وجهة نظر
تضم مدونة القانون الجزائي اليمني عدداً كبيراً من النصوص ذات الطابع الاستبدادي وبعضها منقول عن دول غابرة والبعض الآخر تم نقله إلى المدونة من قانون العقوبات فيما كان يسمى بـ (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) قبل زوالها بقيام الوحدة اليمنية. ومن تلك النصوص المادتين (197 ، 198) من قانون العقوبات اليمني التي تخضع المعارضة السياسية للمساءلة والعقاب الجنائي بسبب أفكارها المجردة أو بسبب الأقوال والنية وهي أمور تتعارض مع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.على أننا سوف نقتصر على نصّيْ قانون العقوبات والصحافة غير الدستوريين [المادة (201) من قانون العقوبات اليمني رقم (12) لعام 1994م والمادة (108) من قانون الصحافة والمطبوعات رقم (25) لعام 1990م] واللذين قد عفا عليهما الزمن. وهذان النصان منقولان عن بعض القوانين العربية البالية دون اعتبار للتحولات التي طرأت على تلك النصوص ومن غير تمحيص للظروف السائدة عالمياً حيث أنه قد صار إما إلغاءهما أو عدم الاعتداد بهما وذلك في معظم بلدان المصدر ومنها (جمهورية مصر العربية) التي تم نقل النصين المذكورين من بعض قوانينهما قبل إلغائهما هناك بعد أن قضت المحاكم الدستورية العليا في هذه الدول بعدم دستورية النصين المذكورين تطبيقاً للمبدأ العالمي والدستوري والقانوني الراسخ وهو ((عدم جواز افتراض المسئولية الجزائية))(1).[c1]دور الصحافة والرقابة الدستورية[/c]لقد ثبت عبر التاريخ أن الصحافة تؤدي دوراً خطيراً في محاربة الرشوة والمحسوبية واختلاس الأموال العامة واستغلال النفوذ الرسمي وكافة أشكال الفساد التي من شأن استمرارها في اليمن تعميم الفوضى ونشر الظلم وتهديم سيادة القانون مما يترتب عليه تقويض السلطة السياسية ذاتها بل والنظام الاجتماعي برمته. وإذا ما أطلقت سلطات الأفراد المتسلطين وجماعات مراكز القوى وموظفي السلطة التنفيذية وغيرها في مواجهة الصحفيين والكتاب الأحرار فإننا بذلك نكمم أفواههم ونغل أيديهم عن الكتابة ونمنعهم من الانتقاد لأن الفاسدين والظالمين وأعداء سيادة القانون، وهم كثر في الجمهورية اليمنية، سوف يستخدمون سلاح قانون العقوبات وقانون الصحافة والمطبوعات بل والجهاز القضائي وخاصة النيابة العامة لحماية مساوئهم وضمان استمرار مصالحهم غير المشروعة ومن هنا تعتبر مساءلة ومعاقبة الصحفيين جنائياً عما ينشرونه بناءً على هذا الافتراض خطأ سياسيا وقانونياً جسيماً.ولذلك فقد كفل الدستور اليمني للصحف حريتها، ولم يجز إنذارها أو وقفها أو إلغاءها أو إغلاقها بالطريق الإداري، بما يحول كأصل عام، دون التدخل في شئونها، أو إرهاقها بقيود ترد رسالتها على عقابها، أو إضعافها من خلال تقليص دورها في بناء المجتمع، متوخياً دوماً أن يكرس بها قيماً جوهرية، سامية، يتصدرها أن يكون الحوار بديلاً عن القهر والتسلط، ونافذة لإطلال المواطنين على مختلف صنوف الأفكار وإنجازات العقل البشري والحقائق التي لا يجوز حجبها عنهم، ومدخلاً لتعميق معلوماتهم فلا يجوز طمسها أو تلوينها بما يلحق الضرر بالمجتمع وتؤثر على تطوره. لقد ثبت عبر المراحل التاريخية المختلفة أن دُور النشر والصحافة تكفل للمواطن دوراً فاعلاً، وعلى الأخص من خلال المعرفة والمعلومات التي تتيح له الاطلاع عليها بما يكفل له تحقيق تكامل شخصيته فلا يكون جاهلاً وسلبياً منكفئاً وراء جدران مغلقة، أو مطارداً بالفزع من بأس وجبروت السلطة الحاكمة وعدوانيتها، بل واثقاً من قدرته على مواجهتها. فلا تكون علاقتها به انحرافاً، بل اعتدالاً، وإلا ارتد بطشها عليها وكان مؤذناً بأفولها( ).ومن خلال استقراء التاريخ السياسي للدول نجد أن الرقابة القضائية الحقيقية والفعالة على أعمال السلطة السياسية والتنفيذية في الدولة وبالأخص الرقابة على دستورية القوانين تشكل أهم الضمانات اللازمة للحريات الفردية والعامة والمساواة بين المواطنين أمام القانون وضبط حركة أجهزة السلطة بما يخدم العدالة والحرية. ولا ريب أن الصحافة تعتبر من أكثر الوسائل فعالية في تحقيق الرقابة على تلك الأجهزة ووضعها تحت مجهر الرأي العام بحيث تصير أخطاؤها في متناول الكافة فيسهل الحيلولة دون وقوعها أو استمرارها أو التقليل من آثارها الضارة.[c1]الأسس الشرعية والدستوريةالأساســـان الشرعيـــان :الأســــــاس الأول[/c]إن الإسلام زاخر بالشواهد التي تؤكد الطابع الشخصي للمسئولية الجنائية ومن ذلك الآيات القرآنية التالية: ((كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)) سورة المدثر، آية (38)، ((أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)) سورة النجم، آية (38)، ((وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ)) سورة يونس، آية (41)، ((هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُون)) سورة يونس، آية (33)، ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ)) سورة الأنعام، آية (120).ويتضح لنا من ذلك أن العقوبة الجزائية شخصية ولا يجوز توقيعها إلا على الشخص الذي ارتكب النشاط ذاته المكون للجريمة والمعاقب عليه قانوناً (فعل - امتناع - ترك) وهذا إعمال لنصوص القرآن الكريم ومنها قوله تعالى: ((وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)) وقوله تعالى : ((فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ))، وكذلك قوله تعالى : ((كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)) صدق الله العظيم.[c1]الأســـــاس الثانــــي[/c]إن الثابت - بيقين - هو أن القوانين في الجمهورية اليمنية مستمدة من الشريعة الإسلامية حيث تنص المادة (3) من الدستور على ما يلي :((الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات)).وحيث أن شريعتنا السمحاء لا تؤاخذ الشخص إلا عن ذنب ارتكبه هو بشخصه ولا يكون مسئولاً عما يأتيه غيره فإن إقامة المسئولية على رئيس التحرير عن رأي أحد الصحفيين أو مقالة نشرت بدون اسم كاتبها يعد مخالفاً أحكام الشريعة الإسلامية والدستور لا من حيث روحها وحسب بل والمبادئ الأساسية لها التي أحال إليها الدستور وحتم صدور القوانين بناءً عليها واعتبر كل ما يتعارض معها غير دستوري.الأســــس الدستوريــــة :لقد نصت المادة (47) من دستور الجمهورية اليمنية على ما يلي :((المسئولية الجنائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي أو قانوني ... الخ)).وبناءً على ذلك نصت المادة (3) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على ما يلي :((المسئولية الجزائية شخصية فلا يجوز إحضار شخص للمساءلة الجزائية إلا عما ارتكبه هو من أفعال يعاقب عليها القانون)).كذا نصت المادة (2) من قانون العقوبات اليمني رقم (12) لعام 1994م على أن :((المسئولية الجزائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون)).[c1]الأســـاس الأول[/c]إن مقتضى نص المادة (47) من الدستور اليمني التي تؤكد أن المسئولية الجنائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو قانوني، هو أن لكل جريمة ركناً موضوعياً (مادياً) لا قوام لها بغيره، يتمثل في فعل أو امتناع أو ترك وقع بالمخالفة لنص عقابي، مؤكداً بذلك أن ما يركن إليه القانون الجزائي (الجنائي) - في أوامره ونواهيه - هي مادة النشاط المحظور المؤاخذ على ارتكابه فعلاً كان هذا النشاط أم تركاً أو امتناعاً.[c1]الأســــاس الثانــــي[/c]من المعلوم أن محور التجريم في القانون الجزائي اليمني هي الأفعال أو الامتناعات أو التروك ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية وخصائصها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وعلى ضوئها يتم التمييز بين الجرائم بعضها البعض، وتديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة التي تناسبها. وبالتالي لا يجوز، دستورياً، وجود جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا أن يقوم الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها، بعيداً عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه، بما مقتضاه أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية - وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته - تعتبر واقعة في منطقة التجريم، كلما كانت تعكس سلوكاً خارجياً مؤاخذاً عليه قانوناً. فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أو امتناعات أو تروك أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجياً في صورة مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.وحيث أن الأصل في الجرائم العمدية جميعها. أنها تعكس تكويناً مركباً قوامه تزامن اتصال الإثم الجنائي بارتكابها، وعقل واع هيمن على مجراها نحو النتيجة الإجرامية المترتبة على إتيانها، ونقصد بذلك القصد الجنائي الذي لا بد أن يكون متلائماً مع الشخصية الفردية في ملامحها وتوجهاتها. وهذه الإرادة الواعية هي التي تتطلبها الأمم المتحضرة في مجال التجريم بوصفها ركناً في الجريمة وأصلاً ثابتاً كامناً في طبيعتها وليس أمراً فجاً دخيلاً مقحماً عليها أو غريباً عن خصائصها، ذلك أن حرية الإرادة تعني حرية الاختيار بين الخير والشر، فلا يجرم النشاط فعلاً أو امتناعاً أو تركاً ما لم يكن إرادياً قائماً على الاختيار الحر، ومن ثم مقصوداً(3).[c1]الأســـاس الثالــــث[/c]لا يكفي القول أن النصين المطعون بعدم دستوريتهما لا يقرران مسئولية عن عمل الغير، بل يتناولان المسئولية الشخصية لرؤساء التحرير ومن في حكمهم لإهمالهم الرقابة على النشر، أو إذنهم به عملاً بالمواد ذات العلاقة بشأن المطبوعات والصحافة، وأن ما ينشر ويعتبر (سباً) أو (قذفاً) أو (طعناً) ضد الحكام أو آحاد الناس أو الجماعات أو إهانة لهم، ما كان له أن يتصل بالغير إلا إذا أذن الناشر أو رئيس التحرير بنشره، فيكون الركن المادي للجريمة هو الامتناع عن مراقبة النشر، أما ركنها المعنوي فقد يكون عمدياً أو غير عمدي.وهذا أمر مردود عليه، وفقاً لما هو مقرر فقهاً وما جرت عليه أحكام القضاء الدستوري المقارن، بعدد من الحجج الدامغة ومنها ما يلي :الحجة الأولى : أن الجريمة العمدية تقتضي، لتوافر القصد الجنائي بشأنها وهو أحد أركانها، علماً من الجاني بعناصرها، مما يؤكد أنه لم يقدم عليها إلا بعد تقديره لمخاطرها، وعلى ضوء الشروط التي وضعها المشرع، فلا تكون نتيجة الجريمة غير التي قصد إلى إحداثها، ((شأن الجريمة المتهم بها الناشرين كذلك رؤساء التحرير ومن في حكمهم بزعمه فاعلاً أصلياً لها))، ولا يتصور بالتالي أن تقوم هذه الجريمة نتيجة إهمال يقوم مقام العمد. فلا يكون ركن الخطأ فيها إلا انحرافاً عما يعتبر وفقاً للقانون الجزائي اليمني والمقارن، سلوكاً معقولاً للشخص المعتاد. بل هي جريمة عمدية ابتداءً وانتهاءً.إن الإجماع في الفقه القانوني هو أنه إذا أراد الجاني النتيجة الإجرامية وقصد إليها، موجهاً جهده لتحقيقها، كانت الجريمة عمدية، فإن لم يقصد إلى إحداثها، بأن كان لا يتوقعها، أو ساء تقديره بشأنها، فلم يتحوط لدفعها ليحول دون حدوثها، فإن الجريمة تكون غير عمدية يتولى المشرع دون غيره بيان عناصر الخطأ التي تكونها، وهي عناصر لا يجوز افتراضها أو انتحالها، ولا نسبتها لغير من ارتكبها، ولا اعتباره مسئولاً عن نتائجها إذا انفك اتصالها بالنشاط الصادر عنه(1).الحجة الثانية : إن اعتبار رؤساء التحرير فاعلين أصليين لجريمة عمدية، ومسئولين عن ارتكابها، لا يستقيم مع افتراض القصد الجنائي بشأنها، وإلا كان ذلك تشويهاً لخصائصها.الحجة الثالثة : إن رؤساء التحرير إذا ثبت أنهم قد أذنوا بالنشر فإنهم لا يكونوا قد أتوا عملاً مكوناً لجريمة يكونوا بها فاعلين مع غيرهم، ذلك أن الشخص لا يعتبر فاعلاً للجريمة إلا من خلال تصرفات (فعل - امتناع - ترك) باشرها تتصل بها وتعتبر تنفيذاً لها.لذلك فإن المادة (201) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني التي تنص على أنه :((إذا ارتكبت الجرائم السابقة عن طريق الصحف يكون رؤساء التحرير والناشرون مسئولين كفاعلين أصليين بمجرد النشر ... الخ)).كذلك المادة (108) من قانون الصحافة والمطبوعات والتي تنص على أنه :((يعد رئيس التحرير فاعلاً أصلياً لأي فعل مخالف لهذا القانون يرتكبها الكاتب أو واضع الرسم أو من باشر غير ذلك بأي طريقة من طرق التعبير ما لم يثبت أن النشر تم بغير علمه)).تنطويان على مخالفة جسيمة للشريعة السماوية الغراء والدستور الدائم للجمهورية اليمنية لأنهما تفترضان المسئولية الجنائية لرؤساء التحرير والناشرين عما يتم نشره في الكتب والصحف والمجلات التي يتولون نشرها أو رئاسة تحريرها في حين أن المسئولية الجنائية لا يجوز افتراضها ومن ثم فرضها على من لم يقارف بنفسه النشاط المحظور جنائياً، ومن ثم، لا يكون رئيس التحرير أو الناشر مسئولاً جنائياً عما تم نشره ولا يجوز لذلك معاقبته عليه أو مساءلته جنائياً بسببه إلا إذا أتاه بشخصه وتوافر لديه القصد الجنائي الخاص به ولم يفترض ذلك افتراضاً كما هو الحال في المادتين السالفتين.الحجة الرابعة : نصت المادة (47) من الدستور اليمني على ما يلي : ((... وكل متهم بريء حتى تثبت إدانته)) ويؤكد ذلك أن البراءة هي الأصل في الإنسان الأمر الذي مؤداه الشرعي والقانوني والعقلي والمنطقي هو أن هذا الأصل لا يجوز إثبات عكسه إلا بدلائل قانونية واقعية وقاطعة لا ريب في صحتها ومتوافقة مع الدستور والقانون مما يتحتم معه عدم جواز افتراض المسئولية الجنائية للإنسان وعقابه عما لم يرتكبه هو شخصياً من أفعال أو امتناعات أو تروك مؤثمة جنائياً ولم تثبت مقارفته لها.وهكذا يتضح لنا مخالفة المادة (201) من قانون العقوبات اليمني، كذا المادة (108) من قانون الصحافة والمطبوعات اللتين تفترضان المسئولية الجنائية لرؤساء التحرير والناشرين افتراضاً، للدستور اليمني وافتئاتهما - دون وجه مشروع - على حق ثابت للإنسان ومكفول في كافة الشرائع والأنظمة ونقصد به براءته كأصل وعدم جواز إلغاء هذا الأصل بمجرد افتراض قانوني مجرد لا سند له من الشرع والدستور ولا تسويغ من العقل والمنطق.الحجة الخامسة : نصت المادة (42) من الدستور اليمني على ما يلي :((... وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون)).وهذا يوضح لنا بجلاء أيضاً مخالفة نص المادة (201) من قانون العقوبات اليمني وكذا المادة (108) من قانون الصحافة والمطبوعات لنص الدستور المذكور من الوجوه التالية :الوجه الأول : إهدار حرية الصحافة ودُور النشر المكفولة لها دستورياً باعتبارها إحدى السلطات الفكرية والرقابية على حركة المجتمع والدولة.الوجه الثاني : الاعتداء على حرية الرأي بالمخالفة للمادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي سار الدستور اليمني في هذا المجال على دربه والتي تنص على ما يلي :((لكل إنسان الحق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود سواء أكان في شكل مكتوب أم مطبوع أم في أي قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها)).الوجه الثالث : مصادرة الحقوق الأساسية الاجتماعية والطبيعية لرؤساء التحرير وللناشرين ومن في حكمهم المكفولة دستوراً وذلك بتوقيع العقاب عليهم بسبب جرائم لم يرتكبوها ولم تقع منهم شخصياً وإنما نتيجة افتراض مسئوليتهم الجنائية افتراضاً تعسفياً مخالفاً للشريعة الغراء والدستور اليمني وإعلان حقوق الإنسان العالمي الذي تلتزم بتطبيقه الجمهورية اليمنية كإحدى الدول الموقعة عليها والملزمة، من ثم باحترامه، وإزالة ما يتعارض في قوانينها من نصوص معه.[c1]الأســــاس الرابـــع[/c]إن الإجماع الفقهي والقانوني هو أن الأصل في كل جريمة، أن مسئوليتها لا تكون إلا على من ارتكبها، ومؤدى ذلك هو أن الشخص لا يزر إلا غبار سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن ((شخصية العقوبة)) و ((تناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يعد قانوناً مسئولاً عن ارتكابها)). ومن ثم تفترض شخصية العقوبة - التي أكدها الدستور اليمني بنص المادة (47) منه - شخصية المسئولية الجنائية، ما مؤداه أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة، ولا تفرض عليه عقوبتها، إلا إذا كان فاعلاً لها أو شريكاً فيها. ولئن كان ما تقدم يعبر عن العدالة الجنائية في مفهومها الحق، ويعكس بعض صورها الأكثر تقدماً، إلا أن ذلك ليس غريباً عن العقيدة الإسلامية، بل هي قيمة أساسية فيها، إذ يقول تعالى في محكم آياته : ((قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تفعلون)) صدق الله العظيم. [سورة سبأ، الآية 25].[c1]الأســـاس الخامــــس[/c]من الثابت فقهاً وقضاءً وقانوناً أيضاً أن الأصل في النصوص العقابية أن تصاغ في حدود ضيقة تعريفاً للأفعال والامتناعات والتروك التي جرمها المشرع، وتحديداً لماهيتها، لضمان ألا تكون صياغتها المطاطية أو التجهيل بها، موطناً للإخلال بحقوق كفلها الدستور للمواطنين، وعلى الأخص ما يتعلق منها بحرية عرض الآراء وضمان تدفقها من مصادرها المختلفة، كذلك الحق في تكامل شخصية المواطن في المجتمع، وأن يؤمن كل فرد فيه ضد القبض أو الاعتقال غير المشروع [المادة (48) من الدستور]. ولئن جاز القول بأن تقدير العقوبة، وتقرير أحوال فرضها مما يندرج تحت عبء السلطة التقديرية للمشرع في مجال تنظيم الحقوق، إلا أن هذه السلطة مقيدة بقواعد الدستور.[c1]طبيعة مسؤولية رؤساء التحرير :[/c]إن مسئولية رؤساء تحرير الصحف والمجلات هي، في رأينا، مسئولية مدنية تقوم أساساً على المادة رقم (304) من القانون المدني التي تنص على ما يلي :((كل فعل أو ترك غير مشروع سواء كان ناشئاً عن عمد أم شبه عمد أو خطأ إذا سبب للغير ضرراً يلزم من ارتكبه بتعويض الغير عن الضرر الذي أصابه)).ولذلك فالإجماع الفقهي منعقد على أن تجريم الأعمال المتصلة بالمهام التي تقوم الصحافة عليها يثير الشبهة حول دستوريتها، ويستنهض ولاية القضاء في رقابة المواد الجزائية التي تفصل على هداها فيها، للبت فيما إذا كان النشاط المؤثم قانوناً في نطاق جرائم النشر، ينال من الدائرة التي لا تتنفس حرية التعبير إلا من خلالها، فلا يكون إلا محدداً لها، متضمناً عدواناً عليها، أم يعتبر مجرد تنظيم لتداول هذه الآراء بما يحول دون إضرارها بمصلحة حيوية لها اعتبارها.[c1]وقف القضية والإحالة :[/c]إن التزام المحكمة بوقف القضية أو رفضها لعدم دستورية النص القانوني الذي يحكمها مرجعه المادة (186/7) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني اليمني رقم (14) لسنة 2002م والتي تقضي بأنه :((تعتبر من النظام العام الدفوع التالية : ... 7- الدفع بعدم دستورية القانون وفي هذه الحالة إذا رأت المحكمة أن الدفع قائم على أساس أوقفت نظر الخصومة ورفعت الأوراق المتعلقة بالدفع إلى الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا خلال ثلاثين يوماً من تاريخ قرارها بوقف نظر الخصومة وعلى الدائرة الدستورية الفصل فيه خلال مدة أقصاها سبعون يوماً تبدأ من تاريخ وصول الأوراق إلى المحكمة العليا.)).ومؤدى ذلك هو أن على المحاكم اليمنية التي تنظر في قضايا أو جرائم يتم الدفع فيها بعدم الدستورية الخاصة بها أو بعضها على شبهة مخالفة الدستور أو توافرت لدى المحكمة القناعة ولو بوجود شبهة مخالفة الدستور أن تحكم بوقف السير في الدعوى الجزائية وإحالتها مع بيان الأسباب والحيثيات التي أوردنا إلى الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا للبت في دستوريتها وينطبق هذا على المادتين المذكورتين في قانون العقوبات وقانون الصحافة. بل ويتحتم على المحامين عن رؤساء تحرير الصحف والمجلات والناشرين المتهمين أمام المحاكم الدفع بعد دستورية المادتين المذكورتين وطلب الإحالة كما أسلفنا ثم أنه على ضوء حكم الدائرة الدستورية يقرر السير في الدعوى الجزائية من عدمه كما أنه يتقرر - أيضاً - على ضوء ذلك صحة الحكم الصادر بناءً على المادتين المطعون بعدم دستوريتهما من عدمه.[c1]هوامش: [/c]1- وعلى سبيل المثال حكم المحكمة الدستورية العليا في جمهورية مصر العربية الصادر بتاريخ 1/2/1997م.2- حكم المحكمة الدستورية العليا المؤرخ 1/2/1997م - جمهورية مصر العربية والتي ألغت فيه النص القانوني الذي كان يتضمن مساءلة رئيس التحرير كفاعل أصلي افتراضاً. بينما نجد أن النص الذي ألغاه المشرع المصري لا زال المشرع اليمني الذي نقله عن المشرع المصري متمسكاً به خلافاً للدستور.3- حكم المحكمة الدستورية العليا - الحكم الصادر بتاريخ 1/2/1997م، جمهورية مصر العربية.4- وأحكام المحاكم العليا في اليمن والقضاء المقارن متواترة في هذا الصدد. أستاذ علوم قانونية - جامعة صنعاءالمحامي لدى المحكمة العلياwww.dr.hasan-megalli.com.ye[email protected]