خاطرة
طفلة صغيرة ولدت بين أنقاض الخطيئة رغم وجود ورقة الزواج الشرعي، تصارع للبقاء بين عتبات ولادتها أمس وظهورها اليوم ومستقبلها المجهول، تنظر إلى والديها بشغف الحياة، تتلهف للوصول لأول مرة إلى قطعة الشكولاتة والتمتع بمضغها والنوم بسعادة في حضن أمها الحنون، برعاية أبيها الرائع.لكن هل سيتوقف الزمان الآن لتكمل هذه السعادة بذكرى طويلة الامد ، لا تجف فيها المياه؟لا، لن يتوقف الزمان وبينما كنت أعيش أحسن لحظات عمري دق الباب وتم الطلاق لأرى طوفان العذاب يكسر لحظات السعادة في بيتنا، لينتشر سم الفراق والصراخ، حينها حاولت إيجاد الحلول السريعة بعقلي الصغير فأقتربت إلى أمي فإذا بدموع غزيرة بطعم الحزن تمنع أمي عن رؤيتي وتحول حضنها الدافئ إلى معصرة من البكاء عصرت قلبي معها وجعلتني أقف رغم صغر سني على هاوية الدمار، فتمسكت بها أكثر وكأنني خائفة من أن تتركني وحيدة، وحينها سمعت صراخ أبي الذي تحول إلى وحش كاسر، ارتفعت صرخاته ووصلت إلى أعالي الجبال لتسقط علينا كومات الحجارة الغاضبة، فتركت أمي حزينة وهرعت إلى أبي طلبت منه أن يحمينا وعندما نظرت إلى عينيه شعرت بنظرة اليأس والحرمان تضارب أفكاره معلنة عن نهاية هذا البيت السعيد ولا مجال للتراجع خطوة.آلمني الموقف وأنا أرى أمي كحمامة مذبوحة ليس بيدها غير البكاء المرير، أما أبي الذي كان العمود الرئيسي في بيتنا فقد سقط جراء عواصف عديدة تراكمت نتيجة بحثه عن الحب الأبدي.وبقيت واقفة في وسط الطريق أنظر إلى والدي وأنا أبحث عن طريق يرشدني إلى الصواب لكني أضعت الطريق وبقيت وحيدة.هكذا ترعرعت وكبرت في ظل ظروف عديدة وكان الخوف هو سريان دمي في عروقي والقلق هو دقات قلبي والندم إحساسي ومشاعري، فأصبحت مع الأيام كتلة جامدة أسير على أطراف أصابعي وأريد الاختفاء من هذه الأرض التعبة.لكن هناك سؤالان يلاحقاني طوال عمري؟من أنا؟ وما هو ذنبي؟ لأعاني ما أعانيه لأصبح ورقة مهملة في حاضري تلعب بها الرياح يميناً ويساراً، لقد أصبحنا في زمن يتهرب فيه الكبار من المسؤولية بحجج عديدة ويرمونها على شماعة النصيب والتضحية لم يعد لها مكان فيه وأصبح الإنسان يملك من الأنانية ما يكفي ليقتل ولده الصغير من دون مبالاة للبحث عن السعادة الذاتية تاركاً خلفه مخلوقاً صغيراً كان ناتجاً عن علاقة زوجية فاشلة وهكذا أصبحت تقريراً فاشلاً عن علاقة زوجية، كنت ثمرة تحمل عاقبة أخطاء أجيال عديدة أصبحت اليوم في عالم الإهمال وخطوط سوداء مرسومة على أوجههم.أصبحت اليوم امرأة صارعت إثبات وجودها رغم كل المصاعب والعقبات، ما زالت تسكنني طفلة صغيرة تطالبني بعدم التخلي عنها فهي حبيسة بسجن تعاني الوحدة والآلام والخوف ولا تستطيع مسامحة أبويها فكانت هذه الطفلة سبب تعثري.فنظرت إلى نفسي في مرآتي وتأملت ما فاتني من ذكريات الطفولة السعيدة مثل أي طفل فدخلت إلى عالم أمس حين بدأ صراع الطلاق يهاجم بيتي وحملت تلك الطفلة الخائفة ونظرت إلى والدي قلت لهما: توقفا عن الصراخ والأنانية حينها نظرا إلي وهما يسألانني من أنت؟ اتركي أبنتنا.فقلت لهما أنا أبنتكما أيها الأنانيان، لماذا تريدانني أن أتركها، لكي تدمراها لا لن أدفع ثمن أخطائكما وتركتهما حائرين كلاهما ينظر إلى الآخر وأخذت نفسي من سجن الطلاق ورجعت إلى حاضري فشعرت بالقوة والسلام والاستقرار لأول مرة استطعت أن أقول للخطأ “لا”.وتوقفت عن التعثر واختفى الخوف من حياتي وبدأت حياة جديدة بخطوات مليئة بالتفاؤل والأمل وقررت أن لا أكون خائفة ... صغيرتي..