنه يعايش عامة الناس في مشاعرهم ، وانفعالاتهم ، فيخفف وطأة والحياة المريرة القاسية ، ويغرس في أنفسنا بذور الأمن والتفاؤل بحياة أكثر اتساعاً وأماناً واستقراراً وازدهاراً .. فالمبدع هو الإنسان الذي يستطيع الغوص في أعماقنا ، ويؤثر فيناً قلباً وفكراً .. بإبداعه الفني المؤثر ، ومضمونه العميق ، وبأسلوبه المتدفق رقة “ وجمالاً ، وعطائه المثمر ، وخياله الخصب .. إنه العطاء الإبداعي الجميل الذي نشعر معه جميعاً بوجودنا وإنسانيتنا ، فلم يكن الإبداع الفني في أي مكان أو زمان معزولاً عن حركة الواقع الاجتماعي ، بل إن الإبداع الفني والأدبي هو فكر المجتمع وخصوصيته ، ومن هيمه ، ورؤيته الآملة ، الطامحة والواقعية في آن واحد – لأن الإبداع في الفن يمثل الحياة في أسمى معاينها . [c1]المنابع الفنية الأصيلة : [/c]عزيزي القارئ – إن الحديث عن الإبداع في شتى صوره ومعانيه، انما هو حديث عن المنابع الفنية الأصيلة والأرض الخصبة التي نما في أحشائها ذلك ( الخلق الإبداعي ) الرفيع ، وتشرب من سلسالها العذب الرقراق .. ففاض جداول حلم وإشراف وأثمر حباً وحياة . ومن تلك المنابع الفنية الأصيلة ( حوطة لحج ) المعطاء فكراً وأدباً وفناً وتراثاً ( حوطة لحج ) التي أنجبت العديد من أعلام الفكر والفن الأدب والثقافة . ومن أبناء هذه الواحة الفنية الخصبة .. هذا المبدع الإنسان ( الفنان حسن عطاء ) فهو واحد من أبناء هذه الواحة الزاخرة بالعطاء المتدفقة حباً وشعوراً وجمالاً وفكراً ، هو واحد من منابع العطاء المتدفقة صوتاً وإبداعاً ولحناً .. أجل إنه نبع عطاء لم يعرف النضوب أوالبخل ، أو الأنانية ، وان شحت السحاب بعطائها وغيثها ، وإن شحت النفوس ، أوخلت من الحب والجمال والوفاء . - اجل إنه التربوي الفاضل ، والوطني الأصيل ، والفنان المبدع ، الذي تغنى بالثورة ، بالوطن ، بالحب ، بالإنسان .. حيث جاءت الحانه وأناشيده للوطن مستقاة من نبض القلوب ووهج المشاعر . فحين يشدو على مسامعنا بصوته العذب الرخيم نشيداً للوطن فإنه يثير النفوس حماساً ، ويلهب المشاعر عزماً وإصراراً وحباً في الانتماء لتراب هذا الوطن : [c1]باسم هذا التراب والفيافي الرحاب والجبال الصعابسوف نثأر يا أخي يابني هذا الجنوب اليوم هذا يومكم يوم الشعوب يوم أخذ الثأر بالدماء والنار هيا يا أحرار نلحق الركب الأبي ... نلحق الركب الأبي إن في الثورات موتاً ومن الموت حياة إن في الثوارت نصراً تسمع الدنيا صداه [/c]إنها ليست خيال فاسألوا عنها جمال فهو قهاراً المحال ومتى قوميتي [c1]يوم نزوى الأرض من دمي ودمك يا أخي وتشبع الطير من لحمي ولحمك يا أخي يوم تغد والنار في منزل أخيك يوم تسمع صرحة الأطفال فيك : احمنا يا أبي ، احمنا يا أبي .. الخ [/c]هذه الأبيات الثائرة من قصيدة طويلة ( نشيد الثورة ) التي كتب كلماتها الشاعر الكبير الأستاذ / صالح نصيب وهي من الحان الفنان المبدع الأستاذ ( حسن عطاء ) الذي تغنى بهذه الأنشودة الوطنية الرائعة التي خاطبت وجدان الجماهير اليمنية والعربية عام 1958م.- هكذا استطاع الفنان ( حسن عطاء ) بإبداعه المتجدد لحناً وصوتاً أن يوقظ المشاعر الوطنية والإنسانية الخالدة ، بصوت نشيد مؤثراً استطاع أن يحرك وجداننا بحب الانتماء لديننا ووطننا وعروبتنا ، ففي رائعته الشهيرة ( أنشودة أخي في الجزائر يا عربي ) التي كتب كلماتها المشاعر ( صالح نصيب ) وهي من الحان الأستاذ / محسن بن أحمد مهدي ، والتي تغنى بها وأنشدها المبدع الفنان حسن عطاء بصوته القوي المعبر عن مشاعر صادقة : [c1]أخي في الجزائر يا عربـــي تحـدى فرنســـا ولا تهـــبفأنت الشجاع وأنت الأبي عهدنا في الشرق والمغرب[/c]- إن الفنان المبدع ( حسن عطاء ) بطل الأناشيد ، الوطنية والإنسانية الثائرة فهو صوت معبر ومترجم لاسمى معاني الحب الإنسانية ، وأرق المشاعر والعواطف المتدفقة شوقاً ولوعه وهياماً : [c1]يا ساكنـــة مهجتــي بين الحشا والروح ونــاسيــــه لوعتـــي زاد السهـر والنـوح لو تنظــري دمعتــي فـي الليــل لما تســيل أو تسـمــعـــي أنتــي باتشـفـقــي لي قـلــيل يا ناسيــه والهـــوى خـــلا فــؤادي عليـلرقــي القـلــب قلـيــل يا هاجـرة والنـــوى خــلا حياتــي نـــواح يا آســـره والـــهــوى خــلا فـــؤادي جراح والشوق كله شجون تســهر معاه العيون ليلي وتسري الظنون فــوق الفــن والويـــل رقي لقلبي قليل .. الخ [/c]هذه الغنائية الرائعة التي تفيض عاطفة “ ولوعه “ وشرقاً هي واحدة من أجمل الروائع التي كتبها الشاعر ( محمود علي السلامي) والتي أبدع في لحنها وأدائها الفنان ( حسن عطاء ) بصوته الرخيم المفعم بالإحساس والجمال .. إنها – عزيزي القارئ – موهبة الجمال الصوتي المؤثر ، والإبداع اللحني الشجي المعبر ، كل ذلك يجعلنا نلمس صدق الإحساس ، وعمق المعاناة ، ودفءْ المشاعر ، فنطرب فرحاً ونشوة مع فناننا الكبير ( الأستاذ / حسن عطاء ) وهو يتغنى مثلاً – بلقاء المحبوب ، واشراقة طلعته الجميلة ، ويتأمل ابتسامه الحياء ، وهي ترتسم على شفاه الحبيب : [c1]رســــم بسمــة حيـــاء للقلب من ذيك الشفاه ويا محـلا الشفـــاه لما ارتسم فيهـــا حاة ... [/c]فالصوت الشجي المؤثر بروعته ، والإحساس الصادق ، يمترج – بلاشك – بوجداتنا ، وشاعرنا، ويعيش انفعالاتنا ومعاناتنا ، فيرسمها لوحة بكلماته ، أونغماً بالحانه ، أو إحساساً بصوته : [c1]تبكيني وتسألني عن الدمعة سببها ايش ولما اشكي تكذبني ولمـا ابكــي تـقـــلــي يش سل العينـين عن دمعـي إذا مــا بــا تصــدقـنـــــي علاـما قلهــا تنعــي ونــــوم اللـــيل تحرمني وتقهرني معاها يش تبكيني وتسألني عن الدمعةسببها أيش .. الخ [/c]- فمن منا لم يهتز كيانه وروحه ووجدانه ، وهو يستمع إلى تلك الروائع .. الغنائية الخالدة ، تلك الروائع النابعة من قلب يفيض حباً ، ومن فكر متجدد العطاء ، ومن روح مترعة بالجمال والحب والتسامح والوفاء .. تلك الأعمال الغنائية المعبرة عن شاعر صادقة ، وذوق فني وأدبي رفيع ، وحساس مرهف تجلى في الحان تفيض صدقاً وجمالاً وتأثيراً ، وصوت يترجم لحظات الفرح والنشوة والرضا ، وكذلك يترجم لنا الألم والمعاناة والتضحية : [c1]يحسبوني الناس مرتاح وانـي متهــنــي وسالـــي قلهـم من ويـن بارتــارح والله مـا تــدروا بحالــي يحسبوا السلوى بضحـكي والســلا مــاهــو بضحــكــيذي أنا بالضحــك باشكـي حــتـــى لا كشــــف بحالــي يحسبوني الناس مرتــاح واني متهني وسالي .... الخ [/c]- إنه – عزيزي القارئ – إبداع يحوى الكثير والكثير من عمق التجربة ، وصدق المعاناة ، وجمال التعبير ، إبداع تجلى في لحن جميل بتنغيم ، صادق الإحساس ، عميق التأثير في وجداننا . [c1]الهوامش :[/c]1-من قصيدة “ يا ساكنة مهجتي “ للشاعر / محمود علي السلامي .2-من قصيدة ( يا محلا والجميل محلاه ) للشاعر صالح نصيب والشاعر حسين عبدالباري .3-من قصيدة ( تبكيني وتسألني ) مشاعر صالح نصيب – الحان الفنان حسن عطاء . 4-من قصيدة _ يحسبوني الناس مرتاح ) للشاعر محمود علي السلامي – من الحان الفنان الأستاذ / حسن عطاء _ أطال الله في عمره ومنحه دوام الصحة والشفاء بإذنه تعالى .