د . ابتهاج الكمالواحدة من أهم المسائل التي ينبغي عدم تجاهلها عند مناقشة تطور وضع المرأة اليمنية في ظل الجمهورية اليمنية هي ضرورة الربط بين فلسفة النظام السياسي وبين ما يتحقق للمرأة , حيث أن الفصل بين الموضوعين يحجب الرؤيا عن الآليات التي تسير بها حركة تطور المرأة, وبالتالي نكون قد تجنبنا على أي جهد حكومي مبذول في هذا الاتجاه .فالسياسية الحكومية اليمنية تعتمد أسلوب (بناء المراحل والتحول التدريجي), ولعل ما آلت إليه أوضاع المرأة اليمنية خلال (15) عاماً من عمر الجمهورية اليمنية لا يمكن عده بناءً منفصلاً عما قبله من جهد نضالي أسست به القيادة السياسية قواعد رفع أعمدة بناء المرحلة التالية التي أعقبت إعادة تحقيق الوحدة اليمنية 1990م.وفي إطار هذا الفلسفة السياسية للدولة اليمنية فان القيادة السياسية لم يكون بوسعها إطلاق كل الخيارات دفعة واحدة على طريق تحرير المرأة وتفعيل مشاركتها السياسية والاقتصادية والثقافية- لان المسألة بالنسبة لها كما أسلفنا الذكر برنامج تنمية شاملة وليست برامج منفصلة عن بعضها البعض .وبمعنى أدق أن الدولة غير قادرة على رفع شعار تمكين المرأة اقتصادياً ما لم تسبقها بإيجاد نهضته اقتصادية واقعية تستوعب مشاركة المرأة؛ وربما سيبدو الأمر اقرب للمزايدة السياسية الحزبية لو أن قيادة اليمن دعت إلى ( كوتا ) نسائية في أول انتخابات برلمانية أعقب الوحدة في وقت تفتقر فيه القوى السياسية الوطنية إلى التجربة النوعية , وكذلك العملية الديمقراطية نفسها لم تكن قد اكتسبت كثيراً من التطور والنمو .ومع أن المشاركة النسوية في انتخابات 1993م كانت جيدة, وبلغ عدد المرشحات فيها (41) امرأة إلا إن فوز امرأتان فقط كان مؤشراً قويا على مدى حاجة الساحة اليمنية لتأهيل الأرضية التي تنطلق منها مشاركة المرأة السياسية, وبلا شك أن الجهود التي بذلت لاحقاً تتضح بجلاء في ارتفاع نسبة الإناث المسجلات من 15 عام 1993م إلى 37 عام 1997 م. ولكن تبقى حالة تفاوت نسب المشاركة( صعوداً ونزولاً) من مشاركة وأخرى مؤشراً آخراً على حجم التحديات التي تعترض مسيرة تطور المرأة اليمنية.وفي كل الأحوال لم تكن القيادة السياسية راغبة بالقفز فوق المراحل , واستباق خطط التنمية الديمقراطية وبرامج إدماج المرأة في الأنشطة الاقتصادية والثقافية وتمكينها سياسياً. فقد كانت الأولوية لتأسيس الإطار القانوني الذي يمنح حقوق المشاركة للمرأة .ومن هنا نرى أن القوانين الصادرة عقب الوحدة كانت تولي هذا الجانب عنايتها . فقد صدر قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة1990م ليمنح المرأة حق تولي القضاء والنيابة - رغم أن بعض القوى السياسية عارضته من وجهات نظر شرعية - ثم صدر قانون الأحوال الشخصية رقم(20) لسنة1992م الذي يجسد مبدأ الرضا في الزواج وتشترط المادة (10) منه قبول المرأة , كما حدد هذا القانون نظم جميع العلاقات الأسرية, وحقوق المرأة الزوجية كحق الفسخ , ووضع شروطاً للزواج بأخرى والكثير من الحقوق .أما القانون المدني رقم(19) لعام 1992م فقد كفل جميع الحقوق المدنية للمرأة مثلها مثل الشروط التي وضعت للرجل .في حين أكد قانون الخدمة المدنية(19) لعام 1991م مساواة المرأة بالرجل في تولي الوظائف بنفس الشروط وأعطى لها حقوق قانونية كثيرة كبقية قوانين الدول المتقدمة ..كما صدر قانون العمل رقم (5 ) لعام 1995م الذي خصص فصلاً كاملاً نظم فيه عمل المرأة, وساواها مع الرجل بكافة الشروط والحقوق والواجبات والأجور والتدريب والتأهيل , وحدد ساعات عملها, ومنع تشغيلها ليلا , أو بالأعمال الخطرة وغيرها من الحقوق .وفي عام 1994م صدر قانون الجرائم والعقوبات رقم(12), وشدد على احترام المرأة وحفظ نفسها ومالها وعرضها من الاعتداء . وساوى بين المرأة والرجل في الحساب والعقاب . وتزامن معه صدور قانون الإجراءات الجزائية رقم(13) لسنة 1994م الذي فرض إجراءات خاصة يجب إتباعها أثناء التحقيق مع المرأة , أو تفتيشها, أو القبض عليها, أو إيداعها في السجون, أو تنفيذ الأحكام في بعض القضايا .كما أن قانون السجون رقم (48) لسنة 1991م افرد نصاً خاصاً للمرأة الحامل وكيفية معاملتها , ونص في المادة (27) على انه : ( يجب أن تتوافر للمرأة الحامل المسجونة قبل الوضع وأثناء الوضع وبعده العناية والرعاية الطبية اللازمة وفقاً لتوجيه الطبيب المختص وحسب اللائحة ). وفي المادة (33) منه أكد القانون على أن يوكل سجن النساء بنساء للحراسة والإدارة, وشددت بعض فقرات القانون على ضرورة تعليم وتثقيف السجينات .وقد تطور الأمر عام 2002م إلى إنشاء جهاز الشرطة النسائية وتخريج دفعات منها تولت مهام في منافذ الدخول الوطنية, وفي المؤسسات الحساسة, وشاركن في حفظ الأمن في مراكز الاقتراع النسوية أثناء الانتخابات .. وكان ذلاك تطور نوعي كبير على أفق الميدان المهني للمرأة وإسهاماتها التنموية, وذلك على تطور الوعي الوطني للمرأة أولا, ثم تطور في ثقافة المجتمع اليمنية عموماً إزاء نظرته نحو المرأة وحدود مشاركتها في الحياة .جدير بالذكر أن اليمن انضمت خلال الخمسة عشر عاماً الماضية إلى لجميع الاتفاقيات الدولية ووقعت جميع البرتوكولات الخاصة بمناهضة التمييز والعنف ضد المرأة, والمؤكد لحقوقها الأخرى .وفي الحقيقة ان التشريع القانوني الجديد الذي شكل مظلة حقوق وحريات المرأة اوجد أيضا ثقافة حقوقية رفيعة كانت بمثابة المنهج الذي استندت إليه جميع منظمات المجتمع المدني ووزارة حقوق الإنسان , والمؤسسات التربوية والثقافية اليمنية في التوعية بحقوق المرأة وحرياتها , ونشر ثقافة جديدة كان من شأنها ردم الكثير من المفاهيم المغلوطة, والقضاء على جزء من العادات والتقاليد التي كانت سائدة, وتتسبب في ظلم المرأة واضطهاد إنسانيتها, والتعدي على حقوقها الشرعية . ولهذا نجد اليوم حراكاً غير مسبوق في مجال حقوق المرأة, وتصاعد الأصوات الداعية إلى تمكينها من حقوقها , وحرياتها , وتفعيل مشاركتها السياسية والاقتصادية والثقافية. فالحديث الذي كان في عام 1990م يواجه ببعض السخرية ومعارضته شديدة لم يعد كذلك عام 2005م.بل أصبح أمرًا عادياً من بعض جدل يوميات الإنسان اليمني .. وهذا الأمر بحد ذاته يمثل مرحلة متقدمة طالماً تطلعت القيادة السياسية بلوغها من اجل المباشرة بتقديم مشاريعها المتعلقة بإضافة المرأة إلى حسابات الخطط التنموية كقوة منتجة ومساهمة في صنع النهضة اليمنية سواء بطرح مشروع ( الكوتا ) النسائية أو غيرها من الخيارات التي تكفل للمرأة إثبات وجود فعلي مؤثر .وبحسب ما سبق ذكره في المحور السابق من إحصائيات حول نسب التعلم, وحجم ثقل وجود المرأة في الحياة المهنية نجد أن متوسط الزيادة التي حدثت في نسب التحاق المرأة بالتعليم الأساسي قد ارتفعت خلال العشر سنوات الماضية إلى حوالي 62 وفي التعليم الثانوي إلى حوالي 39, والجامعي حوالي 32 . أما مشاركتها في قطاع العمل فتتركز في الزراعة والصحة, التعليم . فقد ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في القطاع الزراعي خلال الفترة من (1995م إلى نهاية 2004م) بحوالي 44 , وفي التعليم 36, وفي الصحة 20, طبقاً لإحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء .لقد شهدت المرأة خلال الجمهورية اليمنية توسعاً أفقيا وعمودياً على صعيد المشاركة الاقتصادية, فاليوم لدينا المرأة الطبيبة, والمهندسة , والقاضية والمحامية, والمحاسبة, والخبيرة , وضابطة الأمن , والشرطية, وغيرها من العناوين التي كان من الصعب الحديث عنها قبل التسعينات , لكنها اليوم جزء من واقع حياة معاشة, وبعض ثمار بذور غرسها فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح منذ مقتبل عهده لتكون عنوان الدولة اليمنية الحديثة, وابرز ملامح الدخول إلى الألفية الثالثة .وبكل تأكيد أن المرأة ما كانت لتصل ما هي عليه اليوم لولا ان تطورها جاء في سياق نمو وطني شامل على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والدولية, ساعدت على جعل عناصر التقدم والحداثة بمثابة المناخ الصحي الذي يهيء فرص نجاح المرأة ودعم حقوقها وحرياتها , وإنسانيتها الكريمة .فمئات المنظمات التي تدافع عن المرأة في اليمن , وتناصر حقوقها, وتعزز مهاراتها وجدت الأرضية القانونية التي تنبثق منها , ثم الدفع الحكومي والدعم اللامحدود لتقوية قدراتها ،علاوة على الدعم الدولي الكبير المقدم لها , والذي ما كان المانحون ليتقدموا به لليمن لولا ضمان استقرارها والوثوق بقيادتها السياسية، وعمق تجربتها الديمقراطية، وجدية الإدارة اليمنية في بناء مستقبل اليمن الحديث .
|
الناس
المـرأة اليمنية..وتطلعات المستقبل
أخبار متعلقة