قد تتفق عزيزي القارئ أو تختلف مع النظام الحاكم في البلاد، هذا حقك، أكتب ما تشاء، قل ما تريد، ولكن فقط حذار من هؤلاء الذين يتربصون وينتظرون على ناصية الطريق، أنهم ذئاب مسعورة تنتظر اللحظة للقفز على هذا الوطن وتمزيق أوصاله وإشاعة الفتنة بين أبنائه ليلقي ذات المصير الذي يعيشه العراق في الوقت الراهن.في العراق انعدم الاستقرار، لم يعد هناك أمن لاحد، الموت يزحف الى كل البيوت بلا استثناء، الدماء تتدفق في الشوارع كالأنهار، الجثث متناثرة، المعدلات الأخيرة تقول ان عمليات القتل لم تترك أسرة أو شارعاً وأن معدلاتها الشهرية المعلنة ارتفعت إلى ثلاثة آلاف بينما هي في الحقيقة تصل إلى أكثر من عشرة آلاف شهرياً.. أكثر من مليوني عراقي مشردون في الخارج، ضاع منهم الحاضر والمستقبل، هجروا بيوتهم وتمزقت أوصالهم، أساتذة الجامعة يقتلون، ونخبة المجتمع التي صنعت العراق الحديث أصبحت مستهدفة، النفط ينهب منه يومياً 500 ألف برميل وفقاً لتقرير بيكر ـ هملتون وما تبقى يذهب إلى جيوب دعاة الديمقراطية من لصوص الداخل وسادتهم من لصوص الخارج..لا تسألني.. كيف ولماذا؟ لا تقل لي إن صدام هو السبب، فتلك حجة سخيفة وسقيمة، انه المخطط الذي لا يريد لأوطاننا وأمتنا أن تقف على قدميها، انهم الخونة، الذين جاؤوا على ظهور الدبابات الأمريكية. وروجوا الدعايات الرخيصة، وحدثونا عن دكتاتورية النظام وإرهابه، فاذا بالأيام تكشف أنهم ليسوا أكثر من أدوات فاشية فاسدة تنفذ مخططاً على حساب الشعب والوطن.وهذا المخطط الأمريكي الصهيوني يسعى بكل قوة إلى خلق مثل هذه الركائز في بلداننا العربية وهو يركز تحديداً في هذا الوقت على كل من: مصر وسوريا ولبنان واليمن والعديد من البدان العربية والإسلامية الأخرى.وهذا المخطط الذي تديره المخابرات المركزية الأمريكية ليس جديداً، إنه يرجع إلى فترة الستينيات من القرن الماضي، عندما كشفت الصحافة للرأي العام ما سمي بالملفات القذرة للمخابرات المركزية ودورها في اسقاط الأنظمة الديمقراطية وتمويل وتنظيم الجماعات اليمينية في مناطق أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا تحت زعم مقاومة النظام الشيوعي.لقد أعدت الوكالة للانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب في تشيلي "سيلفادور الليندي" وجاءت بالديكتاتور الفاسد بينوشيه ليمارس القتل والفساد والإرهاب على مدى سنوات طوال، وقامت بتشكيل فرق الموت في السلفادور وبيرو ونيكاراجوا وجواتيمالا والمكسيك بهدف مطاردة اليساريين وقتلهم وتصفيتهم.كان طبيعياً بعد نشر مسلسل الفضائح القذرة التي ارتكبتها الاستخبارات الأمريكية أن تبحث واشنطن عن بديل جديد، ومدخل مختلف، لتنفيذ ذات الأهداف، ولكن بطريقة مخادعة، فبعد مناقشات مطولة داخل الكونجرس جرى الاتفاق على تشكيل هيئة مستقلة تقوم بذات الدور ولكنها تحمل وجهاً مختلفاً، فكان قرار الرئيس جونسون بضرورة إنشاء هيئة تمزج بين جهود الحكومة والقطاع الخاص وتكون مستقلة عن الأجهزة الفيدرالية وكان العنوان الأساسي لها هو الدفاع عن الديمقراطية في شتى انحاء العالم.وهكذا جرى الاعداد لخطة الانتشار وخلق العملاء، فكان من أولى المهام التي عهد بها إلى الهيئة التي تم تشكيلها بعد ذلك وحملت اسم "هيئة الوقف الأمريكي للديمقراطية"، هي دعم منظمة تضامن العمالية في بولندا بقيادة "ليش فاونسا" والذي تم الاتصال به ودعمه بملايين الدولارات بهدف اسقاط النظام الشيوعي الحاكم بعناوين ديمقراطية.وهذه الهيئة التي أسست في عام 1983م ضمت العديد من المؤسسات التابعة لها وأبرزها المعهد الديمقراطي للشئون الدولية، والمعهد الجمهوري الدولي، والمركز الأمريكي للتضامن العمالي ومركز المؤسسات الخاصة الدولية والمعهدان الديمقراطي والجمهوري اللذان يمارسان أنشطتهما المشبوهة في العديد من أنحاء العالم وبينها مصر والعديد من دول المنطقة الأخرى، بل إن المعهدين استعانا بعدد من العملاء والتابعين في مراقبة الانتخابات الرئاسية وانتخابات مجلس الشعب المصرية، وأنشأ كل منهما لنفسه مقراً دون سند من قانون وهو ما دفع السلطات إلى أن تطلب من مديرة المعهد الجمهوري في مصر إغلاق مكتبها لحين الحصول على ترخيص من السلطات المختصة.انني استشهد هنا بمقولات أطلقها بعض السياسيين والمثقفين والإعلاميين الأمريكيين حول دور هذه المؤسسة المشبوهة التي راحت تقيم علاقات مع من يطلق عليهم ناشطون سياسيون، أو ناشطون حقوقيون، أو حركات مشبوهة بدأت تمارس دوراً مدفوع الأجر في الشارع وتحاول اختراق النخبة عبر مجموعة من الفتيات المتمردات على القيم والدين والاخلاق أو عبر مجموعة من العاطلين الذين اسسوا لأنفسهم مراكز مشبوهة وتحولوا من رواد مقاهي وسط البلد إلى مليونيرات واصحاب حسابات وأرقام فلكية في البنوك يدفعون للبعض من أجل اختراق الصحف ووسائل الإعلام، فأصبحوا يطلون علينا بوجوههم الحاقدة وكلماتهم المسمومة، ليحدثوك عن الديمقراطية والحرية، بينما غالبيتهم يصنفون على أنهم "مسجل خطر" وتاريخهم ينضح بالعمالة لكل من يدفع.لقد جسد "آلان وينستين" كاتب ومثقف أمريكي دور هذه المؤسسة في مقال له نشرته الواشنطن بوست في 22 سبتمبر 1991م بالقول "الكثير مما نفعله اليوم علناً، كانت المخابرات المركزية الأمريكية تفعله سراً على امتداد الـ 25 عاماً الماضية".وربما كان الرئيس جورج بوش أكثر وضوحاً في حديثه عن هذه المنظمات ودورها المشبوه عندما تحدث في خطاب الاتحاد في 20 يناير2004م عن عزمه مضاعفة ميزانية "هيئة الوقف الأمريكي للديمقراطية" معلناً أن مهمتها الجديدة سوف تركز على الترويج للانتخابات الحرة وحرية الصحافة والاتحادات الحرة في الشرق الأوسط.وبالفعل بعدها مباشرة بدأت الأموال تتدفق على أصحاب بوتيكات حقوق الإنسان في مصر، فاصبح صوتهم عالياً، وراحوا يطلقون نفيرهم ويصرخون ويتاجرون، وبقدر الصراخ تتدفق الأموال، دولارات ويورو وعملات من كل حدب وصوب بل أن أحدهم لم يجد خجلاً في أن يقول إن مركزه أو بوتيكه يتلقى أمولاً من أمريكا إلى بنجلادش وانه تلقى مؤخراً مائة ألف دولار من منظمة رجل الأعمال اليهودي الأمريكي جورج سورس والذي كان وراء انهيار اقتصاديات دول النمور الآسيوية، وكان أيضاً وراء اسقاط نظام الرئيس الجورجي ادوارد شيفرنادزه والمجئ بميخائيل سكاشفيلي رئيساً للبلاد في انتخابات تم طبخها على الطريقة الأمريكية.هؤلاء من أصحاب نظرية "اشمعنى الحكومة تأخذ واحنا لا" هم مجموعة من الفسدة والمفسدين، خطرهم على مصر لا يقل عن خطر العملاء من أمثال احمد الجلبي واياد علاوي وعبدالعزيز الحكيم والجعفري وغيرهم من الذين تربوا على موائد أجهزة الاستخبارات ويتقاضون رواتبهم من (السي.أي.ايه) والأجهزة التابعة لها حتى وهم على قمة الحكم في العراق.. وهو ما سنوضحه في الأعداد القادمة.نعود إلى شهادة الأمريكيين وخبراء السياسة والإعلام حول دور الاستخبارات الأمريكية في اختراق مجتمعاتنا عبر هذه المنظمات المشبوهة.. لقد كتب ويليام بلوم وهو مؤلف معروف مقالاً في إحدى الصحف الأمريكية بعنوان "حصان طروادة" تحدث فيه كيف تتدخل هيئة الوقف الأمريكي للديمقراطية عبر آلياتها المختلفة بشكل سافر في الشؤون الداخلية للبلاد الأجنبية عن طريق تقديم الأموال والمساعدات الفنية والتدريب والمواد التعليمية لجماعات سياسية بعينها ومنظمات مدنية واتحادات عمالية وحركات منشقة وجماعات طلابية وناشرين وصحف وأجهزة إعلامية أخرى، مشيراً إلى أن هذه الاساليب تخدم بالأساس أهداف الاستخبارات وأجندة السياسة الأمريكية في شتى أنحاء العالم.وهناك شهادة "باربارة كونري" وهي محللة لشؤون السياسة الخارجية في معهد "كاتو" للابحاث بالولايات المتحدة، فقد نشرت دراسة مهمة وأساسية عن الدور الذي تقوم به منظمة "الوقف الأمريكي للديمقراطية" والمراكز التابعة لها جاء فيها "ان منظمة الوقف الأمريكي للديمقراطية لديها تاريخ طويل من الفساد وانها تلعب أدواراً تخريبية، فمن خلالها يقوم دافع الضرائب الأمريكي بتمويل جمعيات خاصة وعمليات تدخل في الانتخابات والشؤون الداخلية للدول وعمليات افساد للحركات الديمقراطية".أما "تيري ميسان" مؤلف كتاب الخديعة الكبرى فقد كتب بدوره مقالاً يحمل عنوان " شبكات التدخل الديمقراطي الأمريكي" وقد تحدث فيه عن الدور التخريبي والمشبوه الذي تقوم به مؤسسة "الوقف الأمريكي للديمقراطية" وقال في مقاله "إن أغلب الشخصيات التي لعبت أدوراً بارزة في العمليات السرية القذرة للاستخبارات الأمريكية "السي. أي. ايه" في العالم أصبحت الآن شخصيات تحتل مواقع إدارية قيادية في منظمة "الوقف الأمريكي للديمقراطية".وأشار الكاتب الأمريكي في مقاله إلى أن المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه عمل المؤسسة "هو أن كل ما هو جيد لأمريكا جيد للعالم كله".. مشيراً إلى أن التمويل الأساسي للمؤسسة ومراكزها يأتي من وزارة الخارجية والخزانة والمخابرات الأمريكية.أما النائب الأمريكي "رون بول" عضو الكونجرس عن ولاية تكساس في هذا الوقت فقد كتب مقالاً في 11 أكتوبر 2003 قال فيه "من السخرية المرة القول إن التلاعب بالانتخابات في الدول الأجنبية هو ترويج للديمقراطية" وقال: "ماذا سيكون عليه شعور الأمريكيين لو أن الصينيين مثلاً دفعوا ملايين الدولارات لدعم مرشحين مؤيدين للصين، هل سنعتبر ذلك تطوراً ديمقراطياً".ويقول: "رون بول": "لقد اكتشفنا أن منظمة "الوقف الأمريكي للديمقراطية" قدمت الأموال للمنظمات التي قامت بالتحريض على أعمال العنف والتمرد في شوارع فنزويلا في محاولة الانقلاب على القادة الشرعيين وهي الأعمال التي قتل فيها العشرات وجرح المئات، فهل هذا هو الترويج للديمقراطية"!!لقد لعبت هذه المنظمة المشبوهة ـ والتي تحتضن غالبية المنظمات المصرية التي تضم جوقة من الفاسدين والفاسدات- دوراً تخريبياً في عام 1990م عندما انفقت عشرين دولاراً لكل ناخب في نيكاراجوا لدعم مرشح للرئاسة تدعمه أمريكا للفوز بمنصب الرئاسة ودفعت ملايين الدولارات للصحف وللمنظمات المرتبطة بها من أجل الترويج له.وفي ذات العام أيضاً قدمت المؤسسة ملايين الدولارات بهدف الإطاحة بالحكومة المنتخبة في بلغاريا، وفعلت نفس الشيء في البانيا عام 1991، كما ساهمت في تزوير الانتخابات في منغوليا عام 1996، ومولت الانقلاب في فنزويلا ضد الرئيس شافيز في عام 2002، ودفعت الملايين للترويج لدعاية ومطالب المعارضة لإجراء استفتاء في عام 2004، وساهمت بدور كبير في دعم كل من ميخائيل سكاشفيلي في انتخابات جورجيا، وفيكتور يوشينكو في انتخابات أوكرانيا ونفس الأمر حدث من قبل ومن بعد في يوغسلافيا وكازاخستان، وفي هاييتي قام المعهد الجمهوري الأمريكي بتمويل المنظمات المنشقة للاطاحة بحكومة "برتراندارستيد" المنتخبة، وفي اغسطس من العام الماضي تم وبشكل رسمي توجيه الاتهام للمعهد الديمقراطي الأمريكي بتمويل مؤامرة هدفها الإطاحة بالحكومة الاذربيجانية.أما في اليمن فقد كتبت خديجة الحاشدي مقالاً عن الدور المشبوه الذي لعبه المعهد الديمقراطي الامريكي في انتخابات 2003 قالت فيه: "خلال عامين من تاريخ انتهاء آخر تجربة انتخابية يمنية لعب المعهد الديمقراطي الأمريكي دوراً تخريبياً في اذكاء الكثير من الصراعات الداخلية في اليمن، فهو من جهة أصبح حليف بضعة أحزاب يمنية معارضة يرتاد مقرها بشكل مستمر ويقدم المشورة السياسية، ثم قام بالدفاع عنها وحمل وجهات نظرها إلى داخل أروقة اللجنة العليا للانتخابات على غرار ما فعلته السيدة "روبن" مديرة المعهد، حين تفاوضت مع اللجنة العليا للانتخابات بشأن مطالب أحزاب اللقاء المعارضة كما لو أن لها مندوباً رسمياً ناطقاً باسمها.وقالت أيضاً: "إن ما يمكن ان نخلص إليه هو أن سياسة المعهد الديمقراطي الأمريكي في اليمن خلقت بعض التوترات السياسية وشجعت بعض قوى المعارضة على التعاطي مع مطالبها بكثير من التشدد بدلاً من الشفافية، اعتقاداً منها أن الخارج يدعم تصعيد الاحداث الداخلية في اليمن ولديه رغبة ملحة في تغيير النظام السياسي.ونفس السيناريو تكرر في انتخابات أوكرانيا الاخيرة، حيث بثت وكالة الاسوشيتدبرس خبراً يقول: "إن إدارة بوش انفقت 65 مليون دولار طوال عامين لدعم مرشحي المعارضة في أوكرانيا.وكشفت التايمز البريطانية في مقال تحت عنوان "لعبة الرجل الواحد للخداع" قالت فيه: "إن الثورة البرتقالية في اوكرانيا كانت واحدة من ملهمات "خطة اللعب" الديمقراطي الجديدة التي ابتكرها مليونير امريكي يدعى "بيتر اكرمان" حيث اخترع لعبة فيديو أسماها "قوات أكثر نفوذاً" كلفها من جيبه الخاص 3 ملايين دولار من أجل توفير " كتالوج" يرجع إليه كل من يريد أن يقوم بثورة ملونة في أي مكان في العالم".وهكذا أصبح مصير العالم يختصر في لعبة فيديو يجري نقلها حرفياً في الكثير من البلدان وعبر المال والعملاء والمظاهرات المتفق عليها تجري صياغة خطة هدم الدولة وخلق حالة من اللااستقرار وابراز التناقضات الطائفية والعرقية، وإذا ما قبض على أي من تلك الأدوات أصبح بقدرة قادر شهيد الحرية والديمقراطية والنضال".وللموضوع صلة[c1]عن / صحيفة "الأسبوع" المصرية [/c]
|
فكر
الفوضى الهدامة بالعقل
أخبار متعلقة