في ذكرى ر حيل عبد الناصر
هذه آخر الأرض!لم يبقَ إلا الفراقسأسوي هنالك قبرا،وأجعل شاهده مزقةَ من لوائكَ،ثم أقول سلاما!زمن الغزوات مضى، والرفاقذهبوا، ورجعنا يتامىهل سوى زهرتين أضمهما فوق قبرك،ثم أمزق عن قدمي الوثاقإنني قد تبعتك من أولِ الحلمِ،من أول اليأس حتى نهايتهِ،ووفيت الذماماورحلت وراءك من مستحيل إلى مستحيللم أكنْ اشتهي أن أرى لونَ عينيك،أو أن أميط اللثاماكنت أمشي وراء دميفأرى مدنا تتلألأ مثل البراعم،حيث يغيم المدى ويضيع الصهيلوالحصون تساقط حولي،أصرخ في الناس! يوم بيوم،وقرطبة الملتقى والعناقآه! هل يخدع الدمع صاحبههل تكون الدماء التي عشقَتك حراما!تلك غرناطة سقطت!ورأيتكَ تسقط دون جراحِ،كما يسقط النجم دون احتراق!فحملتك كالطفل بين يدي وهرولت،أكرم أيامنا أن تدوس َ عليها الخيولوتسللت عبر المدينةِ حتى وصلت إلى البحر،كهلا يسير بجثةِ صاحبهِ،في ختام السباق!من ترى يحمل الآن عبءَ الهزيمةِ فينا ؟المغني الذي طاف يبحث للحلم عن جسدِ يرتديه ؟أم هو الملك المدعي أن حلمَ المغني تجسد فيه ؟هل خدعت بملكك حتى حسبتكَ صاحب المنتظرْ ؟أم خدعت بأغنيتي، ؟وانتظرت الذي وعدتكَ به ثم لم تنتصرأم خدعنا معا بسرابِ الزمان الجميل؟!كان بيتي بقرطبة،والسماء بساط،وقلبي إبريق خمري،وبين يدي النجومصاح بي صائح: لا تصدٌِق!ولكنني كنت أضرب أوتارَ قيثارتي،باحثا عن قرار صوت قديملم أكن بالمصدق، أو بالمكذٌِبِ،كنت أغني، وكان الندامىيملؤون السماء رضا وابتساما!والسماء صحاري،وظهر مدينتنا صهوةوالطريقمن القدس للقادسية جد طويِلقلت لي:كيف نمضي بغير دليلقلت:هاكَ المدينةَ تحتكَ،فانظر وجوهَ سلاطينها الغابرينَ،معلقة فوق أبوابها، واتقِ الله فينا!كنت أحلم حينئذكنت في قلعة من قلاع المدينةِ ملقياً سجيناكنت أكتب مظلمة،وأراقب موكبكَ الذهبيْفتأخذني نشوة ، وأمزق مظلمتي،ثم أكتب فيك قصيدةآه يا سيدي،كم عشنا إلى زمن يأخذ القلبَ،قلنا لك صنع كما تشتهي،وأعدْ للمدينة لؤلؤة العدلِ،لؤلؤةَ المستحيلِ الفريدةصاح بي صائح لا تبايعْ!ولكنني كنت أضرب أوتارَ قيثارتي،باحثا عن قرارة صوت قديم!لم أكن أتحدث عن ملكي،كنت أبحث عن رجل،أخبرَ القلب أن بأمته أوشكت،كيف أعرف أن الذي بايعته المدينة،ليس الذي و عد تنا السماء؟!والسماء خلاءوأهاج المدينةِ غرقى يموتون تحتَ المجاعةويصيحون فَوْق المآذنأن الحوانيتَ مغلقةْوصلاة الجماعةباطلة، والفرنجة قادمةفالنجاءَ النجاءْ!ووقفت على شرفات المدينةِ أشهدها،وهي تشحب بين يديْ كطفل،ويختلط الرهج المتصاعد حول مساجِدهابالبكاءوأنا العاشق المستحث قوافيَّ من يوم أن وجلدت،واستدارت على جيدِها وسوسات القلادةتهت فيها، وضاع دليلييا ترى هل هو الموت؟هل هو ميلادها الحق؟من يستطيع الشهادةأنا لا!لم أكن شاهدا أبداإنني قاتل أو قتيل!محتج عشرين موتا،وأهلكت عشرين عمرا،وآخيت روح الفصولتتوارى عصوركم وأظل أغني لمن سوف يأتي،فترجعك قرطبة وتجوز الشفاعةصاح بي صائح: أنج أنتَ!ولكنني كنت في دمِ قرطبة أتمزقْعبرَ المخاض الأليمكنت أضرب أوتار قيثارتي،باحثا عن قرارة صوتي القديمصحتَ بي أنتَ..هل كنتَ أنت؟!آه! لا تسألوني جوابا،أنا لم أكن شاهدا أبداإنني قاتل أو قتيلوأنا طالب الدمِ،طالب لؤلؤةِ المستحيلكان بيتي بقرطبةبِعت قيثارتي، ثم جزت المضيققاصدا مكة، والطريقرائع.. كنت وحدي وكانت بلادي دليليوكان محمد فوق المآذن يمسك طرف الهلالوينير سبيليويوقف خيل الفرنجِةيمسخها شجرا أخضر في التلال!إنني أحلم الآنَ.بيتي، كان بغرناطةبعت قيثارتي، واشتريت طعاماورحلت إلى بلدي لست أدري اسمها،جعت فيهاوانضممت لطائفة الفقراء بها،واتخذت إماماهل هو الوحي؟أم أنه الرأي يا سيدي والمكيدة.هل أمرنا بأن نرفَع السيفَ؟أم نعطَي الخدْ؟هل نغصب الملكَ؟ أم نتفرق في الصحراء؟!ولقيتك، أنتَ الذي قلت لي:عد لغرناطة، وادع أهل الجزيرةِ أن يتبعوني،وأحيِ العقيدة!إنني أحلم الآنَ.لم تأتِبل جاء جيش الفرنجةِفاحتملونا إلى البحر نبكي على الملك.لا، لست أبكي على الملك،لكنْ على عمر ضائع لم يكن غيرَ وهم جميل!فوداعا هنا يا أميري!آن لي أن أعودَ لقيثارتي،وأواصل ملحمتي وعبوريتلك غرناطة تختفيويلف الضباب مآذنهاوتغطي المياه سفائنهاوتعود إلى قبرِكَ الملكي بها،وأعود إلى قدري ومصيريمن ترى يعلم الآن في أي أرضى أموت؟وفي أي أرض يكون نشوري؟إنني ضائع في البلادضائع بين تاريخي المستحيلِ،وتاريخي المستعادحامل في دمي نكبتيحامل خطئي وسقوطيهل ترى أتذكر صوتي القديمَ،فيبعثني الله من تحت هذا الرمادأم أغيب كما غبتَ أنتَ،وتسقط غرناطة في المحيط!