* تابعت خلال الأيام الماضية ما قاله وكتبه كثير من رجال الدين السنة عن فضائل يوم عاشوراء (اليوم العاشرمن شهر محرم) وفضل صيام هذا اليوم، ومن كثرة ما قيل وكتب والحفاوة المبالغ فيها بهذه المناسبة دعاني الفضول إلى تصفح مراجع أهل السنة التي وردت فيها فضائل هذا “اليوم العظيم” فإذا مرويات لو ضممت بعضها إلى بعض لوجدتها متضاربة وينقض بعضها بعضاً، إلا إذا كان لدى القوم سبيل آخر للتوفيق بينها، فمن عندهم البيان.في صحيح مسلم رواية منسوبة لابن عباس يقول فيها إن الرسول “صلى الله عليه وسلم” قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكراً فنحن نصومه، فقال الرسول “ صلى الله عليه وسلم” نحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه الرسول وأمر بصيامه. وحديث آخر في الصحيحين إن قريشاً كانت في الجاهلية تصوم يوم عاشوراء، وكذلك صامه الرسول “ صلى الله عليه وسلم” فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض الله صيام رمضان ترك عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه.* والمشكل هنا أن حديثاً يظهر أن الرسول “ صلى الله عليه وسلم” قدم المدينة في يوم عاشوراء (شهر محرم) وأنه وجد اليهود صياماً فسألهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ بينما المؤكد في كتب السير والأخبار أن هجرة الرسول “صلى الله عليه وسلم” إلى المدينة كانت في شهر ربيع الأول وليس شهر محرم، وفي الحديث الثاني إن قريشاً كانت تصوم عاشوراء وكذلك الرسول، ما يعني أنه لم يكن غير عالم بعاشوراء فكيف يسأل اليهود “ما هذا اليوم” كما ورد في الحديث الثاني.. ثم شهر محرم تسمية عربية خالصة للشهر الأول من السنة، ولا علاقة له بالتقويم اليهودي.وفي صحيح البخاري، الذي ذكر فيه الحديثان السابقان، حديث آخر عن أبي موسى إنه قال إن يوم عاشوراء كانت اليهود تعده عيداً ( وليس صياماً في العيد) فقال الرسول “صلى الله عليه وسلم” لأصحابه: صوموا أنتم.. أي أمرهم بصيام يوم فطر اليهود مخالفة لهم.وعن سبب تعظيم يوم عاشوراء وكون الصيام فيه “يكفر سنة ماضية” كما قيل عن الرسول “ صلى الله عليه وسلم” قالوا إنه يوم عظيم لأن الله أنجى فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه، وفي حديث آخر عن ابن عباس سبب صيام عاشوراء يرجع إلى كونه اليوم الذي “استوت فيه سفينة نوح على الجودي فصامه نوح شكراً وصامه موسى شكراً.. فمن الذي قال إن سفينة نوح رست على الجودي أو الجبل يوم عاشر محرم، وإن موسى وقومه نجوا في عاشوراء؟ وهل هذه المناسبة أعظم من مناسبة نزول الوحي أو الهجرة النبوية أو يوم بدر؟ ولماذا جعلوا صيام يوم عاشوراء كفارة ذنوب سنة، حتى بعد أن فرضت فريضة الصيام في شهر رمضان؟.. رمضان عندهم لا شيء مقابل “يوم” عاشوراء!.تلك أسئلة عابرة موجهة للذين يعبدون الناس للآلهة “عاشوراء”.. ومطلوب منهم أن ينظروا في التناقضات السابقة ويبصرونا.. لماذا كل هذه الحفاوة بيوم “عاشوراء” السابقة على ظهور الإسلام؟ وما حقيقة تلك المرويات التي تؤسس للاحتفال الديني بتراث الأولين؟.. وبالمناسبة، أظن أني قرأت للشيخ أنيس الحبيشي عبارات موجزة يعلق بها على هذه الإشكالية، مؤداها أن الأمويين استخدموا رجال دين لإحياء تراث أسطوري ووضع أحاديث تمجد قتل الحسين وتغيض الشيعة الذين يعظمون استشهاده.
أسئلة (عاشوراء)
أخبار متعلقة