اشتمل التشريع الدولي على العديد من الحقوق الإنسانية العامة للكثير من الفئات والشرائح الاجتماعية، وظهر ذلك جلياً في الوثائق والإعلانات والاتفاقات والعهود الدولية المتعلقة بهذه الحقوق والتي تضمنت المسؤوليات والالتزامات التي تقع على عاتق الدول والحكومات والمجتمعات الإنسانية الموقعة والمصادقة على هذه الوثائق الدولية الحقوقية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الدولية والقانون الدولي الإنساني. غير أنه إلى جانب هذه الوثائق ظهر العديد من الاتفاقات والمواثيق الدولية الانسانية ذات الطبيعة الخاصة والمتعلقة بفئات وشرائح اجتماعية عديدة تعرضت باستمرار للانتهاكات والتهميش وأشكال من التمييز العنصري والمذهبي والعرقي والممارسات المضرة بالحقوق الإنسانية لهذه الفئات الاجتماعية التي كان على المجتمع المدني أن ينظر بعين الاهتمام إلى أوضاعها واحتياجاتها وحقوقها المكفولة في العديد من الوثائق الدولية الهادفة تأمين التزام دولي فعال بحماية هذه الفئات واتخاذ التدابير الحمائية الكافية لها ولحقوقها الانسانية وإدماجها في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمجتمعات الإنسانية. ومن هذه الفئات والشرائح التي نقصدها ونستهدفها في هذه الورقة فئات ذوي الاحتياجات الخاصة وهو مفهوم عام يشمل فئات المعاقين من مختلف الإعاقات وأطفال الشوارع والأحداث والمهمشين اجتماعياً ويشار إليها بأنهم «أولئك الأفراد الذين ساهمت ظروف ذاتية أو موضوعية في الحد من نمو قدراتهم الجسدية أو العقلية أو الاجتماعية والاقتصادية بوتيرة مساوية أو قريبة من تلك التي نمت بها قدرات أقرانهم في المجتمع الذي يعيشون فيه أو بما يؤثر بشكل ملحوظ على إمكانياتهم في نيل حقوقهم والاستفادة من الآليات القانونية والمؤسسية القائمة الأمر الذي يتطلب إيلاءهم عناية خاصة وتوفير آليات قانونية ومؤسسية إضافية لإنقاذ حقوقهم وتمكينهم من التمتع بها». وسنحاول من خلال هذه الكتابة أن نركز على شريحة واحدة من هذه الشرائح وهي (المعاقون) باعتبارها الأكبر في مجتمعنا اليمني وهناك احتياج مستمر لدراسة أوضاعها واحتياجاتها واقتراح رؤية واقعية لمعالجة مشكلاتها القانونية والحقوقية والاجتماعية والثقافية وهو ما سنحاول تقديمه من خلال الإطار التالي: أ- الوضع القانوني. ب- جهود الحكومة لرعاية وحماية هذه الفئات (الآليات والبرامج). ج- جهود المنظمات غير الحكومية. د- المصاعب والمشكلات. هـ- ما هو المطلوب لإدماج المعاقين في المجتمع. أ- الوضع القانوني للمعاقين: تزايدت في السنوات العشر الأخيرة من عمر الوحدة اليمنية الاهتمامات الرسمية والشعبية بشريحة المعاقين واحتياجاتهم وحقوقهم وخصوصاً من حيث إصدار التشريعات والقوانين التي تلزم برعاية المعاقين وتوفير الظروف والشروط المواتية لممارستهم حياتهم ومعيشتهم بصورة طبيعية وكريمة وخالية من أية انتهاكات أو تجاوزات لحقوقهم وصولاً نحو تنمية قدراتهم واعتمادهم على أنفسهم واندماجهم السليم في المجتمع. ولقد تضمن الدستور اليمني العديد من المواد التي تؤكد على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وعلى حقوقهم الكاملة في الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وألزم الدولة بكفالة حرية الفكر والقول والكتابة والتعبير وحقوق مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية في الحصول على الخدمات والاحتياجات اللازمة لرعايتهم ونمو إبداعاتهم وقدراتهم واندماجهم في المجتمع. وكان لاعتراف هذه الوثيقة القانونية الشاملة بكل ذلك أثره في تحسين أوضاع الكثير من الشرائح وخاصة المعاقين الذين صدرت استجابة لتوجهات الدستور العديد من القوانين المباشرة والمعتمدة... وتأهيلهم وتنميتهم. ونشير في ما يلي إلى أبرز القوانين التي صدرت وما تضمنته من اتجاهات ومقاصد تحقق الرعاية والحماية لهم وأيضاً من مسؤوليات والتزامات على الجهات والمؤسسات الحكومية ودور المنظمات الأهلية والشعبية والمجتمع بشكل عام تجاه هذه الشريحة. 1 - القانون رقم 61 لعام 1999م بشأن رعاية وتأهيل المعاقين ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 284 لسنة 2002م: تنسجم مفردات ومواد هذا القانون ولائحته التنفيذية مع الإعلان العالمي لحقوق المعاقين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9/ 12/ 1975م، وما تضمنته من أهداف إنسانية تجاه المعاقين، فالمادة 3 من القانون تؤكد على حق المعاق بممارسة كافة الحقوق التي كفلها الدستور وعلى حق المعاقين في التأهيل المجاني والرعاية الاجتماعية في المادة 4 وعلى حق المعاق ومنحه الأولوية في الالتحاق بالكليات والمعاهد الحكومية في المادة 9 وحق المعاق في الانتقال والتنقل، وأكدت المادة 13 على مسؤولية وزارة الصحة في توفير الأجهزة التعويضية والأطراف الصناعية والمادة 27 على حق المعاقين في تأسيس المنظمات الأهلية أما المواد 15-24 فقد خصصت لحق المعاقين في العمل بالنص على تخصيص نسبة 5٪ للمعاقين من مجموع الوظائف الشاغرة بالجهاز الإداري للدولة ووحدات القطاعين العام والمختلط بالإضافة الى الامتيازات المكفولة عند تشغيلهم حيث منع القانون حرمان المعاقين من أية مزايا أو حقوق مقررة للعاملين الآخرين بسبب الإعاقة. 2 - قانون الخدمة المدنية رقم 122 لسنة 1999م: وفي نفس الاتجاه ألزم قانون الخدمة المدنية لسنة 1999م في المادة 24 الهيئات والمؤسسات الحكومية بتوظيف نسبة معينة تحددها الوزارة سنوياً بينما اشترطت اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بالقرار الجمهوري رقم 122 لسنة 1999 في المادة 49 أن تتناسب الوظائف التي يعين فيها المعاقون من قدراتهم وحددت المادة نفسها ما ينبغي أن يخصص للمعاقين من الدرجات الوظيفية بـ5٪ على الأقل. 3 - القانون رقم 45 لعام 2002م بشأن حقوق الطفل: يشمل القانون رقم 45 لعام 2002م بشأن حقوق الطفل، العديد من الحقوق الخاصة بالطفولة ويتضمن العديد من الالتزامات والمسؤوليات الحكومية وغير الحكومية تجاه الطفولة ومنها الطفل المعاق وتحت فصل خاص أسماه (رعاية الطفل المعاق وتأهيله) وتضمن 9 مواد من المادة 115-123 كرست بصورة خاصة لتلبية احتياجات رعاية وتنمية المعاقين ومنحهم الحقوق والاحتياجات اللازمة. ب- جهود الحكومة لرعاية وحماية هذه الفئات (الآليات والبرامج): إن الاهتمام بالمعاقين قد ازداد خلال السنوات الخمس الأخيرة فصدرت التوجيهات من وزارة التربية والتعليم بقبول المعاقين في المدارس وإجراء بعض التعديلات الفنية في مباني بعض المدارس القائمة، وتقوم الحكومة باتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لرعاية المعاقون حيث تقدم لفئات المعاقين خدمات اجتماعية، تربوية، تأهيلية وتدريبية وفقاً للقوانين النافذة عن طريق مؤسسات ومراكز رعاية المعوقين المكفوفين وضعاف البصر، المعوقون حركياً، الأطفال من الصم والبكم وضعاف السمع، الأطفال المتخلفين عقلياً. كما عملت الحكومة بالتعاون مع المنظمات الأهلية على إعداد استراتيجية وطنية لرعاية المعاقين حيث وضعت رؤية شاملة للأعوام 2002-2012م لتنفيذ مختلف الأنشطة والبرامج في إطار الدعوة لقيام عقد وطني تتويجاً لعقد عربي للمعاقين، واشتملت الرؤية على عدد من الأهداف الاستراتيجية على النحو التالي: 1 - تنفيذ الالتزامات الحكومية للاتفاقيات والمواثيق والاعلانات الدولية والعربية. 2 - الوعي بقضايا الإعاقة. 3 - تعميم برامج التأهيل المجتمعي على مستوى محافظات الجمهورية. 4 - وضع السياسات والبرامج اللازمة لتشغيل المعاقين. 5 - البناء المؤسسي وبناء القدرات. 6 - دور وسائل الإعلام في زيادة الوعي والقبول المجتمعي لقضايا المعاقين. 7 - بناء قاعدة معلومات حول قضايا الإعاقة. 8 - وضع سياسة وطنية متكاملة لدمج المعاقين في المدارس العامة. 9 - وضع سياسات وخطط وبرامج وطنية للحد من الإعاقة. تضمن قانون رعاية وتأهيل المعاقين من الناحية الموضوعية قضايا تكفل احترام حقوق المعاقين التي تضمنها الإعلان العالمي.* وكيل الوزارة الشؤون الإجتماعية والعمل لقطاع التنمية الاجتماعية
المعاقون في الجمهورية اليمنية .. قراءة في أوضاعهم القانونية والحقوقية 1 - 2
أخبار متعلقة