خلافاً لغيرها من أقاليم البسيطة فان تشرين الأول في هذه الربوع من الأرض اليمنية هو موسم البذار، ففيما تتساقط الأوراق في تشرين في الجغرافيا وفي الشعر في كثير من الأماكن والنفوس فان تشرين هذه الحسان اليمانيات في الجنوب والشرق يبدأ بالازدهار والتفتح، يبدأ بالبذور والغرس، يأخذ في إعلان ميلاد حياة جديدة، يدخل في البدايات الذاتية فيما تبدأ نهايات الآخرين.تشرين في جبال ردفان غيره في غابات نونتنجهام، ففيما تتساقط الأوراق الصفراء هناك، فان صخور ردفان تأخذ في اطلاع زهورها القرمزية رجالاً وبنادق.راجح لبوزة والرفاق والآخرون القادمون من مراسم سبتمبر الفائحة بالخروج اليماني الكبير، الرؤوس المعصوبة بنسائم الحرية التي أخذت تهب على سفح صنعاء، وعلى ضفاف النيل وقمم الأوراس.. أكثر من مئة وعشرين عاماً من الاحتلال لم تستطع ان تلغي الذاكرة التاريخية لهذه الجبال العربية مئة وعشرون عاماً من الاحتلال لم تستطع أن تنزع عن صخورنا الاسماء ولا الاحلام ولا الأشعار.. مئة وعشرون عاماً لم تستطع ان تنزع من هذا التراب اليمني انتماءه وهويته، فللجبال كما للجباه سمرتها، وللمياه كما للدماء تدفقها.. وللوديان.. وللبحار.. أزليتها العربية وأبديتها اليمنية.حجارة من البأساء والضراء، وديان من الجوع المتدثر بجلود الماعز، صباحات تسحب ثاراتها ودماءها عبر دروب الزمن المتجعد تحت أشجار السدر والأمل، أطفال يسابقون الرصاص والرمد وضوء النهار المثقل بالأخبار عن الدول والجيوش والسفن والقوافل التي لا تصل.من بين أظافر الإصرار والغضب الساخر، تتبجس سيول تجتاح الأودية والسهول، دماء تشتعل في القمم والسفوح قرون من المعاناة تظل على هذا الركن من جزيرة العرب .. قيل هم الصعاليك، قيل هم القرامطة، قيل هم البلاشفة.. قيل هم الذئاب الحمر.وكانت ثورتهم تجيب: نحن عناق التاريخ للجغرافيا، نحن امتزاج الشعر بالرصاص، نحن التحام العروبة بآمالها، نحن النسغ ونحن الجذور، نحن الحقيقة العربية في تجليها اليماني، نحن الحقيقة اليمنية في بهائها العربي.. نحن الإنسانية في ارتقائها الشامخ إلى عرش الخلاص الحقيقي والسلام النهائي.كان أكتوبر اليماني المنطلق من قمم ردفان هو الخروج من أطمار العصور البالية إلى نور الحرية والمعرفة، هو الصعود إلى العصر والوطن والامجاد الكبرى.
أوراق أكتوبرية
أخبار متعلقة