فريد الصحبي..من يصدق ان الشارع الذي اسكنه في قلب مدينة عدن التاريخية -طوله يكاد لا يبلغ أربعمائة متر- يوجد فيه خمسة مساجد.. بيتي يقع في مواجهة أحدها وفي مرمى قذائف ميكروفوناته الاربعة الرهيبة.. من النجمة كما يقولون أي من قبل ان تشرق الشمس وعلى مدى النهار كله وحتى ساعة متأخرة من الليل لا تكف هذه الميكروفونات ومعها بقية ميكروفونات المساجد الاخرى (عشرون ميكروفونا) عن ملء الشارع بالزعيق والصخب والضجيج واختراق جدران المنازل وحاجز الصوت وحاجز الضوء وتعريض الأهالي وسكان الشارع الآمنين داخل بيوتهم للفزع والقلق والاضطراب وبما يذكرنا بيوم القيامة .. يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه!.إن هذه الظاهرة ليست في شارعنا فحسب.. وليست في مدينتنا عدن فحسب.. بل وليست في يمننا فحسب.. وانما هي ظاهرة موجودة في كل بلاد العرب والمسلمين.. ظاهرة اسلامية معاصرة تتميز بامتهانها الشديد للانسان.. ليس الانسان الكافر أو الفاسق أو العاصي.. كما قد يتبادر الى الاذهان.. ولكنه الانسان المسلم الصحيح!.في كل الوطن العربي الشكوى واحدة.. وبكل تفاصيلها الدقيقة.. انها ميكروفونات المساجد الصاخبة التي تخترق جدران المنازل فتزعج المريض الذي لم تكد عيناه تغفو من شدة الألم.. وتشوش على المتعبد الذي يمنعه عذر شرعي عن المسجد .. وتقض مضجع طفل رضيع او صبي صغير لم يبلغ بعد سن التكليف!.ومع ان ميكروفون المسجد ما كان أصلا إلا للاعلان عن حلول موعد ووقت الصلاة.. أي للأذان فقط.. الا انه بقدرة قادر ونتيجة لانفلات الأمور اصبح ميكروفون المسجد (بتاع كله).. فهو اليوم يستخدم لاقامة الموالد الزاعقة والقاء الخطب النارية.. نسمعها في أي وقت.. مناسب او غير مناسب حتى في منتصف الليل.. أي والله في منتصف الليل.. (مش معقول).. بل معقول في زمن لم يعد فيه بيننا راشد.. ولا مسكة من عقل.. وإليكم آخر بدعة او لنقل موضة أو تقليعة تفتق عنها ذهن بعض أئمة المساجد وهي عقد القران والزواج عبر ميكروفون المسجد الداخلي والخارجي.. هذا مع بالغ تقديري واحترامي لمكتب أوقاف عدن!.وياليت ازعاج الميكروفون كان قاصرا على الاذان فقط.. إذاً لكانت المسألة فيها نظر.. ولكن الأمر يتعدى الأذان الى إعلان اقامة الصلاة ثم أداء الصلاة نفسها بالسجود والركوع كاملة حتى التسليم خصوصا الجهرية.. مع ان الاقامة لا تخص الا الموجودين في المسجد.. كما ان الامام لا يؤم الا الذين انتظموا في الصفوف خلفه.. وليس الناس (الماشين) في الشارع او الجالسين داخل بيوتهم.. ولكنها ياسادة الانانية والغرور وحب الظهور ولو على حساب الآخرين والاضرار بالناس.. وما ذلك الا من اعراض التخلف والعقد النفسية ومركبات النقص!.فيا أيها الناس اننا لا نقترب من الله بمعاداة خلقه.. بل نفقد كل شيء بمعاداة الآخرين.. ونكسب كل شيء حين نكسبهم.. فلماذا نهدر قيمة الانسان المسلم وقيمة المسجد ومكانته؟.فاذا كانت هذه القيم الانسانية والدينية قد تراجعت في حياتنا في العقود الأخيرة.. وظهر فيها من يحاولون تحقيق مآرب وأهداف خاصة واتخاذ الدين مطية يخدعون به الناس.. فعلى القانون أن يتصدى لهؤلاء وأن يحمي الناس منهم.. ويمنعهم من الاساءة للاسلام وتشويه صورته في الداخل والخارج.. كما على الناس ان يكسروا حاجز الخوف بالتصريح عما يلحق بهم من ضرر وعدوان على حياتهم الخاصة.. ورحم الله فقهاء زمان الذين أثموا قارئ القرآن الكريم اذا ترتب على قراءته مجرد ايقاظ نائم!.ومع ذلك نعلم اننا لن نعدم من يرد علينا وبعنف مذكراً إيانا بكافة أنواع الضجيج الذي يملأ الشارع ويصدر من المحال العامة والباعة المتجولين وغيرهم.. كذلك سنجد من يتهكم علينا مذكرا بأصوات محلات الاستيريو والاغاني والموسيقى ومواقع الافراح والاعراس والمقاهي واماكن اللهو.. مشيرا الى اننا لا ننزعج الا من الاصوات التي تصدر من ميكروفونات المسجد!.هكذا ينتهي الامر بهؤلاء الى افتقاد الذوق والأدب والاحترام للمسجد وذلك عندما يعقدون مقارنة بين المسجد ومحال الاستيريو والمقاهي واماكن اللهو والغناء والموسيقى والفرح والاعراس.. ان ذلك لا يعبر عن انتهاك لحقوق الانسان المسلم فقط وانما يعبر ايضا عن الاساءة لمكانة المسجد وسوء فهم لرسالته وتشويه لصورته باعتباره بيت الله الذي لا يجوز ان يصدر عنه الا ما هو سلوك شرعي صحيح وسليم.. بصرف النظر عن أي سلوكيات تصدر من أماكن أخرى!.
الإعدام بالصوت
أخبار متعلقة