الفنانة التشكيلية آمنة النصيري
د. زينب حزامقليلة هي تلك المعارض المحلية التي تقام في بلادنا ،والتي يتحول مرتادوها إلى جزء منها ،إلى أبطال للوحاتها الفنية وهم يدخلون ،يقفزون في إطاراتها ليستريحوا بها ويتنزهوا ثم يعودون ليكملوا التكوين ويخرجون ثانية،وأحياناً يحدث شيء آخر حينما ينظر المارة في الشاعر أو الميدان أو في أي مكان آخر- خارج جدار صالة العرض ،إلى رواد الصالة باعتبارهم لوحة فنية تعبيرية غاية في الدقة والجمال فلماذا يحدث ذلك ؟هل هو الحيال الجامح؟لقد عشت ما يقارب العشر سنوات في موسكو ،ورأيت بأم عيني تذوق هذا الشعب للفن التشكيلي والألوان، والفنان التشكيلي هناك يجد الدعم والرعاية الفنية والمالية والمعنوية ما يجعله يبدع ويبتكر .وفي بلادنا ،نالت إعجابي الأعمال الفنية للفنانة اليمنية آمنة النصيري الحاصلة على شهادة الدكتوراة في الفن التشكيلي ،والتي استطاعت عرض العديد من لوحاتها الفنية في المعارض المحلية والدولية ،مالفت نظر المهتمين بالفن التشكيلي وان كانت جميع اللوحات لفنانة واحدة رسمتها في فترة عملها الإبداعي وهي فترة نشاطها الفني-فمعنى ذلك انه معرض لفنانة مبدعة ،قدمت أكثر من مائة لوحة فنية في أطار مايسمى بالمدرسة التعبيرية الانفعالية ،ولعل إسهامات هذه الفنانة في ذلك الاتجاه قد تميزت بالأصالة وحداثة الأفكار والديناميكية العالية والتعبير الدافئ عن الأحاسيس والانفعالات ..كل ذلك جعل منها احد أهم الفنانين التشكيليين في اليمن في الفترة الأخيرة ،ففرشاتها الرقيقة ترسم المواقع التاريخية في اليمن والمخيمات اليمنية والعادات والتقاليد اليمنية والطبيعة الخلابة من أشجار البن والفواكة والخضروات المزروعة في المدرجات اليمنية .. كل ذلك نجده في لوحاتها التي تجرف الحدود بين التشكيل والألوان وبين الشعر والامتلاء العاطفي والجمال القائم على الطاقة الهائلة للخير .. من الصعب جداً تجسيد القيمة في عمل فني تشكيلي -ولكنه على نحو ما يبرز بشدة وانفعال في لوحاتها الفنية.والمدهش أن هذه الفنانة الرقيقة آمنة النصيري جاءت لوحاتها الفنية من دون تحديد التسميات ،فبعضها من دون أسماء أصلاً وبعضها استوحتها من أسماء الأزهار المشهورة في اليمن ،ويبدو أن الفنانة اليمنية آمنة النصيري تعمدت إضافة عنصر جديد إلى أعمالها الفنية ، عنصر يوسع من خيال المشاهد وانفعالاته ،ويمنح كل لوحة أبعاداً (احتمالية )أو ممكنة وحدوداً لامتناهية من التأثير،ومع ذلك فاللوحات في جانب كبير منها عبرت بوضوح عن العالم الروحي للفنانة وتماسه مع حالتها النفسية وأحاسيسها الخاصة وقلقها وتوتراتها.والفنانة آمنة النصيري فنانة معروفة في الساحة اليمنية والعربية ،حيث أقامت العديد من المعارض الدولية وأخرها معرض الفن التشكيلي اليمني في لندن في أوائل هذا العام حيث قامت خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة أكثر من 60 معرضاً فنياً منها عشرة معارض شخصية.وفي هذه المعارض الفنية برزت قدرة الفنانة العالية جداً في التعامل مع ريشتها وتجلى ذلك في التكوينات الفنية الحرة ،وهارمونية الألوان وانسيابها .وإذا كانت الفنانة التشكيلية آمنة النصيري مهتمة جداً بحالة المواقع الأثرية في اليمن والتراث اليمني والنباتات اليمنية والزهور النادرة في اليمن ،فأن زهورها جاءت اقرب إلى السيمفونيات الموسيقية أو بالأحرى موسيقى الخيال الناعم التي تبدو غير حقيقة ولكنها ممتعة وآسرة ومعبرة وتخطف البصر والروح وتدفع إلى التأمل في الطبيعة الحية واللوحات الفنية في آن واحد.تتعامل الفنانة التشكيلية آمنة النصيري مع ريشتها والألوان بثقة عالية وإحساس بالمسؤولية انطلاقاً من مفهومها الراسخ بأن الألوان هي الوسيلة الأساسية للتعبير عن الرؤية الفنية.وإذا كانت حيوية الألوان واندفاعاتها قد جعلت لوحات الفنانة آمنة النصيري غريبة بعض الشيء وغير مألوفة،فهي في الوقت ذاته منحتها امتلاء انفعالياً هائلاً هارمونية جمالية تجسد نبض الحالة الروحية والنفسية للفنانة.الفنانة التشكيلية آمنة النصيري تطرح رؤيتها للطبيعة والخير والجمال ضد كل مايحدث، أو يمكن أن يحدث في العالم وفي اليمن وبالذات وإذا كان الفنان التشكيلي في اليمن في هذه الفترة يعبر ببراعته الإنسانية العامة، ويجسد بواقعية رفيعة وجسورة قيم العطاء ،الحب، الخير والتضامن ،فأنه يحاول اليوم أن يقف ضد الانهيار الروحي والأخلاقي وضد كل مايجري أمامه ومن حوله في الوقت الحاضر.كما أعطت الفنانة التشكيلية آمنة النصيري أهمية للغة التشكيلية التي تحدثها الأماكن التاريخية في اليمن وتعكس أهميتها الحضارية بين الأمم الأخرى ،فقد أجادت أبجدية الصخور،وتحاورت مع ريشتها الرقيقة ،وتركت هذه المواقع التاريخية والمحميات الطبيعية تعبر عن نفسها بكل حرية من خلال ريشتها مع أنها اخضعتها لتكويناتها التي تتنوع،وتتعدد ورؤاها التي تسقطها على الأشياء من إضافة واختزال ،ومبالغة ورمزية تعالج بها لوحاتها حتى أن المتلقي اليمني يؤكد أن ما تقدمه هذه الفنانة التشكيلية يعتبر انتصاراً للمرأة اليمنية في عالم الفن التشكيلي ،وأن دل هذا على شيء فأنما يدل على قدرتها الفائقة على تطويعها حسبما تريد ،فهي لا تنظر إلى لوحاتها وريشتها بأنها مجرد عمل تقدمه من اجل كسب لقمة العيش فقط، إنما هي فنانة تقدم الإبداع الفني للمتلقي - وأن الفن التشكيلي وسيلة اتصال واللغة التشكيلية جزء لا يتجزأ من بنية اللوحة ،وعنصر مهم من عناصر التكوين .وفيما تقتحم الفنانة التشكيلية شخصيتها ،تنجح على نحو ما في أن تدعك تعرف حاضرها ،ويمثل أمامك !فإذا ماسرقك الوقت أمام أعمالها الفنية متأملاً ،فهي تتأمل معك-وإذا مااقتربت لتتلمس العمل وتبقي حاضراً جال بذهنك أن ماتراه ماثلاً أمامك حقيقة وليس رسماً ،فإذا مالفت نظرك الإطار المحيط باللوحة والذي دقق في اختياره وإذا ما بهرك إبداعها وقبل أن تتمتم شفتاك بالثناء على هذه الفنانة آمنة النصيري ،إذا هي تذكرك بأن الله المبدع أهل لذلك الثناء حيث انه-مانحها هذا الفن والإبداع.