يأبى الجزاء أن يتخلف عن العمل المتعلق به من حيث علاقة النتيجة بمقدماتها .. وهذه العلاقة تظهر كقانون ثابت لا يتخلف .. قال الله تعالى في غير موضع من كتابه : (( .. انما تجزون ما كنتم تعملون )) ، وقال تعالى : (( ... ذلك جزيناهم بما كفروا .. )) وانسحب هذا الناموس (( الجزاء من جنس العمل )) في كل ميادين الحياة الدنيا ، وإذا كان الشيوعيون قد قالوا : (( من لا يعمل لا يأكل!)) ، فهذا ليس من بديع اشتراكيتهم العلمية ! فقد قال حكماء العرب قديماً ، كما ينقل ذلك ابن عبدربه في العقد الفريد : (( من أشبع أرضه عملاً ، أشبعت بيته خبزاً )) ..وهي حكمة تصرخ بقوة في وجه الكسل .. وتنذر بعواقبه الوخيمة مع انه لم يصنف ضمن الذنوب ( ! ) بقدر ما هو خلق ناقص لا يتحلى به الكاملون والوافون ( ! ) . والكسل مرض كافحه الاسلام .. وجعله صفة للمنافقين ، قال تعالى : (( واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى .. )) وهو عدو التوكل الذي يقترن بالعمل والسعي ، والذي يفصله النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : (( لو توكلتم على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصاً ، وتروح بطاناً)) أي ترجع وقد شبعت بطونها من فضل الله ! . ولكن نظرة منصفة لواقع العالم الاسلامي تلحظ منها بوضوح التزاق الكسل بالمسلمين .. وهو الذي يطرح تفسيراً واضحاً لعجزهم وتأخرهم كجزاء عادل لكسلهم ! ترى من أين تسلّل هذا الداء الينا ؟! وما هي المنابت الخصبة التي وجد مرتعه فيها ؟! وهل جفف الاسلام تلك المنابع ؟ وكيف نتحدث عن حرب ديننا لداء الكسل ثم هو ألزق الأدواء بنا ؟ لن يكون الاستعمار قطعاً هو السبب كما هي ذريعتنا الجاهزة ( ! ) وشماعتنا المفضلة !! ولن يكون التاريخ الاسلامي بصراعاته المختلفة هو التحليل الأنسب لهذه الظاهرة! .. ولن تكون نصوص الشرع هي المؤهلة للمرض كما يحلو لغير المسلمين التذرع بها !! ان الواقف على الارث الفقهي والشرعي في دنيا الفقه والحديث والتفسير والوعظ سيذهله ذلك الحصاد الضخم من الموروث الذي نجا من الضياع أو الاهمال أو الغرق وسوف يقف بوضوح على قوة الخلاف الذي نحا منحى العداوة في الخلافة والحكم ونحا منحى التنابذ والخصومة في العقائد والفقه .. ولا شك ان هذا الخلاف قد ترك هوّة سحيقة في شخصية المسلم تلقفها الخلف بجدارة ولم يتقنوا سوى سحبها على العصر .. وظلت المحرمات تنسحب أكثر فأكثر على كل شيء في دنيا المباحات حتى حرمت البسمة والصوت والخطوة في المرأة وحرم كل زينة على الذكور والاناث وأصبح كم من رث ورتيب وممجوج هو الحلال المثاب عليه دنيا وآخرة في فقه الكسالى !! . هذا الكسل النوعي هو الذي جعلنا متخلفين عن غيرنا حيث نجد دولاً اسلامية غنية جداً في الثروات والامكانات لكنها تفتقر الى صناعة مطرش أو ابرة أو اداة انتاج محترمة وتفتقر الى تنمية حقيقية في شتى المجالات بينما غيرنا يصنعون وينتجون لنستهلك نحن ما صنعوه ! إن علاج الكسل اذن هو النشاط في البحث في عناصر التطور والتجديد .. وتهميش قوى التخلف والظلام والحد من نفوذها الديني والسياسي والاجتماعي .. حينها سوف نكتشف حجم المصيبة ! .. ونوع السبات ! .. ودرجة الغفلة ! التي ظلت ملازمة للمسلمين مع قوة نفوذ هؤلاء .. وسنكتشف حجم النجاح والتفوق عند تهميش هذه القوة المضادة لطموح الانسانية وشروط ازدهار المستقبل ! وقد ألمح القرآن الكريم - كما أزعم - الى ذلك بقوله : (( فستبصر ويبصرون * بأيكم المفتون )) .
المسلمون .. والتأخر .. !!
أخبار متعلقة