أضواء
ظلت العلاقة بين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصحفيين السعوديين يشوبها كثير من التوتر.ويشهد بمستوى هذا التوتر التصريحات «النارية» التي يدلي بها المسؤولون القياديون في الهيئة دائما ضد الصحفيين.وهي تتباين بين الاتهام بالكذب أو الحقد أو تعمد التشويه. ومع هذا يبدو أن هؤلاء المسؤولين يشعرون بضرر هذه العلاقة المتوترة فيحاولون معالجتها بالظهور بمظهر الحريص على إقامة علاقة طيبة مع الصحفيين، وكأنهم بذلك يريدون الإيحاء بأن حسن النية والمبادرة بالرغبة في العلاقة الطيبة يأتيان دائما من الهيئة وأن الصحفيين لا يلقون بالا لهذا الجهد. ومن الشواهد الأخيرة على هذا التضارب في خطاب الهيئة، بين تحميلها الصحفيين المسؤولية عن هذه العلاقة غير الصحية ومحاولة الإيحاء بأنها تمد الجسور بينها وبينهم، تصريح الشيخ إبراهيم الغيث، الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في إجابته عن سؤال أحد الصحفيين عن الفجوة بين الإعلام والهيئة بأنها: «صنعت من قبل بعض من سخروا أقلامهم للنيل من الهيئة» (الوطن، 22 / 12/ 1429هـ). لكنه كان أقل حدة حين دعا في حديث آخر أعضاء «... الهيئة ألا يضيقوا صدراً من انتقادات الكتاب، مضيفاً: «انظروا لها فإذا كان فيكم ما ذكروا فعدلوه، وإن كان ليس فيكم فلا يضرونكم» (الحياة 20 / 12 /2008م). وهناك تصريحات أخرى مشابهة يبدو أن المقصود منها بث الفرقة بين الصحفيين! إذ يوصف بعضهم بأنه يريد الحقيقة وبعضهم لا يريد إلا نشر قالة السوء عن الهيئة. ويبدو أن الصحفي الذي تتمناه الهيئة هو ذاك الذي يتتبع أخبار إنجازاتها وكيل المديح لتصرفاتها. أما الصحفي الذي يريد نقل الوقائع كما حدثت فهو في نظرها لا يقصد إلا الشر بالإسلام والمسلمين. ويجد المتتبع لمظاهر هذه العلاقة الشائكة بين الفريقين أن المسؤولية عنها إنما تقع على المسؤولين في الهيئة أكثر مما تقع على الصحفيين. ذلك أنهم هم الذين يتسببون أكثر من غيرهم في رسم الصورة السلبية للهيئة. ومن الأدلة على ذلك هذه التصريحات المتضاربة التي تشهد بعدم القدرة على التعامل المهني مع الصحافة. وليس الصحفيون مسؤولين عن الصورة السلبية للهيئة عموما؛ فلا أظن المسؤولين فيها ينكرون أن بعض أفراد الهيئة حتى سنوات قليلة جدا كانوا يستخدمون الشدة في معاملة الناس (وبعضهم لا يزال!). ويعتذر أولئك المسؤولون الآن عن تلك المرحلة بأن سبب ذلك أن كثيرا من أعضاء الهيئة كان ينقصهم الفقه في علوم الدين، أو غير متفقهين في شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وليس هناك أكثر قيمة في هذا الشأن من شهادة الشيخ عبد الله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء، الذي صرح في ملتقى «خير أمة» الذي عقد مؤخرا في الرياض بأن كثيرا من أعضاء الهيئة كانوا في «القديم» من قليلي العلم. وتتهم الهيئة الصحفيين بأنهم لا يتحرون الحقيقة حين ينشرون الأخبار المتعلقة بممارساتها، وأنهم يبادرون في نشر تلك الأخبار قبل أن يسعوا إلى استجلاء الأمر من المسؤولين فيها عن تلك الأخبار. وهذا يخالف الواقع؛ ذلك أن الصحفيين يتصلون دائما بأولئك المسؤولين لسؤالهم عن وجهة نظرهم في بعض الأحداث التي تكون الهيئة طرفا فيها، غير أن المسؤولين يعتذرون عن الإدلاء بأي تصريح معللين ذلك بأنهم ليس لديهم معلومات كافية عما حدث أو أنهم ليسوا مخولين بالتصريح. وآخر تجليات هذه الظاهرة الخبر الذي نشرته صحيفة «الحياة» (12/21 /1429هـ) عن تعرض طفل لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره لكسر في ذراعه نتيجة لما ادعاه من تعرضه للضرب من أحد أعضاء الهيئة الذين أركبوه عنوة في سيارتهم. وورد في الخبر أن المسؤولين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رفضوا... التعليق على حادثة الطفل طلال. وفي البداية أكد المدير العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الرياض عثمان العثمان، أنه سيعلق على الموضوع، لكنه لم يعد يجيب على اتصالات «الحياة»، فيما ذكر مدير هيئة الأمر بالمعروف في مدينة الرياض صلاح السعيد في اتصال مع «الحياة»، أنه غير ملزم بالرد أو التعليق على وسائل الإعلام، وطلب الاتصال بالجهات ذات الاختصاص. ودعا إلى تأجيل الموضوع حتى انتهاء ملتقى «خير أمة»...». ويؤكد هذا مهنية الصحفيين في الاتصال بالمعنيين بالأخبار التي يوردون، ويؤكد، في الوقت نفسه، عدم تعاون المسؤولين في الهيئة في كشف الحقائق عبر الصحافة للناس. ويلوم المسؤولون في الهيئة الصحفيين على عدم إيراد أخبار الهيئة على وجهها الصحيح، ويتهمونهم برسم صورة سلبية لها. لكن الواقع يشهد بأن الصحفيين يحضرون فعالياتها ويتتبعون تصريحات المسؤولين فيها ويوردون أخبار تلك الفعاليات وتصريحات المسؤولين عن القضايا المطروحة بدقة. وإذا كان هناك من يسهم في رسم هذه الصورة السلبية للهيئة فهو التصريحات المتناقضة التي تصدر عن المسؤولين فيها. وهو ما يورده الصحفيون بدقة. ومن ذلك ما أوردوه من تلك التصريحات المتضاربة التي أدلى بها كبار المسؤولين في الهيئة مؤخرا، ثم إيرادهم التصريحات التي يتراجع فيها أولئك المسؤولون عنها. ومنها ما أوردته الصحف عن موقف الهيئة من عرض فيلم «مناحي» الذي عرض في جدة مؤخرا. فقد أوضح الرئيس العام للهيئة بأنه: «... لم يؤخذ رأي الهيئة في إنشاء دور للسينما، مؤكداً أنهم يؤيدون منعها، وقال: «يكفي ما تبثه الفضائيات من الشر، فلسنا بحاجة إلى شر إضافي» (الحياة، 12/20 /2008م). وهو ما أشارت إليه «الوطن» (12/22 /1429هـ)؛ إذ تحدث الشيخ الغيث «.. عن بعض الأخطار التي تواجه المجتمع مبينا موقف الهيئة من السينما وقال «نحن نرفض السينما وهي شر وفيها مفسدة، ونحن نسمع الآن عن عرض لفيلم في جدة وكلنا يعلم أن السينما شر لا خير فيها». ولما تراجع الشيخ عن موقفه ذاك أوردت الصحف تصريحاته بهذا الشأن. فقد أورد موقع «العربية نت» (12/23 /1429هـ) تصريحه للصحف السعودية بأنه «... لا يمانع من عرض بعض الأفلام السينمائية إذا كانت تدعو إلى «الخير»،...». وقوله إن «السينما لا مانع منها إذا كانت تستخدم فيما يرضي الله وفي الأشياء المباركة». والمثال الآخر تصريحه الذي أوردته صحيفة الحياة (12/20 /2008م) بأن رئاسة الهيئة: «وقفت... سداً منيعاً لمنع تأنيث محال بيع المستلزمات النسائية». ثم نشرت الصحف بأمانة في يوم تال تراجعه عن تصريحه ذاك. فقد نشرت «الوطن» (12/25 /1429هـ) إيضاح «الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... أن الرئاسة العامة للهيئة لم تقف ضد تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية، وإنما مرادها بالمنع هو ما يخالف قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 187 وتاريخ 7/17 /1426،...» (وهو استشهاد بنظام قديم استبدل به غيره («الوطن»، 12/26 /1429هـ). وترافق تراجعه هذا مع ما يشبه اتهام الصحف بنقل كلامه بصورة مشوهة. إذ «أوضح بيان صادر عن الهيئة أمس أن تأكيد الشيخ الغيث على ما سبق يأتي إشارة إلى ما نشر في بعض الصحف حول موقف الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من تأنيث العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية، والذي يشير إلى أن الرئاسة تقف ضد تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية». ولا تتوقف تصريحات المسؤولين في الهيئة عند هذا الحد. فقد نشرت مجلة «فواصل» (ديسمبر 2008م) مقابلة مطولة مع الشيخ محمد الهويمل، وكيل الرئيس العام للهيئة، أشارت إليها على غلافها بعنوان «وكيل الرئيس العام للهيئة: سنفتح صفحة جديدة مع الإعلام، وعفا الله عما سلف». وهناك كثير من القضايا التي ينبغي التوقف عندها في تلك المقابلة وتتعلق بتاريخ الهيئة، وكفاءة بعض منسوبيها، وإنكار الشيخ الهويمل لبعض الممارسات المشهورة التي تقوم بها الهيئة. وتحدث في إجابات كثيرة عن علاقة الهيئة بالإعلاميين. ويكفي في الدلالة على موقف الهيئة من الإعلام إجابته عن أحد الأسئلة التي تتعلق بعدم تعيين الهيئة ناطقا إعلاميا باسمها «للرد على تساؤلات الصحفيين والإعلاميين في حال الرغبة في التيقن من أمر ما أو قضية قد تثار»، قائلا: «لدينا ناطق رسمي في كل فرع من فروعنا. غير أن التعامل معه وأخذ الخبر اليقين يحتاج إلى وقت، والإعلامي يحتاج إلى السبق الصحفي في الغالب»! ومحصلة القول أن الهيئة هي المسؤولة عما ترى أنه صورة سلبية لها، لا الصحفيون. كما يبدو أنها ترغب في أن تبقي أعمالها سرية مما يشي بحنينها إلى الماضي الذي كانت تتمتع فيه بصلاحية مطلقة وحصانة مانعة من المساءلة. ويشهد بذلك تصريح الشيخ الغيث (الحياة، العدد نفسه) بأنه «... خصص فاكساً سرياً يربطه بالمجتمع، لاستقبال الشكاوى والاقتراحات، موضحاً أنه طلب من جميع مديري الفروع أن يحذوا حذوه». لكن هذا غير ممكن في هذا الزمن الذي تتمتع فيه الصحافة السعودية بهامش واسع من الحرية في النشر جعلها رقيبا واعيا على أداء الأجهزة الحكومية كلها من غير استثناء. [c1]*عن / صحيفة (الوطن) السعودية[/c]