في انتظار المحرم من أجل حركة نسوية عربية
قرأت في الأسابيع الأخيرة مجموعة مقالات أثارت الكآبة في نفسي، كتبتها نساء سعوديات، إحداهن هي المناضلة والكاتبة السعودية وجيهة الحويدر، المعروفة بنضالها القاسي والشرس ضد واقع المرأة في السعودية المخجل بكل المقاييس، ومن أجل الحصول على بعض الحقوق الانسانية البسيطة والأساسية، وهناك كاتبات أخريات طرحن قضايا بالغة الغرابة، لا يصدق انه في قرننا الحادي والعشرين، تتواصل عقليات وقوانين لا يمكن أن نتوقع وجودها في دولة ومجتمع معاصرين..وربما نستهجن وجودها حتى في دول محاكم التفتيش. لن أستعرض كتابات وجيهة الحويدر، تلك البطلة اللبوة التي تحولت إلى مؤسسة متحركة بنضالها ضد تراكم تاريخي للتخلف والاستبداد، الذي يكاد يكون من مجموعة كواكب خارج المجموعة الشمسية. ولكني سأذكر معلومات لم أستطع هضمها تتعامل مع المرأة ما دون الإنسان، ربما ما دون الحيوان الأليف، تتحدث عن سجينات في السعودية أنهين مدة محكوميتهن، ولكن بسبب عدم حضور ما يسمى «محرم» لاستلامها من سجنها، وا لا يطلق سراحها وقد تقضي كل عمرها في السجن، حتى تجد قريباً «محرم» يأتي لتحريرها، ولن يوجد مثل هذا المخلوق. ومن الواضح أن محرمها لا يريدها..لأنها حسب عقلية مجتمعه القبلي تشكل عاراً عليه وعلى عائلته، أو هي طريقة للتخلص من مسؤولية ثقيلة عن «قليلة دين وقليلة عقل»، فالسجن يضمن «شرفها» وكرامة العائلة..وقد تكون جريمتها أنها تحدثت مع رجل في مكان عملها. سبق ان نشر أن امرأة أعمال سعودية، اعتقلت وسجنت مع أحد موظفيها لأنها جلست تشرب فنجان قهوة معه بسبب عطل كهربائي في مؤسستها، وهي فرصة للتشاور حول العمل، لكن في دولة ترى بالمرأة موضوعاً جنسياً فقط، وخطراً متحركاً على الذكور، ومركب عار يجب مراقبته وملاحقته منعا لتلويث شرف القبيلة، يعتبر هذا التصرف الإنساني والأخلاقي، جريمة يعاقب عليها القانون الذي ينفذ من هيئة مشكلة من عقليات انقرضت من عالمنا منذ العصر الحجري الأول. يقولون عن الغرب انه دول كافرة، وعلمانيته تجعلهم من أهل النار..ويقف شيوخ دين طويلو اللحى يفتون بأخلاقيات زواج الأطفال، حتى طفلة بجيل سنة يمكن تزويجها قال طويل اللحية مبرراً ذلك أن والدها قد يكون على سفر ولا يوجد محرم يتحمل مسؤوليتها، والحل هو تزويجها، أما الدخول بها فهذا يترك لمحرمها، أي ربما عندما تبلغ السادسة، وفتاوي ضرب المرأة،، وأحدهم تحدث عن ثلاثة أصناف من النساء، وكأنه يتحدث عن أصناف البطيخ، وكيف يجب ضرب كل صنف بشكل مختلف من أشكال الضرب. وبعض هذه الأصناف صرخ «الله يكون بمساعدة زوجها، تحتاج إلى ضرب مبرح يومياً ليستقيم حالها». لا انتقد المجتمع السعودي..المجتمع هو نتيجة عملية تطور أو «لا تطور»..المسؤولية هي مسؤولية نظام وأجهزة تربية وتعليم وبرامج تربوية وتثقيفية، وقوانين تكفل حقوق الإنسان الأولية من رجال ونساء. إن التوهم بأن الرجل هو العاقل والمرأة هي بنصف عقل، وجعل ذلك قانوناً سائداً، هذا ببساطة انتحار اجتماعي بطيء، يقود المجتمع المصاب به، الى التفكك والى مزيد من التخلف. ربما أموال النفط تعطي «مشروعية اقتصادية» لما يجري، ولكنها مشروعية مزورة ومؤقتة وتحمل في داخلها كتلاً من الانفجارات الاجتماعية والسياسية، وتغطية هذه العقلية بالدين، هو اهانة للدين الذي جاء لتحرير العقول ودفعها للعلم والتقدم الحضاري. التمييز ضد النساء ليس ظاهرة سعودية أو عربية أو اسلامية..انما ظاهرة تاريخية بدأت تتحرر منها البشرية منذ القرن الثامن عشر، مع ظهور فجر الفلسفة النسوية في كتاب ماري فولستونكرافط «مصداقية حقوق النساء»، الذي كتبته معارضة للفيلسوف التنويري جان جاك روسو، والذي رغم رؤيته التنويرية إلا انه اقترح مدارس نسائية أدنى مستوى من مدارس الذكور، اذن دونية المرأة كانت ضاربة عميقا في العقل الإنساني. اما القفزة الكبرى، إذا كان مناسباً أن نطلق هذا التعبير، فكان في كتاب، صديقة العمر للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، الفيلسوفة والكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار في كتابها المشهور «الجنس الثاني» حيث أعلنت أن النسوية هي مجرد قميص مجانين يفرضه الرجال على النساء، وأن على النساء ان يتحررن من أجل انتاج صيغة عن ذاتهن، حول ماذا يعني ان تكوني امرأة. الحركة النسوية التي أطلقتها بقوة سيمون دي بوفوار، تعلن اليوم انه من الناحية الجنسية كلنا نساء ورجالا نولد متشابهين «مثل اللوح الناعم»، اما تعريف هويتنا فنحصل عليها بوقت متأخر أكثر بعد ولادتنا، من المجتمع ومن أهلنا. ان تعليم الأدوار للجنسين، الذكور والاناث، صار اليوم مهمة أكثر تعقيداً من السابق. هل الأدوار و المعرفة التقليدية، تتعلق فقط بالمبنى الاجتماعي الذي أوجده الرجال من أجل الحفاظ على سيطرتهم على النساء؟ او أن الأدوار قررت حسب النظام البيولوجي؟ هذان السؤالان يشغلان حتى اليوم الكثير من الفلاسفة وعلماء النفس، وأعرف انه في الغرب أيضا هناك من يصر على أن التركيبة البيولوجية مقررة في الأدوار، أي اصرار واضح على دونية المرأة. والقصد هنا يختلف عن المنهج الوهابي السعودي من دونية المرأة، حيث تنزل قيمتها الى ما دون المخلوق البشري، القصد هنا انساني أكثر بمعنى ان طبيعة المرأة أكثر انسانية من طبيعة الرجل وهذا يعطيها دوراً اجتماعياً وسياسياً مختلفاً ولا يمكن ان يستبدل بدور الرجل. فمثلاً لو واجه لاعب كرة قدم إشكالية بين أن ينقذ طفلا أو يمنع تسجيل هدف في مرمى فريقه يختار منع تسجيل الهدف..المرأة بنفس الحالة تختار إنقاذ الطفل. وربما هذا ما قصده فرويد عندما قال ان ما يقرر بالأدوار هو مبنى الجسم النسوي بقوله أن «الأنطوميا هي المصير» (الانطوميا ـ علم التشريح) موضحا أن مبنى جسم المرأة يحدد دورها في المجتمع، ولكنه لم يشرح فكرته. ويجب التمييز بين رؤية فرويد والرؤية القروسطية السائدة في الفكر الأصولي الإسلامي؛ ففرويد لم يشرح قصده، ولكن من نظرة إلى مجتمعه، نفهم انه كان يقصد ان هناك وظائف ملائمة للمرأة أكثر مما هي ملائمة للرجل والعكس صحيح. ومع كل رفض الحركة النسوية لهذه العقلية التمييزية، يمكن الوصول إلى حقوق انسانية متساوية. مع عقلية المحرم لا يمكن الوصول إلا إلى قبر المرأة اجتماعياً وإنسانيا. مثلاً عدد الطبيبات في الولايات المتحدة يساوي تقريباً نصف عدد الأطباء، في روسيا أكثر من ثلثي عدد العاملين بمجال الصحة هم من النساء. تخيلوا لو أن كل طبيبة أو عاملة صحية، رافقها محرمها في الدراسة والتجول والسفر والعمل وغرفة الجراحة، وكل اختلاء برجل، حتى مع طبيب للتشاور يقود إلى السجن والجلد، وربما لو شاركت متسابقات سعوديات في سباق الجري في الأولمبيادة مثلا، لركضت كل متسابقة ومحرمها يركض الى جانبها. والله لا أضحك، انما ابكي! وانتقد الفيلسوف الأميركي توماس كاتكرت، نظرية فرويد، بقوله هل يعني ذلك ان دور الرجال يحدد أيضاً بيولوجيا؟ مثلاً، هل مبنى أجسام الرجال، يقرر لهم سلفاً ان يستعملوا مقاييس بدائية في خيارهم للزوجة؟ وأعطى الفيلسوف الأميركي هذه القصة ليشرح بوضوح أكثر موقفه وقال «ظهر الله لآدم وحواء في الجنة، وقال لهما انه توجد لديه هديتان، هدية لكل واحد منهما، وطلب منهما ان يقررا من يحصل على كل هدية، وقال الهدية الأولى هي القدرة على التبول بالوقوف. آدم صرخ أولا دون تفكير: التبول وانا واقف، عظيم، هذا مغرٍ جدا، انا اريد هذه الهدية. قال له الرب: حسنا هذه لك يا آدم، اما انت يا حواء فتحصلين على الهدية الثانية، القدرة على الوصول الى المتعة الجنسية مرات كثيرة». [c1]بيولوجياً من الرابح؟ [/c]أن النتائج الملموسة لنضال الحركات النسوية اجتماعياً وسياسياً وقانونياً كثيرة، ليس فقط في حق التصويت وقوانين العمل التي تعطي المرأة شروطاً أفضل بحالة الحمل مثلا، والقوانين التي تتعامل مع الاعتداءات الجنسية وجرائم القتل بحجة الشرف..انما وهذا الأهم، جعل المرأة تحمل مسؤولية مجتمعها ليس أقل من الرجل، وصارت قادرة على الوصول لأي منصب في مجتمعها. بالطبع بدون محرم يعد عليها أنفاسها، باعتبار أنها حتما سترتكب خطيئة، بينما الرجل، الله يبارك، أخلاق مثل المسك، لا ينظر يميناً ولا شمالاً، ولا يتزوج زواج الفرند والسياحة والمتعة والمسيار وعشرين نوعا آخر، ولا يوجد أفضل منه لتمويل مواخير الغرب الكافر الذي يرفض أن يتمثل بأعياده وعاداته والعابه ومناسباته ويناصبهم العداء في إقامته بينهم، فقط في المواخير يصبح غربيا ابن غربي ومن شة نسوية عربية، ولا بد أن تكون علمانية، تحطم أصنام الوثنية الفكرية في العالم العربي؟ [c1]* كاتبة وباحثة اجتماعية فلسطينية تقيم في قبرص [/c]