لمؤلفه الدكتور / حسن علي مجليبسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه وسلم ..أما بعد ..لا شك أن الوقف في اليمن يلعب دوراً فعالاً منذ القدم في تحيق النفع العام والخاص كما أنه تعبير عن إخلاص أصحاب النفوس المؤمنة فما دفعهم للقيام بتخصيص جزء من أموالهم وجعلها وقفاً سواء على هيئة نقود أم مباني سكنية أو قطعة من الأرض مخصصة لدفن الموتى مثلاً ... الخ، يقصد ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، وما زال يوجد حت الآن عدد من الواقفين الأفاضل ولكن ليسوا بالكثرة التي وجدوا بها في الماضي، ولقد قرأت كتباً عديدة في هذا المجال إلا أنني لم أجد كتاباً أفضل عن الأوقاف في اليمن مما كتبه الأستاذ الدكتور / حسن علي مجلي أحد أساتذة القانون بجامعة صنعاء.لقد خصص المؤلف هذا الكتب للحديث عن الأوقاف في اليمن على مر الزمان، كما احتوى هذا المؤلف أيضاً على عدد كبير من الشواهد التاريخية كما تضمن عدد كبير من القضايا والمبادئ والقواعد والسوابق الشرعية والقانونية القضائية والعرفية والإدارية، كذلك ضمن المؤلف كتابه وقفيات تعود أعمارها إلى مانمائة عام مضت.وقد أثر ذلك فينا نحن القراء أيما تأثير كان من ثمرته هذه الكلمة عن الكتاب.أفادنا الله دائماً بعلم مؤلفه وجزاه الله خيراً عن الوقف ..وسوف نقوم فيما يلي بقراءة تحليلية موجزة للكتاب المذكور.عرض / أيمــن علي حسين [c1]تعريـــف الوقـــف[/c]الوقف لة : هو الحبس والمنع. وفي الفقه : هو حبس مال مخصوص على وجه مخصوص. ورقبة الوقف النافذ وفروعه ملك لله تعالى.وفي رأينا أن أشمل وأدق تعريف للوقف هو أنه: ((حبس (عين) مال، يمكن الانتفاع به، وقطع التصرف في رقبته التي يدوم الانتفاع بها، وصرف المنفعة لإحدى جهات الير وعلى وجه من وجوهه بقصد التقرب إلى الله سبحانه وتعالى.ومن أهم الأموال الموقوفة في اليمن ما يسمى بـ ((الصفايا)) وهي تختلف عن ((الصوافي)).[c1]أنــــواع الوقــــف[/c]الوقف نوعان : عام و خاص أو ما يطلق الفقهاء عليهما خيري عام و أهلي ذُرِّي. والوقف العام هو ما كن على مصلحة عامة مطلقا، أما الذري فما كان على نفس الواقف أثناء حياته أو على ذريته أو أقربائه.وأنواع الوقف في اليمن من حيث طبيعته هو كذلك (عام وخاص). والخاص هو ما كان على جماعة معينة أو مصالح خاصة بها كما هو الحال في وقف جماعة البهرة في اليمن ومساجدهم وجمياتهم ومقابرهم .. الخ فهو وقف خاص وليس عاماًويتعدد الوقف من حيث مصارفه (سبل التصرف في منافعه) إلى عدة أنواع لا مجال هنا لذكرها وأهمها كالتالي :[c1]أولاً : الوقـــف الـــذري والفرحة بولادة الأنثى:[/c]ومن سمات الوقف الذري في اليمن تخصيص سهمين للأنثى بينما لا يحـل الذكر إلا على سهم واحد. وعلة ذلك أن ذرية الأنثى تفقد إرثها بسبب زواجها خارج الأسرة التي أوقف الواقف أمواله أو أوصى بها لذريته فيها فلا يصير أولاد ابنته وارثين له حتى يرثوا نصيب أمهم فيما أوقفه جدهم لها.كما أن الوقف يكون محصورا زمنياً في حياة الموقوف، الذكر له سهم أثناء حياته ولكل فرد من أولاده بينما للأنثى سهمين حسب عددهم، وعندما يكبر الذكر ويتزوج يكون سهمه قائماً هو وذريته الأحياء فقط، وعندما تتزوج الأنثى فليس لها سوى السهمين المحددين لها. ومن هنا كانت سر الفرحة بولادة الإناث في الأسر التي هيمن عليهانظام الوقف المذكور.[c1]ثانياً : وصايــــا الأئمــــة :[/c]كان عندما يوصي (الإمام) الحاكم في اليمن بباقي ثلث تركته تكون الوصية للضعفاء من ذريته ومن تولى الإمامة يسقط حقه في الثلث لأنها وصية للضعيف فقط، والإمام الابن ليس ضعيفاً وإلا لما تولى الإمامة، ثم يقوم هذابتحرير وصية مماثلة، ومن تولى الإمامة من أولاده سقط بدوره من الوصية وهكذا تستمر السلسلة.ومن الوقفيات الشهيرة بهذا الخصوص وقفية الإمام المتوكل قاسم بن الحسين وابنه المنصور قاسم بن حسين وابن هذا المهدي عبد الله.بل لقد تفننت الملكة "أروى بنت أحمد" في هذا الجال، حتى أنها خصصت للثور الفحل وقفاً، وللدلاء وقفاً، وللعاملين وقفاً. وهكذا.ومن الملاحظ أن الأوقاف في اليمن كانت ولا زالت تتركز في بعض الجهات التي عرفت واشتهرت بوجود العلماء وكثرة دور العلم الإسلامية والجوامع الكبيرة، وفي المدن التي كانت عواصم للدويلات اإسلامية التي نشأت في ظل الخلافة الإسلامية، كصنعاء، وعدن وحضرموت، وزبيد، وإب، وتعز، ولحج، وذمار، وصعدة. ففي هذه الجهات توجد أنواع كثيرة من الوقف شملت كثيراً من جوانب الحياة، ومتطلباتها.[c1]نظــــام الوقــــف[/c]إن من أعظم ما في نظام الوقف، أنه يُمَكّن من قيام عاقات اجتماعية اشتراكية إسلامية دون حاجة_للجوء إلى مصادرة أموال الأغنياء، فالمسلم، عندما يوقف، فإنه يضحي بماله أو جزء منه طواعية دون إجبار وليس كما هو الحال في النظم الاشتراكية الأخرى التي تلجأ إلى مصادرة الأموال أو تأميمها لإعادة توزيع الدخل في المجتمع.[c1]مـــرآة الوقـــف[/c]إن طبيعة أساليب تعامل المواطنين أو الدولة مع الأوقاف، في فترة تاريخية معينة، تبين خساسة العهد أو عظمته، كما توضح بجلاء ما إذا كانت شهوة التملك غير المشروع والفوضى هي المسيطرة أم لا، كما تبين نوعية القيم الأخلاقية السائدة، ودرجه تمسك الناس لصادق بالدين والقيم الروحية الرفيعة، ومدى مقاومة الشعب للغزاة والمحتلين والمستعمرين ودفاعه عن كيانه الاجتماعي وقيمه الإسلامية العظيمة والراسخة في أعماق النفس والتاريخ، ونوعية القيم والمعايير والأدوات الضابطة لحركة المجتمع وتصرفات أناسه، ومقدار خشية المواطين من الخالق سبحانه وتعالى والخوف من الحساب في الآخرة، ومدى تأثير القيم الدينية والوازع الأخلاقي والضوابط الشرعية والقانونية في التعامل مع الوقف وتجنب انتهاك قداسته كَمِلْكٍ خالص للمولى جل شأنه ..وكان نظار الأوقاف يأكلون ريعها بالحرام، ولا يصرفون منه إلىجهة الاستحقاق إلا اليسير. وفي مطلع القرن الحالي استخدم الملاك نظام الوقف كوسيلة لحرمان بعض الورثة من أنصبائهم الشرعية، بالوقف على بعض الذرية دون البعض الآخر، فيندفع الأبناء المحظوظون إلى الإسراف والتبذير، بينما أخوتهم المحرومون يعانون من التقتير. كل ذلك بلإضافة إلى تغول النظار واغترافهم من هذا المال المباح الذي يصير، نتيجة ذلك، نهباً للناهبين.ولقد كان الشائع في المناطق القبلية باليمن هو عدم توريث النساء، فكان البعض يتهرب من أحكام الميراث الشرعية بوقف بعض أمواله وإسناد الولاية عليها إلى الذكور دون الإناث،أو جعل مصارفها لهم، وقد قلد أولئك بعض النساء أيامنا وطاوعهن في مخالفتهن للشريعة بعض الأمناء الفاسدين، فحرروا وقفيات غريبة على الشرع والقانون والعادات والأعراف الحميدة، حيث أوقفت بعض النساء أفضل أموالهن حيلة على أحكام الميراث الشرعية فجعلت المال الموقوف رقة ومنفعة لصالح الإناث من الورثة دون الذكور، تحت حجج باطلة ومبررات وهمية. وقد أبطل القضاء اليمني مثل هذه الوقفيات ولكنها أحدثت مشاكل عديدة وتسببت في تفكك العائلات وانهيارها وتمرد بعض البنات وشيوع الفوضى والبهتان.ولعل السبب في موقف كثير من الفقهاء اليمنيينالقدامى من الحيل الوقفية أنهم كانوا ينحون نحو تغليب_الطابع الاجتماعي للوقف وصيانة حقوق العباد، حتى لو اتخذ السعي لإنكارها واجهة دينية كالوقف._ولذلك لا يرون المنافاة بين نية القربة ونية الفرار من حقوق الدائنين ونحوهم. وبعض الأئمة المتقدمين أنه لا يصح وقف م كان ماله مستغرقاً بالمظالم كالظّلَمة وأجنادهم وأهل الربا، لعدم إطلاق التصرف في أموالهم وضربوا مثلاً لهذه بشخص يصلي وصبي يغرق، فان فعل المصلي للطاعة يفوت به واجب عليه فكانت الطاعة في هذه الحالة معصية(1).[c1]في الفقه الشرعي اليمني[/c]من الأحكام الشرعية للوقف ((لنموذج اليمني))، وفقاً للمختار من المذاهب الشرعية السائدة في اليمن، أنه لا يصح الوقف على الفُسّاق أو منهم، لأنه لا يمكن التقرب إلى الله، بهم كون الفاسق خارج من ولاية الله إلى عداوته(2)، كذلك لا وقف على الأولياء وليالي الزار والموالد وغيرها، مما يعتبر، حسبالراجح في الفقه الشرعي اليمني بدعاً مخالفة للدين يجب محاربتها(3).وقد أخذ قانون الوقف الشرعي اليمني برأي هذا الاتجاه فيما يخص عدم تأبيد الوقف الأهلي_فنص في المواد (46-47-48) على جواز نقض الوقف الأهلي بحكم قضائي أو رضاء أهل مصرف_الوقف ... الخ ، وفيما يلي ن المادة (47) من المواد المذكورة وهي الأوضح بياناً للمراد :((إذا حكمت المحكمة بنقض الوقف الأهلي القديم طبقاً لما هو مبين بالمادة السابقة تؤول ملكية أعيان الوقف للموقوف عليهم كل بقدر استحقاقه الحالي، ومن مات من طبقة المستحقين الحاليين وله ورثه عند وفاته فيل ورثته وورثة من مات منهم محله بقدر استحقاقه لو كان حياً كل بقدر نصيبه في الميراث)).وأنظر أيضاً:* قرار دائرة الأحوال الشخصية (أ) برقم 1433 الصادر بتاريخ 25 من رجب سنة 1420هـ الموافق 3/11/1999م .[c1]الوقفيات (حجج الوقف)[/c]تتضمن حجج الوقف أو الوقفيات في اليم، عادة، كافة المسائل المتعلقة بالوقف، من حيث نوعه وإدارته وماله وتوزيع منافعه وشروط الواقف مجتمعة، بشكل نصوص واجبة الاتباع والاحترام. وتعتبر الوقفيات بمثابة قانون يحرم انتهاك نصوصه شريطة خلوها من كل ما يهدر المصالح الشرعية أو يخالف مقصداً شرعياً. وإذا كانالإجماع هو لزوم التقيد بما هو معتبر شرعاً فإن من الاعتبارات الشرعية الشهيرة بهذا الصدد إرادة الواقف التي ينص الشارع على لزوم احترامها، ووجوب العمل بما عبرت عنه في حدود الشرع والقانون.وتتحدد معاني الوقفيات، رغم اختلاف صيغها، حسب الزمان والمكان، أما جوهرهافيتلخص دائما في أن الواقف يتقرب إلى الله تعالى بما أوقفه ومنع التصرف في رقبته كي يدوم الانتفاع بها، فلا يجوز، بعد صيرورتها ملكاً لله تعالى، أن ترهن أو تباع أو تورث أو توهب أو يجري عليها أي تصرف ناقل لملكيتها أو مؤثر عليها .. أما غلتها أو ((جزيتها)) حسب اتعبير الشائع في بعض المراحل التاريخية باليمن، فتصرف على وجوه الخير المختلفة ، طبقاً لإرادة الواقف حسب ما تضمنته حجة الوقف.* ومن الأحكام الحديثة الصادرة عن المحكمة العليا للنقض والإقرار ، الدائرة الشخصية بشأن احترام إرادة الواقف وعلى رأسها ثبات من عَيَّنهمشرفاً على الوقف الحكم الصادر عن دائرة الأحوال الشخصية (أ) رقم 351/1420هـ وتأريخ 19 جمادى الآخرة سنة 1420 هـ الموافق 29/9/1999م.[c1]من تاريخ الوقف[/c]يؤكد المختصون أنه لم يكن يشترط لجواز الوقف تسجيله لدى السلطات الرسمية وإخطارها به، كذا لم تكن الأوقاف في بدايةالأمر تُسجل لدى سلطات الدولة.[c1]تراث ((الوقف)) الفقهي في اليمن[/c]من الغريب أنه رغم كثرة الوقفيات واتساع نطاق الوقف في اليمن وضخامة مؤسسته، فإنه لا يوجد فيه تراث فقهي كبير خاص بالوقف، وإنما تضمنته كتب الفقه الأساسية كباب من أبوابها وعلى الأخص مؤلفات أئمة وفقهء اليمن الأوائل ومنها ما يلي :(1) (شرح الأزهار) للإمام أحمد بن يحيى المرتضى المتوفى سنة 840هـ.(2) (السيل الجرار) المتدفق على حدائق الأزهار للإمام محمد بن علي الشوكاني.(3) (ضوء النهار المشرق على صفحات الأزهار ) للأمام الحسن بن أحمد الجلال.[c1]الشخصية المعوية للوقف [/c]من أهم المسائل الداعية للفخر بالفقه الشرعي اليمني القديم، أنه في ميدان بحثه وتأصيله أحكام الوقف، اكتشف ما يسمى في الفقه القانوني الحديث (الشخصية المعنوية)(1).ولقد أدرك الفقه اليمني، منذ القدم، أن الوقف شخص معنوي يتمتع بشخصية اعتبارية وذلك قبل ئات السنين من ظهور هذا المصطلح القانوني إلى حيز الوجود. وليس أدل على ذلك من أنهم جعلوا للوقف قاضياً خاصاً به. وكان الوقف ولا زال له حق التقاضي، بحيث يقضى له وعليه.ومؤدى تمتع الوقف بالشخصية المعنوية فور انعقاده، هو أن تصير له ذمة مالية قائمة بذاتها تظل حي ولو مات الواقف، ومستمرة وإن تبدلت المنفعة، ودائمة ولو أصاب الفناء الموقوف له أو عليه، أو انقرض من له الولاية عليه(2).ولعل من أهم آثار الاعتراف للوقف في اليمن بالشخصية الاعتبارية الشرعية والقانونية المستقلة، هو الحيلولة، إلى عهد قريب، بين الحاكمين ومحاولتهم دمج الأوقاف مع (بيت المال) الذي كان في كثير من البلدان مختلطاً بأموال الحاكمين الخاصة وخاصة من اشتهر منهم بالظلم والفساد.ولقد وضعت الدولة في اليمن بعد ثورة سبتمبر الوقف تحت هيمنتها المركزية مباشرة وصار مصدراً من مصادر الدخل فيها، وإن تم ذلك بصورة غي مباشرة وعبر تحولات متنوعة لصالح الوقف تارة وضده أحياناً.ولا يخفى على لبيب أن بعض الدول قد عملت على إضعاف الشخصية المعنوية المستقلة للوقف وتغيير نظامه الموروث وخاصة الأهلي منه، لذلك فإننا لم نلحظ في العقود الأخيرة من القرن العشرين الذي آذن بالمغيب، أي ازهار لدور الوقف في مجالات التعليم العالي أو العادي أو الرعاية الاجتماعية أو حتى الجمعيات الخيرية، ناهيك عن ميدان الصحة الحيوي.وبالرغم من كل ذلك فإنه، وتحت تأثير الشخصية المعنوية للوقف، وباسمها، فقد حال عدد من رجال الفقه والقضاء بل ورأس السلطة الحاكمة في مظم الدول المتعاقبة على اليمن، وفي كثير من الأحيان، دون الاستيلاء على أموال الوقف العقارية والمنقولة (أراضي زراعية - أراضي بناء - مباني - نقود مودعة في البنوك).[c1] ولايــة الوقــف في اليمن[/c][c1]الأشراف على تصرفات المسئولين عن الوقف[/c]المعلوم شرعاً وفقهاً أن الولاي العامة على الأوقاف هي من اختصاص القضاء العادي دون سواه(1). فليس للسلطة التنفيذية ولاية على الوقف إلا تنفيذ إرادة الواقف. أما تعديل محتوى حجة الوقف ((الوقفية)) مثلاً وشروط الوقف واستبدال أعيان الوقف ومصارفه وفقاً للضرورة وإبطال ما خرج من شروط الواقف عن حود الشرع والقانون(2) فهو من اختصاص القضاء وحده.ولقد كانت الولاية على الوقف في اليمن هي، حسب الوقفيات التي بين أيدينا، للواقف نفسه، ثم لذريته ثم للحاكم (القاضي) فقط، وليس لجهات الدولة الأخرى ثمة سلطة عليه. لذلك كان هنا من يسمى بـ (قاضي الوقف) وكانت له ولية الفصل في كافة النـزاعات الخاصة بالأوقاف في علاقته بالغير.وأحكام القضاء اليمني وكتب الفقه متواترة في السير على ذات النَّهْج. أنظر على سبيل المثال:* قرار دائرة الأحوال الشخصية (أ) رقم 251/1420هـ الصادر بتاريخ 19 جمادى الآخرة سنة 142هـ الموافق 29/9/1999.* ((شرح الأزهار))، م.س، ص (493 _ 498 ).[c1]الوقف في اليمن القديم[/c]بدأ الإنسان يتصدق بشيء من ماله طلباً لرضا معبوده وتقرباً إليه منذ فجر التاريخ.ومن ضمن ما كان يتصدق به الإنسان _ كما يذكر التاريخ _ أموال عينية كالأراضي، كان يوقفها أصحابها على معابدهم لتستفد من ريعها، وربما كان هذا النوع من الصدقات على المعابد هو أول نوع من الأوقاف عرفته البشرية منذ عرفت المعابد. كما أن البعض(3)، كقدماء المصريين والجرمانيين(4)، كانوا يوقفون بعض أموالهم العينية على ذرياتهم أو على أسر معينة لينتفعوا من هذه الأموال، من غير أن متلكوا أصولها، وتمثل أوقاف سيدنا إبراهيم عليه السلام في مكة المكرمة أقدم أوقاف لا تزال باقية ومعروفة حتى يومنا هذا(5).[c1]الواقفون عبر التاريخ[/c][c1]((نماذج ودوافع)) [/c][c1]نمـــاذج نسائيـــة[/c]هناك نماذج نسائية فريدة من الواقفات في الماضي، تجمعت، في لحظة اتخاذ قرار وق أموالهم، كافة العوامل والبواعث العامة والشخصية والخاصة.وعلى سبيل المثال :فقد أوقفت (فاطمة الزهراء) رضي الله عنها على فقراء بني هاشم.ومن مشاهير الواقفات في اليمن نساء أوقفن، أسوة بالزهراء ، للفقراء من أهلهن والمحتاجين أموالا طائلة أفادتهم كثيراً بعد زول مُلكهم.والملكة (أروى بنت أحمد) إحدى هذه النماذج الفريدة. فلقد أوقفت في فترات مختلفة، مساحات كبيرة من أملاكها الخاصة وممتلكات الدولة العامة ، وخاصة عندما آذن مُلْك الصليحيين بالغروب، فكان قرار الوقف، أحياناً، سياسياً لكي تحول، ربما، دون استيلاء الحكام لجدد على تلك الممتلكات، فيكون الوقف وسيله لحرمانهم من الاستفادة منها لتوطيد حكمهم.كما أنها، فيما أوقفته من مساحات زراعية، قد توخت النهوض الاقتصادي لمملكتها. كل ذلك وما يلي آثرنا تناوله باقتضاب لتخلف لوازم التوسع فيه.ولا شك أن الباعث الديني والأخلاقي قدلعب أيضاً دوراً أساسياً في قرارات الملكة المذكورة فيما أوقفته من أراضي، وما حددته في وقفياتها من أسْبِله ومصارف كالمساجد ودور العلم.[c1]الأوقاف والاحتلال الأجنبي[/c]شكل نظام الوقف وسيلة هامة لمقاومة الاحتلال الأجنبي التركي والبريطاني ودعم حركات التحرر، وكانت امساجد تستخدم للتحريض وتوعيه أبناء الشعب اليمني وإِحياء روح المقاومة والدفاع عن الوطن ومُقَدَّراته ... الخ.وقد نظم الإنجليز في عدن الوقف وحددوا أحكامه في قانون أسموه (قانون الوقف المحمدي) * ، نسبة إلى الرسول الأعظم محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه ولى آله، وقد صدر القانون المذكور أولاً في 17 أبريل عام 1939م برقم (5) ثم تم تعديله برقم (32) لعام 1945م وتم نشره في مجموعة ((قوانين عدن)) [ Laws of Aden ] التي صدرت في خمسة مجلدات عام 1955م (باللغة الإنجليزية).وفي ((حضرموت)) نظمت، بواسطة أحد الفقهاء لسُّلطة الحاكمة آنذاك (السلطنة القعيطية)، مسائل الوقف في كتاب حوى الاختيارات الفقهية التي يلزم سير المحاكم على هديها.وفي عهد الأتراك، حينما أعلن قانون (نامة) التركي في اليمن كذا الأنظمة القانونية التركية بفعل الاحتلال العثماني لها، قام العديد من الناس تح تأثير الوازع الديني والعامل السياسي بإخراج أجزاء كبيرة من أموالهم وجعلها وقفاً، وذلك لإبعادها عن طائلة القانون والنظام التركي، وجعلها، بوقفها، خاضعة لأحكام الشريعة الغراء فيما يخص الوقف. ثم أنه بعد صلح ((دعان)) عام 1911م ، صارت الأوقاف من اختصاص الإمام وير خاضعة للاحتلال العثماني فيما يتعلق بحالها ومآلها.وقد صدر من (شيخ الإسلام) حكم هام خاص بهذه الوقفية، أكد فيه مصدره ملكية الأوقاف، وفنّد مزاعم المعارضين له من واضعي اليد على أطيانه الذين استجابوا للحكم وقنعوا به وهو حكم نادر في الشكل والمضمون.ومن الجدر بالملاحظة أننا عند الاطلاع على الكثير من حجج الوقف الخيري والأهلي في اليمن القديم والحديث، لم نجد فيها ما هو مدون في غيرها من حجج الوقف في البلاد الإسلامية، والتي تزين صدورها بعبارة مفادها أن توزيع غلة الوقف يشرع فيه بـ ((البداءات))، ويقصد بذلك أداء الضائب والأموال المستحقة على الأوقاف للدولة من غلة الوقف قبل توزيع عوائدها على المصارف المحددة لها في الوقفية.[c1]دور الوقف الاقتصادي والاجتماعي[/c][c1]الوقـــف والاستثمـــار[/c]يشكل كثير من أفراد الجهاز البيروقراطي المهيمن على الأوقاف في اليمن عقبة أمام تطوره وازدهاه، كما أن تفشي مظاهر الفوضى والفساد يشكل عاملاً مثبطاً لهمم الناس في وقف أموالهم، بدليل أنه ومنذ عقود من الزمان لم توقف سوى أموال قليلة، إذ أن من أوقف من أمواله شيئاً منذ فترة طويلة، لا يكاد يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ولأسباب بعضها احتيالي بحت.إن السط الواسع النطاق الرسمي والشعبي على أموال الواقفين هو دليل ساطع على أن الناس قد وقعوا أسرى شهوة التملك على نحو لم يسبق له مثيل في التاريخ، في الوقت الذي لا يوجد من الإجراءات الرسمية ما يحرر نفوس الطامعين من هذه الشهوة الخبيثة المتأصلة بل أن ضعف الدولة وعدم يادة القانون والامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية يغري أولئك بالإمعان في نهب أموال الوقف بشتى السبل وإنكار حقوقه، ومن ذلك تحويل مصارف الأوقاف إلى غنيمة لموظفي وزارة الأوقاف وحرمان الموقوف عليهم منها دون خشيةٍ من الله سبحانه وتعالى أو خوف من المساءلة الدنيية أو العقاب الأخروي.[c1]الخاتمــــة :[/c]وهكذا لم يعد هناك من يوقف من أمواله شيئاً، إلا فيما ندر. ولعل ذلك، كما أسلفنا، بسبب ضعف الوازع الديني إضافة إلى استشعار الواقف الخطر على ماله لو أوقفه من أن يستولي عليه غيره بعد موته ويصرف ريع الوقف في وجوه أخرى مناية لإرادة الواقف مع حرمان ذريته منه. ولعل من أسباب ذلك أيضاً سقوط التكوين الديني العقائدي الصادق تحت سنابك المماليك الجدد، وحوافر الاتجاه النفعي الانتهازي البراجماتي المتميز بالجهل والشراسة.بل أن الإجماع هو أن بعض رؤساء الجمهورية ومنهم الرئيس علي عبداللهصالح رئيس مجلس القضاء الأعلى، قد أظهر ولا زال، ومعه عدد ضئيل من كبار المسئولين، حرصاً كبيراً على أموال الأوقاف في هذا الخضم الهائل والبحر المتلاطم من صراع المصالح الوحشي في المجتمع اليمني وعدم سيادة القانون .وأخيراً فقد احتوى الكتاب على عدد كبير من أحكامالمحكمة العليا للنقض والإقرار اليمنية فضلاً عن أحكام قضائية يمنية حتى ثمانمائة عام في تاريخ اليمن وعدد كبير من الوقفيات - قديمة وحديثة - وعلى عدد كبير من القضايا التي واجهتها ولا زالت الوزارة والتي كان الأستاذ الدكتور الباحث محامي وزارة الأوقاف والإرشاد فيها.[c1]ملاحق:[/c]- وقد ورد في كتب الفقه الشرعية اليمنية ما يلي : ((والوقــف الثابت بحكم قضائي سابق لا ينقض أبــداً )) انظر أيضا : ((شرح الأزهار)) م.س.، ص (504).- "An ordinance to make provision for and Mohamedan wakf, matters relating thereto Ch. 58 _P. 1779.نجد أن الوقف يمكن أن يؤدي دوراً هاماً في رفع عبء المعاناة عن الفئات الكادحة الفقيرة والمتوسطة في المجتمع، وذلك عن طريق المشاريع الإنمائية والخدماتية الخيرية المتنوعة.على أنه ليس من نافلة القول أن متولي الأوقاف وهي، بحسب القانون في اليمن (وزارة الأوقاف) كانت إلى عهد قريب، تتميز بالضعف وعدم القدرة على أداء المهام المناطة بها لأسباب خارجه عن إرادتها، ومن أهمها الفساد الذي يؤدي، في كثير من الأحيان إلى التواطؤ ضد ملكية الأوقاف وتسهيل تحويلها إلى ملكيات خاصة.- قرار دائرة الأحوال الشخصية رقم 47 الصادر بتاريخ 3 شعبان سنة 1421هـ الموافق 11/11/1999م.- قرار دائرة الأحوال الشخصية (أ) رقم 360/1420هـ الصادر بتاريخ 27 جمادى الآخرة 1420هـ 7/10/1999م.- الوقف الشرعي. 1- وتسمى بالفرنسية [Personne Morale] . 2- انظر : حكم المحكمة العليا للنقض والإقرار اليمنية _ الدائرة الشخصية رقم (351) لسنة 1420هـ الصادر بتاريخ جمادى الآخر سنة 1420هـ _ الموافق 29/9/1990م ، حيث ورد فيه المبدأ القضائي القاضي بانعدام حق الرثة في عزل المشرف على الوقف وأن إشرافه لا ينتهي إلا بموته . 1- مقدمة ابن خلدون، ص(198). 2- ويشمل ذلك أيضاً إخراج الوقف من يد واقفه أو ناظره أو متوليه إذا كان غير مأمون عليه. 3- أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية ، د. محمد عبيد الكُبيسي ، الجز الأول، ص(23،2) . 4- انظر : على سبيل المثال : موجز القانون ، الطبعة الثالثة ، ستراسيدرم 1913م ((باللغة الالمانية))، كذلك : هيرمان كونراد ، تاريخ القانون الالماني ، الطبعة الثانية ، كارلز روهيه ،1962،((باللغة الالمانية)) . 5 - الأوقاف والإرشاد في موكب الثورة 1962-1987م ص(33). أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية ، د. محمد عبيد الكبيسي ، م.س ، ص(22-26) . باحــــث قانونــــي