الأفارقة يتطلعون لدعم الصين السياسي وهي تتطلع لنفظهم
بكين / متابعات :اختتمت القمة الصينية - الأفريقية أعمالها، بعد أن قيل الكثير عن قليلها والقليل جدا عن كثيرها. إذ إن الكثير من وسائل الإعلام الغربية لم تر في القمة التي حضرها 48 من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية سوى الرئيسين الزيمبابوي موغابي والسوداني عمر البشير. وهي كذلك تجاهلت 48 دولة من دول القارة الـ53 شاركت في هذا الحدث الدولي الذي اعتبر أكبر تجمع تشهده الصين منذ تأسيسها وانصب تركيزها على خمس دول فقط لم تشارك في القمة كونها تقيم علاقات دبلوماسية مع تايوان.البعض ذهب إلى اعتبار هذا التقارب الصيني - الأفريقي توطئة لاستعمار اقتصادي صيني يهدف إلى نهب ثروات القارة وزيادة همومها وتعزيز قبضة حكامها على شعوبهم ومواصلة انتهاك حقوق الإنسان والإبادة الجماعية بحق الأقليات القومية.المتحدث الرسمي الصيني ليو جيان تشاو رد على كل تلك الانتقادات على قاعدة إذا أتتك مذمتي من مستعمر. لكن المستعرض لأحداث القمة لا بد أن يلاحظ أن أفريقيا هي من جاء إلى الصين بمحض إرادتها. وبأن خيار أفريقيا بالرقص مع التنين الصيني جاء بعد عقود طويلة من الرقص مع ذئاب أتت على القطيع كله ولم تخرج القارة من أزماتها وهمومها الكثيرة بل زادت من حدتها. كما أن المستعرض لتاريخ العلاقات الصينية الأفريقية منذ تأسيسها قبل 50 عاما يلاحظ أن دخول الصين إلى أفريقيا جاء عبر البوابة المصرية عندما كانت القاهرة آنذاك بؤرة حركات التحرر الوطني.على الجانب الآخر كانت السواعد الأفريقية السمراء في أروقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة هي التي أعادت للصين مقعدها وطردت مندوب تايوان من المنظمة الدولية.أكثر من 900 مشروع حيوي أشادتها الصين في أفريقيا منذ ذلك الحين وآلاف من الطلبة الأفارقة تلقوا تحصيلهم العلمي في الجامعات الصينية ومئات من الفرق الطبية الصينية عملت في المستشفيات الأفريقية وعشرات القرارات الدولية التي تنتقد سجل حقوق الإنسان في الصين أو تلك التي تدعو لانضمام تايوان إلى منظمة الأمم المتحدة جميعها تم إفشالها بأصوات أفريقيا في المحافل الدولية.وتحقيق حلم بكين باستضافة دورة الألعاب الأولمبية للعام 2008 جاء بفضل الأصوات الأفريقية. إنها إذن علاقة أخذ وعطاء ومنفعة مشتركة وتلك هي الأسس المنطقية التي تبنى أو يجب أن تبنى عليها العلاقات بين الدول. ما من شك بأن السائل الأسود في القارة السمراء هو الضالة المنشودة وإكسير الحياة لضمان استمرار حركة التنين الصيني وما من شك بأن الأسواق الكبيرة لدول القارة تسيل لعاب الشركات الصينية لتسويق منتجاتها الرخيصة.وفي نفس الوقت ما من شك أيضا بأن خبرات الصين في تجربتها الاقتصادية الفريدة يمكن أن تشكل نموذجا تفيد منه دول القارة في سعيها نحو التنمية دون تدخلات خارجية، ناهيك عن ثقل الصين الدولي وتنامي دورها باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن بات يثير اهتمام بعض دول القارة التي تعاني من أزمات ولعل تهديد الصين باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار لفرض عقوبات على السودان خير دليل على ذلك.ورغم تأكيد الجانبين الصيني والأفريقي بأن تقاربهما لا يستهدف أي طرف ثالث فإن تنامي الوجود الصيني في قارة تختزن ثروات طبيعية هائلة تضخ قوة جديدة في جسد التنين الصيني الناهض لا بد أن يثير قلق بعض القوى الدولية الكبرى ويشكل تهديدا مباشرا لمصالحها. وهنا يكمن مربط الفرس في طريقة تغطية بعض وسائل الإعلام للقمة، إذن... إنه النفط مرة أخرى وليس حقوق الإنسان.