غرام براغماتي: عالية ممدوح ترمم العالم بالحب
باريس/متابعات: تقدم الروائية العراقية المقيمة في باريس عالية ممدوح في روايتها الجديدة (غرام براغماتي) الصادرة أخيراً عن دار الساقي في بيروت عملاً أدبياً مختلفاً عما قدمته في أعمالها السابقة.فهي هذه المرة تبتعد عن بغداد لترويها من مكان آخر، من المنفى، وبطريقة بها تحاول أن تكون محايدة انطلاقا من الذكريات التي تجمعها بالأهل في تلك الديار. وطيف بغداد يمر ناعما متواريا بعدما كان محورا في الأعمال السابقة.تتقن عالية ممدوح لعبة التدقيق في العواطف وامتحانها لتأتي الرواية مصاغة بصوتين، صوت المرأة “راوية” والرجل (بحر).يتحول الحب وما يلازمه من طقوس مصاحبة إلى نوع من ملجأ تهرب إليه راوية فراراً من الوحدة ومن خراب الذات والأمكنة، يصبح الحب نوعا من الطلاء الذي يجدد المكان ويغلف بأوعية حريرية تصدع الروح.وكما حميمية المنزل الصغير الذي يجمع شؤون الحياة، ترصد ريشة عالية ممدوح حميمية اللقاء الذي لا يحصى فيه العمر وترسم فوق حيطانها في الوحدة بعض الكلام الجديد.أما حين تخزن الصوت، صوت محبوبها، فكأنما تخزن العذوبة لتفر إليها من روتين الأيام ومن عقم المشاعر المحددة، الصوت الذي يتحول إلى مخدر: (صوتك كالمورفين لا يعالجني إلا بالتكرار).تختبئ المرأة وراء آلة تسجيل الصوت تسمع صوته ولا ترد على هواتفه، تتعلق باحتمالات الصوت وتحلم وتعذب نفسها وتعذبه ويأتي هو إلى باريس إلى شارعها مرات ومرات يقف أمام بابها ولا يدخل.(غرام براغماتي) تحيل إلى زمن خاص، زمن لا يصنعه إلا التهاب الشوق بين حبيبين متباعدين فيختلف فيه الإيقاع ويسرع النبض وتعاد فيه صياغة الأشياء كما الذات التي توضع في جردة حساب كلية.كما يغدو الحب أداة لإعادة تشكيل المساحة وإعادة تنظيم الوجود، بل هو إعادة هيكلة للأمور وإعادة ترتيب للأشياء وحتى الأعضاء بل هو عملية متكررة لإعادة النظر في التفاصيل العارمة حتى الغبار وحتى تسلل الذكريات.وفي غمرة إغراء الانتظار وطمع التواصل لا أحداث تمر لكن السرد يتعاقب ناقلا زخم المشاعر بما فيها من تبدل في المزاج ومن احباطات وحالات ترقب. لا شيء يحدث خارج حدود العلاقة التي تتسرب إليها في الغربة صور الأم والأب في بغداد.تقول عالية ممدوح عن روايتها الجديدة في حديث لوكالة فرانس برس (في كل كتاب أحاول البحث عن مخرج ما، من المأزق الوجودي الذي نواجهه، فنتصور، وربما بلا تدقيق، إن الغرام هو أحد المخارج).وتضيف (من قبل، كنت أتصور أن الحب هو الذي يقوم بالترميمات المطلوبة للنفس البشرية، أما اليوم فغيابه يبطش بالكائنات كافة. نحن أمة تتحدث عن الحب بقدر ما تتحدث عن الدين، نكتب عنه أكثر مما نحياه فعلاً، نخاف ونرتعب أن تقطع أنفاسنا ونلتاع، فالوجع لا يلائم بعضنا، على الخصوص الرجال).لا شيء يحدث خارج دائرة العلاقة التي تمارس عن بعد اثر لقاء تم بين راوية المغنية وبحر، نصف الشاعر ونصف المصور و(نصف العاشق)، هي المقيمة في باريس وهو المقيم في برايتون ببريطانيا.والرواية بحسب عالية ممدوح (محاولة كتابة تريد الوصول إلى اللحم الحي من الكلمات والسرد وأساسيات الروح وأكوام لا تحصى من عبق ما كان يسمى وطنا).تعيد سيرة الحب في (غرام براغماتي) تكوين الأمكنة كما الذات على ضوء جديد.وهي في جوانب منها عملية رد اعتبار للأمكنة المهملة حين يكون المرء وحيداً.تحاول راوية باستمرار أن ترمم منزلها كمن يرمم خرائط روحه والجسد استعدادا لاستقبال حبيب ما قد لا يأتي، لذلك (علينا اللهو قليلا بأشيائنا العمومية قبل اللهو والاستمتاع بتخاطبنا الخاص والداخلي).فمن يحب في رواية عالية ممدوح يتحول إلى مسكون عليه أن يعيد ترتيب الأشياء في ذاته ومن حوله ويبني تاريخا كاملا من الأحلام والتخيلات والوعود.وتختم عالية ممدوح بالقول (هي رواية عن العلاقات الخفية للحدوس والمشاعر، للانخطافات والتلاطم ما بين الجسد، جسد المحبوب والمحبوبة، بين الثياب والأبدان، بدءا من أعلى زر في القميص إلى حرير البطانة، فنسمع أصوات العشاق وأصوات خلاياهم وهي تتكسر وتتجعد بين راحة اليد وهبوب الرغبة).صدرت لعالية ممدوح روايات عدة ترجمت إلى عدد من اللغات منها (محبوبات) و(الغلامة) و(حبات النفتالين) و(التشهي).