صباح الخير
محمد عبدالجليلالسؤال الكبير الذي طرحه علينا البردوني، لايزال بدون اجابة عملية حين قال: لماذا الذي كان لازال يأتي..؟، والسؤال المرادف له يمكن ان يكون : لماذا لم نغادر دوائر تخلفنا الاقتصادي - الاجتماعي والثقافي والسياسي حتى الآن..؟في محاولتي للاجابة عن هذه الاسئلة وغيرها، اقول : اننا كذلك لاننا كنا دائما نرحل مشاكلنا ونعلقها على مشاجب الآخرين: الامبريالية والاستعمار والرجعية والصهيونية، حتى لو صحت تلك الفتاوى لمدة من الزمن، مع يقيني ان اشكالية تخلفنا واستمرارنا في الدوران في حلقات مفرغة من الصراعات الوهمية والثانوية هو وراء عدم تقدمنا وتطورنا خطوات عملية الى الامام، وعدم مواجهة الذات مواجهة حقيقية، عن قصورنا الذاتي، وفي اعادة بناء هذه الذات من جديد.والحقيقة ان هذه الحالة، هي حالة العرب والمسلمين وبلدان مايسمى بالعالم الثالث عامة، التي استهلكتها الصراعات الاهلية الداخلية، وحرمتها هذه الصراعات من نعمة الاستقرار السياسي والاجتماعي، وفي التوجه نحو بناء اقتصادها بناء مستقلا لمصلحة كل ابنائها.وظلت هذه البلدان مجرد اسواق استهلاكية، لاتنتج لنفسها شيئا، ومواردها الطبيعية تباع بارخص الاثمان، وشعوب هذه البلدان ظلت مسلوبة الارادة لاتحرك ساكنا.ان صراعنا الحقيقي الذي ينبغي ان نوجه اليه شعوبنا، هو صراعنا مع الطبيعة الجدباء ومع العقول الاكثر جدبا ومع التفكير المسطح السائد بيننا، بدلا عن استقبال الافكار المدمرة، المصدرة لنا من الآخرين : من افكار العولمة والاقتصاد الحر، كما يدعون، وفي تحويل مؤسساتنا الانتاجية الكبيرة الى الخصخصة.لقد شبت شعوبنا عن الطوق، ولم تعد رهينة للآخر تحت اي مسمى، وكل مانحتاجه هو عقول استراتيجية، تقودنا الى بر الامان، وتجنبنا التبعية للآخر، وكسر (عقدة الخواجة) التي سيطرت على البعض منا ردحا من الزمن، وعقدة الخوف من سطوة الآخر وقوته الموهومة.علينا اليوم الغاء المعادلات السياسية السابقة والتوازنات المناطقية والقبلية والمذهبية الدينية، لتوحدنا كوطنيين مصالحنا وحاجاتنا واهدافنا المشتركة وحقوقنا وحرياتنا المتوازنة بعيدا عن نزعة الاستئثار والاستحواذ، والاحتكام الى الدساتير والقوانين والنظم، التي يشارك الشعب في صياغتها وتطبيقها بصورة مباشرة، علينا ان نعي ترتيب اولوياتنا، فيماهو مهم وماهو اهم فمواردنا الطبيعية يجب ان توجه للتنمية الزراعية، لنأكل مما نزرع، و بعدها نضع كل مانحتاج، علينا ان نحسن نوعية التعليم والرعاية الصحية ونوفر العمل لكل مواطن وكذا السكن وكل الخدمات الاجتماعية الاخرى، ونوفر دخلا لكل مواطن يضمن له مقومات حياة انسانية كريمة، ونحد من كثرة الانجاب، عندها سنكون قد خطونا الخطوة الاولى على طريق النماء والارتقاء والازدهار الاقتصادي والاجتماعي.ومن هنا سنبدأ بالاجابة عن سؤال البردوني، والذي كان لن يعود ابدا، ومانريده لابد ان يكون، المهم ان نبدأ الآن، لان لاخيار لنا غير هذا ودونه البقاء في المستنقع الآسن نفسه، وقد قطعنا شوطا على هذا الطريق، وعلينا ان نواصل دون توقف، المهم ان يعي الجميع هذه الرسالة التاريخية ويشاركون بفعالية فيها، وبروح اقتحامية عالية، ودون تردد او وجل، فمصيرنا ومستقبلنا مرهون بانعطافاتنا الراهنة.