الرياض / سلطان القحطاني / ايلاف:على صدر الصفحة الأولى لأحد أعداد صحيفة الرياض السعودية كانت إشارة ذات لون أخضر بارز تتحدث عن حصول خمس سيدات على العضوية الأساسية في الجمعية العمومية لمؤسسة اليمامة، كبرى المؤسسات الصحافية في المملكة العربية السعودية التي قارب أرباحها نحو خمسين مليون دولار سنوياً، وذلك في زخم نسائي صحافي يعتبر الأكبر حجماً قياساً بالخطوة الأولى التي اتخذتها قبلاً عنها صحيفة الوطن السعودية قبل عام وأكثر.العامان الأخيران في السعودية كانا مخاض تحولات لافتة لم يسبق لهما مثيل في تاريخ المملكة المحافظة، إذ لم تعد أخبار الصفحات الأولى لأي من صحفها الرسمية الثماني حكراً على الرجال فحسب بل أصبحت لا تخلو يومياً من صور نساء سعوديات وهن يرتدين حجابهن الموثق بعناية ويتطلعن إلى نصيب جديد من كعكة الدولة ومناصبها في ظل الحقبة الملكية الجديدة التي يسيرها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز.القنوات الرسمية الأربع في البلاد كذلك لم تعد إلى نهجها المتعلق بتخفيف الظهور النسائي في برامجها ونشرات أخبارها باللغات الحية الثلاث، بل تحولت إلى مناصرة لعمليات الاقتحام النسائي السعودي وصلت إلى تحرير كاميرات الفيديو المباشرة التي أصبحت تصول وتجول في أسواق البلاد مبرزة صور السعوديات بكافة تحولاتهمن واكتشف السعوديون بعدها أن المرأة في بلادهم تمتلك صوتا وصورة وحجابا.إذاً ما الذي حدث داخل المملكة المحافظة لتشهد هذا التحول نحو "ليبرالية الكاميرات"؟الدلائل كلها تشير إلى أن تغييراً كبيراً طرأ على منهجية الإعلام السعودي المتبعة منذ أكثر من ربع قرن والقاضية بتحجيم دور المرأة وظهورها على كل ما يندرج تحت سلطة جهاز الإعلام الرسمي في البلاد، وذلك منذ الاستقبال الشهير الذي كان العاهل السعودي بطله حين استقبل وفدين نسائيين بعد أسابيع من اعتلائه العرش في لفتة تحدث للمرة الأولى في تاريخ مملكته منذ توحيدها على يد أبيه قبل ستة عقود. وكان الملك عبد الله قد أعلن عن زيادة فرص العمل المخصصة للنساء في الوقت الذي كانت فيه جولاته الخارجية تضم وفدا نسائياً ضخماً من صحافيات وأستاذات وسيدات أعمال مما جعل العديد من المثقفات السعوديات يرون أن الحقبة الملكية الجديدة أطلقت "ربيعاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً" في البلاد التي كانت تعاني من سطوة المؤسسة الدينية ومناصريها الذين أضروا بكل محاولات المجتمع في إعطاء المرأة نصيباً من حقوقها. منذ القنبلة الشهيرة التي أطلقها عضو مجلس الشورى السعودي محمد آل زلفة و نادى فيها بضرورة السماح رسمياً للمرأة بقيادة السيارة أصبح الجدل أكثر احتداماً داخل المجالس المحلية في البلاد حول هذه المسألة النسائية الصرفة، خصوصاً وأن هذه القنبلة جاءت تحت قبة البرلمان الذي لا يأبه أغلب المواطنين لنشاطاته إلى أن أصبح محور متابعتهم وأحاديثهم بعد تنامي صلاحيته وتحوله إلى جهة مساءلة وتنفيذ.هذه القنبلة جعلت المجلس نجماً على حين غرّة لدرجة نبهت الكثيرين من أعضاءه كي يكونوا على مستوى الحدث وحمل ملفات شعبية صرفة نحو جلسات المداولات بدلاً عن أن يكونوا "دكة الاحتياط السياسية" للمناصب الوزارية والكراسي العلوية في الحركة السياسية الموسمية داخل المملكة العربية السعودية التي تشهد حراكاً اجتماعياً لم يسبق له مثيل منذ وجودها في شبه جزيرة العرب قبل أكثر من نصف قرن.ومنذ تولي الملك عبدالله حكم بلاده خُفِّفت الرقابة على وسائل الإعلام المحلية وفُتِح باب النقاش في مواضيع كانت تثير حساسية المؤسسة الدينية لعقودٍ من الزمن مثل منع قيادة المرأة للسيارة أو الاختلاط مع الرجال في العمل أو ظهور الصور المتحررة نسبيا لهن، وبدأت النساء السعوديات، اللاتي كن يعرفن خلف حجاب أسود ولا يوجدن، في ظهورهن كمذيعات على شاشات التلفزيونات العربية وتُرى صورهن بشكل يومي في الصحف والمجلات. هذا الانفتاح بخصوص المرأة كان الشبان السعوديون أكثر الفئات المجتمعية حماساً له بشكل لا حد له حتى بلغوا فيه تطرفاً لم يسبق له مثيلا شريطة أن يكون ذلك بعيداً عن نسائهم وقريباتهم، مما يبرز لاعلان حالة الازدواجية التي يعيشها السعوديون وتبدأ منذ بواكير شبابهم عبر نظرية الترقي الدارونية لتصل إلى حدودها الكبرى كلما تقدموا في السن أكثر.وخلال جولاتهما الإقليمية قالت كل من وزيرة الخارجية كوندليزا رايس ووكيلة وزيرة الخارجية كارين هيوز إن المرأة السعودية تحتاج إلى حقوق سياسية أكبر لإحداث تغيير في حياتها، وهي تأتي في سياق دعوات غربية قرعت أجراس الخطر داخل أوساط النساء المحافظات اللاتي يُشككن في تدخل الولايات المتحدة ويحذرن من أن التغيير في وضعهن قد يؤدي إلى ضياع الصبغة الإسلامية لدولتهم.ولكن لمن تقرع الأجراس؟ . مع أنه لا توجد أرقام موضحة حول النسبية العددية للنساء المحافظات إلا أنهن يشكلن مجموعة كبيرة من المجتمع المحلي خصوصاً في المنطقة الوسطى التي تحوي عاصمة الحكم، مما يكذب الفكرة القائلة أن أغلب النساء السعوديات لسن راضيات عن وضعهن وينتظرن أن يحصلن على نصيبهن من الحرية، إذ إنه وعلى العكس من ذلك تماما فإن الكثير من النساء يؤمن بأن الحجاب وعدم قيادة المرأة للسيارة يشكل جزءاً من تطبيقهن للدين الإسلامي. في هذا العام وجد استطلاع للرأي في ثماني دول إسلامية نقلته الواشنطن بوست بأن السعودية فقط هي التي تضم غالبية من النساء اللاتي لا يوافقن على السماح للنساء باستلام مناصب سياسية رغم التلميحات السياسية المتكررة بقرب دخول المرأة السعودية إلى المعترك السياسي من قبل القيادة السياسية في البلاد.وفي الصيف الماضي قدمت 500 امرأة خطاباً إلى الملك عبد الله يطالبنه بحماية البلاد من هجوم الأفكار الغربية التي تستهدف المرأة وأن يبقي على قانون منع قيادة المرأة للسيارة الذي أصدرته وزارة الداخلية السعودية في أوائل التسعينات بعد أن شهدت المملكة أول مظاهرة نسائية في تاريخها للمطالبة بقيادة المرأة.
سعوديات يقتحمن نشرات الأخبار وعناوين الصحف
أخبار متعلقة