لا يمكننا البقاء يلفنا السكوت والخذلان ونحن أمام برود إعلامي وانعدام أي فعل سياسي ازاء تشظّي بشاعات ظاهرة لم يألفها التاريخ ! ويتسلّل العنف بكل حرية بين المشرق والمغرب .. لا يمكن ان يبقى الانسان مشدوها أو غير مبال لصور فظيعة تزداد بشاعتها يوماً بعد آخر ! لقد ألف الناس بغداد . وهي تسحق بتفجيرات دموية يذهب ضحيتها العشرات من الأبرياء المدنيين يومياً .. كان آخرها انفجار شاحنة مليئة بالمتفجرات على أعرق جسورها الجميلة ، فأسقطته بدجلة وهو واحد من مخلفات الانجليز ومن اجمل جسور الشرق وأطولها ، مع سقوط العشرات من الضحايا بسياراتهم في أعماق النهر ! وبعد ساعات تنفجر كافتيريا في قلب البرلمان العراقي التي كانت تضم بعض اعضائه .. لقد بات العنف يطرق المؤسسات العليا! بغداد تغدو مخرومة بثقوب لا تعد ولا تحصى في كل مكان من جسدها الطاهر .. المشكلة ان العرب لم يدركوا بعد ما الذي يريده «الارهاب» الشنيع من مجتمعنا .. فما الذي يمنعنا ان نفّكر بتغلغل البشاعة نحو كل مفاصل المنطقة باستيقاظ خلايا يقولون انها نائمة وهي ليست بنائمة؟ لم لا نفكّر يوما بأن ما يشهده العراق بأسره سينتقل شئنا ام ابينا الى كل بلداننا ؟ وها نحن نراقب الارهاب يمتد ويتفّشى بحيث تتحرك خلايا ثابتة هنا او هناك .. ان من المستغرب ان تمتد التفجيرات الى الجزائر وسواحل الاطلسي، اذ لا يمكن ان يتصور المرء كيف تمت التفجيرات عند مبنى رئاسة الوزراء بالعاصمة الجزائرية؟ او تلك التي طالت مؤسسات الدار البيضاء؟ انه لم يعد يستهدف البنى التحتية فحسب ، بل يخترق المؤسسة العليا ليضربها كي يشّل حركتها .. علينا ان ننتبه الى سرعة اختراقه وخطورة الاختراق ! انه ليس صاحب نزاع صامت. ولكنه مستفيد جدا من صمت سياسي ولا مبالاة اجتماعية وهشاشة اعلامية ليتطور في كل خططه واساليبه. هنا يستلزم ليس التفكير بما يحدث فحسب ، بل التخطيط لما سيحدث ـ لا سمح الله ـ في اهم مدننا ومناطقنا الاستراتيجية وايجاد الحلول والعلاجات لما يحدث في العراق والجزائر ـ مثلا ـ كيلا ينتقل العنف والصراع الدموي الى كل عالمنا فيجعله عصفا مأكولا في زمن لا يرحم ابدا ! فكّروا معي قليلا، اذ اخشى على كل بلد يعيش استقرارا وتعايشا وتوازنا ان تهّزه موجة ارهابية او اكثر، اذ ثبت ان من السهل ايقاظ خلايا ( نائمة ) لتضرب ضربتها العنيفة وترجع كي تصمت بعد ان تحدث فجائع لا يمكن تخيلها ابدا ! لقد كان المغرب ـ مثلا ـ يعتبر نفسه بعيدا عن ظواهر العنف الداخلي، وكان المسؤولون يصرون على أن سيناريو الجزائر القريبة على بعد خطوات من حدوده مستبعد الحدوث. ان تفجيرات العراق المأساوية المزمنة لم يعد اي احد يفكّر في مفاجآتها ومدى الدمار النفسي والاجتماعي الذي الحقته بالمجتمع العراقي منذ سنوات طوال .. واخشى ان يطال الارهاب بكل بشاعاته كل بلداننا وبشكل لا يصدق .. فهل كانت مجتمعاتنا تتقبّل هذا كله الذي اعتبره حصاد ما جنيناه على انفسنا في القرن العشرين .. كي تعاني منه بلداننا ومجتمعاتنا في القرن الواحد والعشرين ؟! واذا كانت المجتمعات العربية تحجم تفكيرها وتحبس هواجسها وتكبّل ارادتها .. وهي ترضى بكل ما يحدث، فإن العتب كل العتب على اجهزة الاعلام العربية المرئية والسماعية والصحافية بالاخفاق في شن اكبر الحملات الموجّهة ضد هذه الظاهرة البشعة .. فضلا عن مناشدتي وزارات التربية والتعليم كافة ان تتفق على برنامج موحّد واحد يمر به الملايين من تلاميذ مدارسنا وطلبة جامعاتنا يفهمهم حجم الكارثة التي نمرّ بها بقتل الابرياء وتفجير المؤسسات وضرب المصالح العليا ! على الجميع ان يدرك بأن الاسلام لا يقّر بهكذا افعال دنيئة لقتل البراءة ولقتل الحياة ولقتل الخدمات ولقتل التوازنات ولقتل التعايشات ولقتل العلاقات .. الخ ليدرك كل ابناء مجتمعاتنا بأن منطقتنا لا يمكن لها العيش ضمن هواجس الارهاب ، وليس باستطاعتها ان تبقى على كف عفريت فاقدة لمكوناتها ولا تدرك اين مصالحها ولا اين طريقها نحو المستقبل. من جانب آخر ، اناشد السلطات الحاكمة العربية ان تجد الحلول الجذرية لمعالجة الآفات الاجتماعية والنقائص السياسية والمشكلات الاقتصادية والمعيشية التي تمر بها مجتمعاتنا ، وعلى الناس قاطبة ان تعلن عن سخطها وادانتها لقتل الابرياء وتشويه الحياة وسحق المؤسسات مهما كانت درجة الاختلاف والمعارضة مع انظمة الحكم كلها؟ انني انّبه الى خطورة المأزق التاريخي الذي باتت عليه اغلب مجتمعاتنا العربية والاسلامية.. ولابد من ايجاد حلول جذرية لاستئصال العنف مهما كانت درجته من القسوة، ومهما كانت قوته الصامتة ، ومهما كانت خلاياه في حالة يقظة (وليست نائمة) وهي تعمل كخلايا نحل ولكن تحت الارض. اننا مطالبون جميعا بأن نفهم وندرك ما الذي يريده هؤلاء الناس الذين يحرقون الاخضر واليابس من اجل التوّصل الى اهدافهم وغاياتهم ومعتقداتهم ؟؟ على اعلامنا العربي (المرئي خصوصا) ان ينتقل من طور الناقل والمتواطئ والغريب الصامت الى طور الناقد والمعارض والحيوي من اجل ادانة غاضبة لما يجري . ومن دون التلذذ بالصور والمشاهد، ومن دون اي ترجمة مهادنة وكأن ثمة رضى مقنعا بكل ما يجري من كوارث وهذا منتهى الغرابة .. ان استهداف بغداد والرياض ومصر وبيروت والكويت وعمّان والجزائر والدار البيضاء .. لا يعني ان الخطر لا يتهدد الجميع .. انني اناشد الحكومات في عالمينا العربي والاسلامي مع تعاون الناس مع السلطات لكبح جماح هذه الظاهرة البشعة التي تمتد في دنيانا كما تمتد النار في الهشيم فهل هناك من يسمع صوتي القادم من وراء البحار؟[c1] كاتب عراقي[/c]
|
فكر
البشاعة تتسلل بين المشرق والمغرب
أخبار متعلقة