أهل الحديث هم أصل السلفية الوهابية المجسمة ، لا ترى للقرآن الكريم عندهم التعظيم والتقديس الذي يستحقه كتاب الله بالقدر الذي تجده لما يسمونه بـ (الحديث النبوي) فهم يرون أن معظم آيات القرآن منسوخ ، ومعنى منسوخ أي مبطل بالحكم الناسخ له من آية أو حديث، وهذا الناسخ هو المبطل للحكم المنسوخ ! .. وإذا صح قولهم لم يكن القرآن عندهم محكما ! ولم يبالوا برد القرآن العظيم عليهم بقوله : (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلمن حكيم حميد)) (سورة فصلت آية 42) . ولا بقوله تعالى «كتاب أحكمت آياته..» سورة هود اية(1) .. وآيات كثيرة لا مجال لحصرها هنا . وهم يقولون أنهم عرفوا الناسخ والمنسوخ بمعرفة المتقدم والمتأخر من النصوص وبهذا يجعلون القرآن خاضعا لاجتهاداتهم !.. وتجدهم يجتهدون و(بعضهم لبعض ظهير) في تخريج لفظة من حديث أو شرحها، بينما يردون آيات واضحات ولا يعملون بها لأحاديث عارضتها عندهم زعموا ! .مع أن القرآن الكريم يقول عنه الله عز وجل: (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )) ( النساء أية 81 ) ، بينما وقع في الأحاديث اختلاف كثير! ووقع في أسانيدها ورجالها ما لا يكفيه سواد المداد فكيف يغلب الحديث القرآن؟! إلا عند قوم لا يكادون يفقهون حديثا!.وبلغ من جرأة بعض أئمتهم على كتاب الله تطاولا، قول يحيى بن أبي كثير : «السنة قاضية على القرآن، وليس القرآن قاضيا على السنة»!.ويحيى هذا من أضراب ابن شهاب الزهري ، اخرج هذه الرواية سعيد بن منصور في سننه كما في الحاوي للفتاوي للسيوطي مج2ص3، ولما عرض هذا القول على الإمام احمد بن حنبل اكتفى بالرد: لا أجسر أن أقول هذا ! ولكن أقول: السنة تفسر القرآن وتبينه.تُرى لو كان قائل هذا القول القادح في القرآن من غير أهل السنة ماذا كان سيخلع عليه احمد بن حنبل من ألقاب التكفير والفسوق والزندقة؟ والله المستعان.وهذا الحسن بن علي البربهاري يقول في القرآن قولا هو اشد وطئاً وأعظم قيلا ! .. ففي كتابه المسمى بشرح السنة والذي كان اولى ان يسمى بشرح الضلالة ! يقول في صفحة 28: ((القرآن أحوج إلى السنة ، من السنة إلى القرآن؟!)) أي أن كلام الله أحوج إلى الحديث من حاجة الحديث إلى كلام الله !! سبحانك هذا بهتان عظيم ! .أي جرأة على الله هذه وأي سنة يدعو إليها هذا البربهاري الذي وصفه ابن تيمية الحراني بإمام أهل السنة في زمانه !.. وللبربهاري هذا طوام يشيب لها شعر الوليد من تشبيه الله بخلقه وادعائه ان من كفر بحرف واحد من كتابه هذا كان كمن كذب بكتاب الله !. سردت كثيرا عنه في مقالات لي سابقة ولله الحمد.ان القرآن الكريم ارفع درجة من الحديث ، ولو كره السلفيون ! لأنه كتاب أجمعت عليه الأمة بدون منازع ، بينما لا يستطيع احد أن ينفي فقر الحديث إلى السند، وافتقاره إلى الجزم اليقين بأنه عين ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أو يقاربه، وقد جمعه أهل الحديث بعده صلى الله عليه وآله وسلم بعقود.أليس في الحديث عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - انه قال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك!.وأهل الحديث إذا عارض عندهم الحديث كتاب الله -وما أكثره- فان الرد جاهز بان السنة تبين القرآن بل وقاضية عليه بل وهو أحوج إلى الحديث من الحديث القرآن ! بينما يكفي لرد حديث عندهم معارضة من هو أوثق منه من رواة السند ! فتأمل هذا الزيغ لتعرف قدر القرآن عندهم ! .فهم يتناقضون عندما يشترطون لصحة حديث اتصال ثقاته وخلو السند من الشذوذ والعلة القادحة ؟ ترى أي شذوذ أشذ من مخالفة الآي.. وأي قادح أقوى من مصادمة العدل؟!إن العقل عند هؤلاء القوم متهم حتى تثبت براءته ! والسلفية صناعة الامويين وصياغتهم المحكمة والدقيقة لذلك ارتكز فكر السلفية وأهل الحديث على تبرير الواقع الأليم الذي عاشه المسلمون في ظل قهر الظلمة والجبارين من بني أمية، وبدلا من ان يفصلوا النظرية عن التطبيق لتبقى النظرية الإسلامية في غاية السمو ومنزهة عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين، فان السلفية قامت بتبرير الواقع المؤسف الذي هو ليس من صنعهم ولا من مسؤوليتهم ، فصاغوا الصياغات الممجوجة ، وساقوا الروايات المصنوعة لتمجيد الحاكم والدفاع عن (حقه) في نهب المال العام والخاص، وجلد الظهر، وانتهاك الحرمات ! وليس على المظلوم سوى السمع والطاعة ! ونسبوا كل ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي بعثه الله لتحرير الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، هذا الرسول الذي أثبت في ذاكرة التاريخ أروع ملاحم الانتصار للحق والضعيف والمظلوم والقيم الإنسانية - صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله - .وأقول الآن يا سادة: هل تزعمون أن الأحاديث قد اكتملت وتمت روايتها كاملة كالقرآن؟.. أم أنه ذهب بعضها بذهاب الناس؟.. أم أنه قد تم جمع ورواية معظمها؟.. أليس في الاحتمالين الأخيرين يكون الحديث بعد القرآن مرتبة ودرجة وليس معه وحاشا ؟! إذ أن القرآن لم يضع منه حرف واحد كما نعتقد نحن ، لا كما تعتقدون أنتم (!).. فنحن لا نؤمن مطلقاً باختفاء سورة منه بحجم وطول سورة براءة كما في صحيح مسلم وغيره عن أبي موسى الأشعري (!!).. ولا نؤمن مطلقاً - يا سادة - باختفاء أكثر سورة الأحزاب بعد أن كانت تعدل سورة البقرة في الطول (؟!!).. ونحن لا نؤمن مطلقاً - يا سادة - أن سوراً منه رفعت (اختفت) بعد أن تليت (؟؟) وأن سوراً منه فد رفعت (اختفت) قبل أن تنزل وأن تتلى (؟؟!!) . ونحن لا نؤمن مطلقاً - يا سادة - بأن جملة من هذا الكتاب العزيز الذي أحكم الله آياته أو حتى كلمة منه قد أكلها داجن (؟!) أثناء الانشغال بتكفين وتجهيز الجسد الشريف على صاحبه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام (!!).ونحن لا نؤمن - يا سادة - أن آية في رجم الزاني المحصن قد رفعت من القرآن (؟!).. وبقي حكمها بدون دليل عليه من القرآن بعد أن كان موجوداً كما تعتقدون ! .ونحن لا نصدق - يا سادة - الروايات التي تقول أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال : إن في القرآن لحن سوف تقيمه العرب بألسنتها(؟!) عندما وقف على قوله تعالى من سورة النساء: ((والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة...)) فاستغرب فيها عدم المتابعة في جر جمع المذكر السالم لما قيل له جواباً على قوله الآنف أنصلحها في المصحف يا أمير المؤمنين : قال : لا ، سوف تقيمه العرب بألسنتها ( ؟! ) وهذه من المرويات المؤسفة عندكم !! .ونحن لا نصدق أيضاً - يا سادة - أن عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - قال في قوله تعالى من سورة النور : (( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها..)) قال : أخطأ الكاتب إنما هي : حتى تستأذنوا ( ؟! ) . وهو أيضاً من رواياتكم المخجلة !! ذكرها الشوكاني في فتح القدير مج 4 ص 23 عن أكثر من اثني عشر مصدراً منها صحيح الحاكم وشعب الإيمان للبيهقي وابن ابي حاتم وسنن سعيد بن منصور وآخرون . ونحن لا نؤمن - مطلقاً - يا سادة بأن آية السيف: (( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم )) .. التوبة آية - 3 - قد نسخت (114) آية في القرآن كلها تحث على أداء الفضيلة والإحسان والمعروف إلى الناس والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة (!!) .نحن نؤمن إيماناً جازماً لاشك فيه، ولا تبطله روايات بشر يعلم الله أصدقوا أم كذبوا أم أخطأوا ضادت كتاب الله صريحاً وضداً واضحاً بيناً لا لبس فيه، نؤمن أنه كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وأنه كتاب أحكمت آياته، وأنه لا مبدل لكلماته ولا ناسخ لأحكامه سواء من القرآن أو غيره وان لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .. وأنه الكتاب الذي لا ريب فيه وامتن الله به على المؤمنين بقوله : (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) سورة الحجر ، فلم يضع منه حرف ولا كلمة ، ولا جملة ، ولا آيات ولا سورة ولا سور ولم يبدل تبديلا ، وأن السنة النبوية والأحاديث الصحيحة الموافقة للقرآن والتي لا تلغيه أو تبطله هي مناط الإسلام وحقيقة عبادة المسلمين وعليه نلقى الله وبهذا ندين والحمد لله رب العالمين .
القرآن العظيم عند أهل الحديث .. ( ؟! )
أخبار متعلقة