الصحفي البريطاني روبرت فيسك يكتب عن ويلات وطن
[c1]* كان نقل الأخبار من لبنان أولاً خلال الغزوالأسرائيلي الأول عام 1978م ثم عام 1982م تجربة جديدة ومقلقة للاسرائيليين فقد انتهى احتكارهم للحقيقة[/c]نجمي عبدالمجيدالصحفي البريطاني روبرت فيسك واحد من أبرز المراسلين الصحفيين في الشرق الأوسط وحائز على أكبر عدد من الجوائز البريطانية الكبرى عن مقالاته حول قضايا الصراع في المنطقة ، وكان من بين اربعة صحفيين ظلوا في لبنان اثناء سنوات الحرب الاهلية والتي كانت بدايتها من عام 1975م حتى عام 1990م. في تاريخ الصراع العربي- الاسرائيلي ، والحرب المستمرة على لبنان قدمت كتابات روبرت فيسك شاهدة تاريخية عن القوة المدمرة والمرعبة التي تستخدمها دولة الصهاينة كلما غزت هذا البلد محاولة تدميره وسحقه من جغرافية المنطقة ، وفي هذا الجانب قدم كتابه المرجعي " ويلات وطن - صراعات الشرق الأوسط وحرب لبنان " والذي يعد من الاسهامات الغربية التي وضحت الصورة الحقيقة لسياسة اسرائيل في مد مشروعها التوسعي عبر تجاوز الحدود والذهاب نحو العمق ورسم فرضيات جديدة على أرض الواقع حتى تصبح هي الحدود المعترف بها لسيادة دولة اسرائيل .إن انهيار الصورة الانسانية لاسرائيل لحظة مدمرة في تاريخها فقد كان لأخبار حصار بيروت الغربية والتي يظهر فيها جيش في غاية القوة وهو يقصف مناطق مدنية تأثير لايوصف في الغرب.ذلك ماتقوله لنا كتابات روبرت فيسك في أعماله ، وحرب اسرائيل على لبنان هي من الازمات المتصاعدة في المنطقة العربية ، بعد أن اصبح هذا البلد الخط الأول في جبهة الانفجار المستمر والساحة التي تلقي بها دولة صهيون كل ماتملك من قوة تدميرية لخلق مشروعها القادم، الشرق الاوسط .[c1]اسرائيل ووهم الانتصار في لبنان[/c] يذكر الصحافي روبرت فيسك في كتابه ، عن هذه الرغبة التي سعت اسرائيل إلى فرضها على أرض لبنان حتى تخلق حالة قناعة عند الطرف الاخر بما هو قائم :( كانت ثقة الاسرائيلين بانفسهم وهم في لبنان تفوق كل حد.إذ أقاموا جهاز إرسال بالقرب من منطقة عالية لنقل برامج التلفزيون الاسرائيلي إلى بيروت . وفتحوا كذلك فروعاً متنقلة لبنك لومي الاسرائيلي في منطقة الشوف وفي بيروت الشرقية وذلك لتبديل العملة اللبنانية بالشاكل الاسرائيلي لمن يرغب في ذلك من اللبنا نيين . وفي صيدا تمكنوا من اقناع وكيل سفر لبناني بأن يكون وكيلاً أيضاً لطائرات العال الاسرائيلية . وعندما زعزعت هجمات المقاتلين هذا الهدوء عمد الاسرائيليون إلى الرد عليها بوحشية . فانتقموا لكمين عالية بغارة جوية على بطارية صواريخ سورية منصوبة على منحدرات ظهر البيدر . وفي اعقاب كمين آخر نصب لهم على طريق صيدا القديمة، أحضروا دبابة ميركافا من خلدة، وقصفوا المبنى الذي زعموا أن الرصاص انطلق منه . وانفجرت أول رشقة من القذائف في مطبخ أحد المنازل وقطعت رأس والدة عقيد في الجيش اللبناني . ومن الطريق ذاتها اطلقت دوريات المشاة الاسرائيلين النار على المنازل والغابات والاشجار حولهم مما أدى إلى قتل وجرح عدد من ربات البيوت والمزارعين وقاطفي الفواكه. وكادت رشقات رصاصهم أن تصيب مراكز المارينز مما جعل الكولونيل ميد يقدم سلسلة من الشكاوى الرسمية وأعلن أمامنا " أن اساليبهم القتالية غير فعالة ولايتبعها المحترفون " وأضاف قائلاً لنا بصورة خاصة :" يظن الاسرائيليون انهم على جانب كبير من المهارة ، ولكنهم جيش من الدرجة الرابعة يقاتلون جيشاً من الدرجة السابعة."على أنه كان من الواضح أن جيش الدرجة السابعة - سواء أكان مؤلفاً من المسلمين اللبنانيين أم من الفلسطينيين - أخذ يتحدى الاسرائيليين . وتجلت آثار هذا التحدي بوضوح في أعمدة الصحف الاسرائيلية التي لم تعد تشير إلى لبنان بوصفه بلداً يجري تحريره ، أو بلداً سيصبح حليفاً في المستقبل ، بل كمستنقع ومكان بلا مبدأ وناكر للجميل . فأخذت افتتاحيات الصحف الاسرائيلية ، تشكو من أن الكتائب حملت الاسرائيلين عبء القتال حول بيروت. وأشارت إلى أن الكتائب لطخت سمعة اسرائيل باقترافها مجازر صبرا وشاتيلا، ونادراً مالام الاسرائيليون أنفسهم في هذه الفترة المبكرة من احتلالهم للبنان على المأزق الذي وجدوا أنفسهم فيه. فأخذوا يعلنون في المؤتمرات الصحفية وفي بياناتهم أنهم يقومون بدور رجال الشرطة وحتى بدور " المحافظين على السلام " في منطقة الشوف . وعليه فقد صار من المفروض أن يكون في لبنان جماعتان تقومان بالمحافظة على السلام، وهما القوة المتعددة الجنسيات في بيروت ، والاسرائيليون في الشوف . ورفض المسلمون اللبنانيون تحديد الوضع على تلك الصورة رغم أن وجود الاسرائيليين إلى جانب القوة كان خطراً عليها.ووقع الزلزال الأول الذي ضرب الاسرائيليين في مدينة صور التي استولوا عليها من خلال الأيام الأولى للغزو ، وأقاموا مقرهم في مبنى يتألف من ثمانية أدوار ، ويقع إلى الشمال تماماً من تقاطع الطريق الرئيسي مع طريق الميناء . وكان المبنى كالمباني الأخرى التي انهارت على رؤوس من فيها ، ويضم غرف عمليات ، ومساكن للجنود ووحدة من رجال المخابرات شين-بت، بالاضافة إلى عدد من المساجين اللبنانيين والفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون استجوابهم . وفي 11 نوفمبر 1982م دوى انفجار هائل قوض المبنى واسقطه على الأرض في أقل من عشر ثوان).[c1]لبنان والحروب المستمرة[/c]الحروب في لبنان ، متعدد الاسباب والأهداف . منها ماجاء بفعل عوامل خارجية استغلت الانقسامات الطا ئفية والمذهبية والتكوينات السياسية ، ومنها جاءت بفعل الصراع على الزعامة والقيادة وفرض أفكار طائفة على أخرى ، وكان ويظل لبنان بلداً وشعباً هما من يدفع ثمن تلك الحروب والصراعات حتى اليوم، وفي هذا العرض التاريخي لهذا الجانب من ويلات وطن نقف أمام ماحدث في هذا البلد.1860م: قامت حرب درزية مسيحية ادت إلى مقتل 10 آلاف مسيحي ، ونزول قوات من الجيش الفرنسي من أجل حماية الطائفية المارونية.1914م -1891م :انهيار الحكم العثماني في سوريا في اثناء الحرب العالمية الأولى ، وحدوث مجاعة كبرى في لبنان.1936م: اسس بيار الجميل حزب الكتائب بعد أن قام بزيارة إلى المانيا اثناء الحكم النازي .1940م: انشأت فرنسا دولة لبنان الكبير وكان ذلك بعد الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان.1939-1945م: الجيش البريطاني وجيش فرنسا الحرة يقومان باحتلال لبنان عام 1941م ويتم الاستيلاء على العاصمة بيروت التي كانت خاضعة لقوات فيشي . وقد وعدت فرنسا بالاستقلال الكامل .1946م: رحيل القوات الفرنسية عن لبنان.1948م: اقامة دولة اسرائيل ونزوح الفلسطينيين إلى لبنان والأردن.1958م: قيام حرب أهلية في لبنان بعد تجاوب المسلمين مع نداء القومية العربية الذي قاده جمال عبد الناصر . وتم انزال جنود المارينز الاميركيين في بيروت بطلب من الرئيس كميل شمعون وكان ذلك وفقاً لمبدأ ايزنهاور الذي يناهض المد الشيوعي في العالم.1964م: انشاء منظمة التحرير الفلسطينية.1970م: خروج قوات المقاومة الفلسطينية من الأردن واتخاذها من بيروت مقراً لها ، وقد ساعدت هذه النقلة في مقر القيادة في تزايد العمليات الفدائية الفلسطينية في داخل اسرائيل منطلقة من جنوب لبنان.13-ابريل-1975م: اندلاع الحرب الاهلية بين المسيحين الموارنة والمسلمين وذلك كان بعد هجوم حزب الكتائب على فدائيي منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة بيروت.1976م: تصاعد حدة الحرب. المسيحيون يذبحون عددا من الفلسطينيين في الكرنتينا وتل الزعتر ، الفلسطينيون يذبحون سكان الدامور المسيحيين . وقد دعى الرئيس اللبناني سليمان فرنجية سوريا للتدخل من أجل وقف القتال العنيف ، وقد دخلت القوات السورية جميع مناطق لبنان ماعدا الجنوب.1978م: اجتاحت القوات الاسرائيلية جنوبي لبنان اثر مقتل مدنيين اسرائيليين في هجوم للفدائيين الفلسطينيين .1980-1981م: تزايد عدد العمليات العسكرية بين اسرائيل والمليشيات التي كانت موالية لها وبين منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان.6-يناير-1982م: الجيش الاسرائيلي يجتاح لبنان إثر محاولة اغتيال السفير الاسرائيلي في لندت وفقاً لخطة أعدها ارييل شارون ، وفي نفس العام اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل بعد خروج القوات متعددة الجنسيات ، ووقوع مجزرة صبرا وشاتيلا.1983م: تفجير السفارة الاميركية في بيروت اثناء عملية انتحارية يقوم بها أحد رجال منظمة الجهاد الاسلامي.1984م: القوات متعددة الجنسيات تخرج من بيروت بعد انهيار الجيش الرسمي للبنان، ومقاومة شديدة من المسلمين الشيعة ضد الجيش الاسرائيلي المحتل في جنوب لبنان.1985م: الجيش الاسرائيلي يقدم على الانسحاب من صيدا واسرائيل تنفذ سياسة القبضة الحديدية وتستخدم القمع العسكري ضد المقاومين من قرى جنوب لبنان .[c1]استغلال الطائفية من أجل تقسيم لبنان[/c]المراقب لتاريخ الصراع الاسرائيلي مع لبنان يدرك إلى أي حد تستغل دولة الصهاينة هذا التوثر في الجسد اللبناني من أجل فرض مشاريع التقسيم والتوسع المنطلقة من سياستها العدوانية تجاه العالم العربي .ولبنان أكثر البلدان العربية التي عانت من الطائفية وحروبها المدمرة ، وحول هذه الحالة الخطرة يقول الباحث جمال الألفي :( لقد ظل النظام الطائفي مستمراً في العهد العثماني ، والفرنسي ، فقد تم وضع أول دستور للبنان ، عام 1936م، وكان وقتها لايزال تحت وصاية فرنسا ، في هذا الدستور ثم وضع مادتين احداهما تعطل الأخرى . غير أن النتيجة في الحالتين كانت واحدة تشير إلى تأكيد الطائفية.بينما كانت المادة 99 تتحدث عن فترة انتقالية مؤقتة لتذويب الفوارق التي كرسها الاستعمار بين الطوائف اللبنانية ، كانت المادة 95 من نفس الدستور الذي وضعه الفرنسيون تعمل على ترسيخ الفوارق الطائفية.لقد جرت ثلاث محاولات لتعديل الدستور، قبل وبعد الاستقلال ، غير أن أحداً لم يقترب من المادة 95 التي تكرس القسمة الطائفية اللبنانية .حتى الميثاق الوطني ، والذي هو أعلى من كل دساتير لبنان ، لايميز هذا الميثاق إلا أنه يوزع المناصب السياسية والمغانم الدنيوية على آساس طائفي ابتدعه الموارنة ، لتأكيد امتيازاتهم على حساب بقية الطوائف اللبنانية .بموجب هذا الميثاق غير المكتوب ، تم تقسيم السلطة في لبنان ، حصل بموجبه الصفوة من الموارنة على نصيب الاسد، رافعين شعاراً يقول بأنه لابد من تطمين الموارنة الذي يعيشون في بحيرة عربية اسلامية.. وبرغم أن اصواتاً كثيرة أكثر تعقلاً من داخل الطائفة نفسها ، كانت تحذر طوال الوقت من خطر استمرار الموارنة كأقلية مهيمنة ، محمية من الخارج ، فإن أحداً من قادة الموارنة لم يكن يستمع إلى نصيحة حتى من داخلهم ، وكانت سياسة الموارنة قد ظهرت بجلاء أكثر بعد الاستقلال ، عندما اختصوا لانفسهم ، دون غيرهم حتى من داخل الطوائف المسيحية الأخرى بالوظائف العليا وذات الحساسية الخاصة في الدولة الجديدة).في دوامة الحرب الأهلية التي احرقت الكثير ودمرت الأكثر بهذا البلد الحالم، جاء اغتيال كمال جنبلاط بتاريخ 16- ينايرعام 1977م: كبداية ونذير بما سيحدث من تصاعد في تلك الحرب التي كانت الطائفية احدى اسبابها فقد كان يجله بعض اليسار يين الاوروبيين بوصفه فيلسوفاً اشتراكياً كما يذكر الصحفي روبرت فيسك ، فقد برهن من جانب أخر من أشد المشاركين في تلك الحرب صلابة من أجل إحراز الانتصار العسكري على الكتائبيين ، وفي احدى الأيام المرعبة من القتال الذي دار في بيروت قتل عشرات المدنيين بفعل القصف العشوائي من الجانبين.وعن مقتل هذا الزعيم من الدروز يقول روبرت فيسك : ( بينما كان جنبلاط عائداً بسيارته مع حرسه من المختارة وقبل أن يصل بعقلين لحقت بسيارته ليموزين فيها على الأقل مسلحان . وكان عندئذ يجلس في المقعد الخلفي يقرأ جريدة النهار فأصابت الطلقات الأولى رأسه وسقط القسم الأكبر من مخه على الجريدة.وتلت ذلك أعمال قتل قا سية . فقد قام الدروز بقتل عدد من أهالي القرى المجاورة من المسيحيين في بيوتهم وذبحوا بعضهم . واتهم البعض عملاء السوريين بقتله. لكن السوريين نفوا ذلك).[c1]الاعلام يكشف الحقائق[/c] ظلت المؤسسات الاعلامية الصهيونية هي من يسيطر على حقائق الاحداث ولاتقدم إلا مايجعل من اسرائيل الدولة التي تدافع عن الحرية والتقدم في وسط عربي متوحش ومجنون ، غير هذه الصورة الكاذبة سقطت عندما شاهد العالم جرائم اسرائيل.وكان نقل الاخبار من لبنان أولاً خلال الغزو الاسرائيلي الأول عام 1978م ثم في عام 1982م تجربة جديدة وكذلك مقلقة للاسرائيليين ، وكما يشير روبرت فيسك ، فقد انتهى احتكارهم للحقيقة ورفض الصحفيون كل البلاغات الرسمية بعد أن شاهدوا معاناة المدنيين من جراء القصف دون تمييز .إن ماقدمه لنا روبرت فيسك عن لبنان والحرب والمشاريع اليهودية لضربه وتقسيمه إلى دويلات أو حتى اقامه دولة تابعة لاسرائيل ، تظل ذاكرة لمرحلة من تاريخ الصراع في الشرق الأوسط، ودور الاعلام ورجال الصحافة في البحث عن ماجرى، هو جزء من سلاح المعركة وحق المواجهة التي تسعى اسرائيل لجعلها أحادية الجانب في هذا الصراع. [c1]المراجع:1- ويلات وطن [/c]صراعات الشرق الأوسط وحرب لبنان تأليف : روبرت فيسكصادر : عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر - بيروت.الطبعة الأولى : 1990م.[c1]2- الطائفية والحكم في لبنان[/c]تأليف : جمال الألفي كتاب الهلال العدد 398الطبعة الأولى : فبراير 1984م.[c1]3- الموسوعة السياسية التاريخية 1900-2000م[/c]مجموعة من المؤلفين تعريب : أياد ملحم