للمرة الثانية، منذ استئناف العملية الديمقراطية في عام 1989، يهرب «الإخوان المسلون» الأردنيون من تفاقم أزمتهم الداخلية إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة والسعي لتبرير هذا الهروب بافتعال إشكالات مع الحكومة الأردنية غير مقنعة لا لهم ولا للأردنيين ففي عام 1997 لم يجد هؤلاء ما يلوذون به من خلافات تنظيمية وسياسية واختلافات على الهوية الوطنية، أخفقوا في مواجهتها، إلا بالاستنكاف عن ممارسة استحقاق ديمقراطي والتذرع بحجج واهية لا علاقة لها بهذه الانتخابات ولا وجود لها أساسا على أرض الواقع.ومشكلة «إخوان» الأردن الذين كانوا اتخذوا قرارا في مطلع هذا الشهر بمقاطعة الانتخابات التشريعية، التي تقرر إجراؤها في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، أنهم يتناسون دائما وأبدا أن الأردن هو الدولة الوحيدة في العالم بأسره التي تعترف بشرعية وجودهم والتي خلافا حتى للقوانين الأردنية تسمح لهم بممارسة العمل السياسي من خلال حزبين هما في حقيقة الأمر وجهان لعملة واحدة (الأول هو جماعة الإخوان المسلمين وهي امتداد لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، والثاني هو حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يشكل ذراعها التنظيمية الشكلية لممارسة الأنشطة السياسية).في مصر بقيت جماعة الإخوان المسلمين «تجاهد» وتناضل ويدخل قادتها السجون ويخرجون منها، في وجبات متلاحقة، من أجل الاعتراف بهم كحزب سياسي على قدم المساواة مع الأحزاب السياسية الأخرى لكنها لم تدرك هذه الغاية رغم أن تأسيسها يعود إلى عشرينات القرن الماضي، وفي سورية فإن الانتماء إلى هذه الجماعة بقي يعتبر منذ انقلاب الثامن من مارس (آذار) عام 1963 جريمة سياسية يعاقب مرتكبها بالإعدام، لكن ومع ذلك فإن «إخوان» الأردن يتجاهلون كل هذا ويتخذون كل هذه المواقف العدائية التي اتخذوها ولا يزالون ضد الحكومات المتعددة التي تناوبت على مزاولة السلطة التنفيذية منذ بدايات تسعينات القرن الماضي وهم ينحازون في بعض الأحيان ضد «بلدهم» لحساب جارته الشمالية.كل المتابعين في العالم العربي والعالم الإسلامي، بل والمتابعين لأوضاع الشرق الأوسط في العالم كله، يعرفون أن الإخوان المسلمين في الأردن، قبل أن يتخذوا قرار مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة الذي اتخذوه قبل أيام، قد قادتهم أزمتهم السياسية والتنظيمية وهي أزمة هوية وطنية إلى حافة الانقسام والمفاصلة وأنهم بشق الأنفس وبعد تدخل متواصل من قيادة التنظيم العالمي لهذه الجماعة تمكنوا من تجنب هذا الانقسام وتأجيله مؤقتا من خلال الاتفاق على صيغة توفيقية، غير متوقع أن يكتب لها النجاح، بين أطرهم القيادية العليا.ولمزيد من الإيضاح على هذا الجانب فإنه لا بد من الإشارة إلى أن شياطين الإقليمية البغيضة قد بدأت تغزو ساحة «إخوان» الأردن التنظيمية والسياسية في أعقاب ظهور حركة حماس متأخرة جدا في ساحة العمل الفلسطيني فـ«الإخوانيون» من أصول فلسطينية انحازوا بمعظمهم إلى هذه الحركة وتمسكوا بأن من حقها أن يكون لها الوجود الفاعل الذي تريده في المملكة الأردنية الهاشمية وعلى غرار ما كان عليه وجود «المقاومة» قبل أحداث سبتمبر (أيلول) عام 1970 المعروفة بينما «الإخوانيون» الأردنيون تمسكوا بضرورة أن تكون جماعة الإخوان المسلمين ووجه عملتها الآخر حزب جبهة العمل الإسلامي تنظيما أردنيا هويته الوطنية أردنية وهكذا فقد أصبح هناك داخل هذه الجماعة وداخل هذا الحزب تياران ليسا متعارضين فقط وإنما متناقضان وقد وصل التصادم السياسي بينهما ذروته عندما بادرت حكومة سابقة إلى إبعاد خالد مشعل ومعه بعض زملائه عن الأراضي الأردنية بعد تمادي حركة المقاومة الإسلامية في التدخل في شؤون الأردن الداخلية.كان رأي «الإخوانيين» الأردنيين ولا يزال أن حماس حركة تحرر وطنية فلسطينية وأنه من حقها على إخوانها الأردنيين أن يقدموا لها الدعم والمساندة لتواصل «جهادها» ونضالها على أرض فلسطين وأنه ليس من حقها، ما دام أن العرب قد اتخذوا ذلك القرار الذي اتخذوه في قمة الرباط عام 1974 بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني وما دام أن وحدة عام 1950 بين الضفة الشرقية والضفة الغربية بناء على قرار فك الارتباط عام 1988 لم تعد قائمة، لا أن تتواجد تنظيميا وسياسيا وعسكريا في الأردن ولا أن تتدخل في الشؤون الداخلية الأردنية.أما «الإخوانيون» من أصول فلسطينية فلأنهم، كما يقولون، يرفضون قرار قمة الرباط الذي اعترف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ولأنهم يرفضون، كما يقولون أيضا، قرار فك الارتباط الآنف الذكر ويعتبرونه مخالفا للدستور الأردني ولأنهم بالتالي يعتبرون أن وحدة الضفتين، الضفة الغربية والضفة الشرقية، لا تزال قائمة فإنهم يعتبرون أن حركة حماس جزء منهم، أي جزء من جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، وأنهم (أي «إخوان» الأردن) جزء منها، وبالتالي فإنه يحق لها التمتع بحرية العمل التنظيمي والسياسي والعسكري على الساحة الأردنية.وهكذا فإن هذه هي حقيقة الخلاف المتأجج داخل «إخوان» الأردن وحزبهم، حزب جبهة العمل الإسلامي، فالمسألة ليست مجرد تعارض تنظيمي وسياسي لم تنج منه حتى أكثر الأحزاب الستالينية متانة وحديدية بل هو خلاف واختلاف على الهوية الوطنية، والمسألة أيضا ليست مسألة اعتراض على معاهدة عربة أدت إلى نهاية شهر العسل الطويل بين هذه الجماعة وبين الدولة الأردنية كدولة، بل لأن هذه الدولة، من خلال كل حكوماتها التي تعاقبت على السلطة التنفيذية منذ توقيع هذه الاتفاقية عام 1994، انتقلت إلى التمايز وباتت تصر على أن هويتها الوطنية هوية أردنية وأنه من حق الشعب الفلسطيني من منه في وطنه ومن منه يعيش في الشتات أن تكون له هويته الوطنية حتى قبل قيام دولته المستقلة المنشودة على كل الأراضي الفلسطينية التي احتلت في حرب عام 1967.وبالتالي فإن هذه هي حقيقة الخلفية التي وقفت خلف قرار «إخوان» الأردن وحزبهم، حزب جبهة العمل الإسلامي، بمقاطعة الانتخابات البرلمانية الأردنية المقبلة فالمسألة ليست مسألة الاعتراض على قانون الصوت الواحد ولا مسألة الخوف من تزوير انتخابات التاسع من نوفمبر المقبل، إنها مسألة الخلاف على الهوية الوطنية حيث تأكد معتدلو هذه الجماعة وهم بغالبيتهم ممن يعتبرون من ذوي الأصول الأردنية أن وصول العدد الذي قد يصل إلى البرلمان من الإخوان المسلمين سيكون بمثابة رأس جسر لحماس ولمن يقفون وراء حماس في هذا البرلمان الذي من المفترض أنه أردني ولا يدخله من لا يلتزم بالهوية الوطنية الأردنية.وبالطبع فإن معتدلي هذه الجماعة حسب التقديرات وحسب المعلومات أيضا قد اتبعوا «تكتيكا» ذكيا لإحباط محاولة خالد مشعل للوصول إلى البرلمان الأردني بدعوتهم لمقاطعة هذه الانتخابات حيث اضطر متشددو هذه الجماعة إلى الاستجابة الفورية لهذه الدعوة من قبيل المزايدة على زملائهم المعتدلين من جهة، ومن قبيل تجنب اتهامهم من قبل قواعدهم بأنهم منسجمون مع توجهات الحكومات الأردنية من جهة ثانية.[c1] وزير الإعلام الأردني الأسبق
«إخوان» الأردن.. سبب «المقاطعة» أزمة الهوية الوطنية
أخبار متعلقة