بعد أن أفنين زهرة شبابهن من أجلنا ..
كتب نادرة عبدالقدوس تصوير : علي الدربإن تجربة المرأة اليمنية في مدينة عدن المحروسة رغم ماجرّته عليها من معاناة إلا أنها تجربة تستحق أن نقف لها إجلالاً .. إذ لم تكن الأرض مفروشة لها بالورود حين قررت الخروج عن طوق التقاليد الباليةالمقيدة لحريتها .. فكانت المناضلة السياسية والمنخرطة في صفوف الكفاح السري ضد الاحتلال البريطاني ، وقادت المظاهرات الشعبية والجماهيرية العفوية والمنظمة التي كانت تهز عدن وتقلق مضاجع الاحتلال .. ورفعت المرأة اليمنية في عدن صوتها عالياً وبثقة لا متناهية تطالب بحقها في التعليم والعمل والمشاركة في الانتخابات التشريعية ، وكذلك المطالبة بمساواة الطالبات بالطلاب الذكور في الحصول على شهادة الثقافة العامة والابتعاث إلى الخارج للدراسات العليا .. كما ناضلت من أجل انتزاع حقها في اختيار شريك حياتها وعدم تزويجها في سن مبكرة ودون علمها والالتزام بما يحكم به ديننا الحنيف . إن بين ظهرانينا اليوم نساء مناضلات يستحققن منا الوقوف لهن إكباراً وإجلالاً .. لأنهن فتحن ثقباً في جدار الزمن سمحت للأجيال النسائية اللاحقة بالولوج إلى عهد جديد لم تشهده مدن يمنية وعربية كثيرة في وطننا العربي الكبير . وأقولها حقيقة إنه لولا أولئك المناضلات ما كنا نحن .. والسؤال.. أين هن الآن ؟! ومن هن ؟! عدد منهن معروف بيد أن كثيراً منهن غير معروف لأنه ببساطة فضل الانكفاء على ذاته والبقاء وراء أستار الزمن التي أسدلت عليه .. واعترافاً من مؤسسة بيت الإعلاميات اليمنيات بالدور الوطني النضالي الذي اجترحته النساء الإعلاميات الرائدات في منتصف الخمسينيات والستينيات من القرن الفارط ، وجد أنه بالضرورة تكريمهن ولو بالشكل المتواضع الذي ينفذه بيت الإعلاميات بإمكانياته البسيطة ، فهن يستحققن الكثير والكثير .. ولعل أول ما يستحققنه هؤلاء المناضلات الجسورات هو رعايتهن من قبل الدولة . وبالذات السلطات المحلية في محافظة عدن . إن هؤلاء الكريمات الفاضلات كن شابات مفعمات بالنشاط والحيوية وأفنين زهرة شبابهن في المجال الإعلامي في تلك الحقبة من الزمن.. حين كان من الصعوبة بمكان عمل المرأة خارج البيت فكيف لها أن تعمل في الإذاعتين المرئية والمسموعة والمطبوعة ؟! وجاهدن برؤوس مرفوعة وأيادٍ نظيفة من أجل صنع المجد للوطن وللمرأة اليمنية وللإنسان اليمني عموماً .. ولم يشغلن فكرهن بالقادم من الزمن .. وهاهو البعض منهن اليوم يعيش الكفاف .. فهل من التفاتة إليه؟! يأمل بيت الإعلاميات اليمنيات أن يسهم في إعادة الماء إلى وجوهنا .. إن هؤلاء الإعلاميات الرائدات عدن إلى أرضهن الطاهرة بعد اغتراب قسري عنها بُعيد استقلال الجنوب من الاحتلال البريطاني فوجدن أنفسهن تائهات مرة أخرى وكأن الزمن يعيد نفسه ! فمتى يجدن بر الأمان والتمكن من العيش الكريم ؟ فمنهن من لا زالت تبحث عن مأوى للعيش بعد أن أخذ مسكنها عنوة تنفيذاً لقانون التأميم في السبعينيات من القرن الماضي ، وهو المسكن الذي بني من حر مالها ، كما حدث للفقيدة الإعلامية ماهية نجيب ، التي خرجت ليلاً تتلمس طريقها للهرب من بطش من تسلم زمام الحكم بعد الاستقلال بعد اتهامها بالخيانة والعمالة للإنجليز .. وهي التي رفعت صوتها تنادي بالاستقلال وسخرت منبرها الإعلامي ( مجلة فتاة شمسان ) للمطالبة بحقوق المرأة المسلوبة وبحق الإنسان اليمني في هذا الجزء من الوطن بالتحرر من ربقة الاحتلال . وكذلك عديله بيومي الإذاعية الأولى بعد تأسيس إذاعة عدن في منتصف الخمسينيات والتي لا زالت تحاول استعادة ملكيتها لمسكنها . ورضية إحسان الله المناضلة السياسية والإعلامية الشجاعة التي رغم عجزها إلا أنها لا زالت تحتفظ بروح الشباب وبالحيوية والنشاط .. لكنها تعاني من تهديدات الطرد إلى الشارع .. وصفية لقمان ( أم الأطفال ) في برنامج دنيا الأطفال الذي كان يبث على شاشة التلفاز قبل أكثر من أربعة عقود في عدن .. ولم تُعوّض بدلاً عن بيتها الذي تم اغتصابه بدون وجه حق من قبل السلطة الثورية بعد الاستقلال .. وفوزية عمر التي لا زالت تعيش حياة الاغتراب .. ومثلها فوزية غانم . إن بعض الإعلاميات الرائدات المذكورات سلفاً ليس لهن معاش يسد حاجتهن للعيش الكريم .. إنهن تقريباً يعشن حياة الكفاف .. فماذا سنقدم لهن ؟؟ وأقف عند هذا السؤال لعله يجد له صدى في عقولنا قبل قلوبنا ..