في الذكرى السابعة والأربعين لثورة 26 سبتمبر المجيدة
قامت ثورة 26 سبتمبر المجيدة، ونال الشعب حريته وكرامته بعد نضال وكفاح مريرين وتمكن الشعب اليمني من تطبيق أهداف الثورة، فيما يتعلق برفع مستوى الشعب على الصعد الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية إذ تجلى كل هذا من خلال إيلاء أهمية للتنمية البشرية ونشر الوعي بين صفوف الجماهير، والعمل على اجتثاث الأمية وإنشاء وزارتي التربية والتعليم والإعلام والثقافة.لقد شهدت اليمن بعد قيام الثورة وانتصارها عام 1962م حتى اليوم تطورات كبيرة وعلى كل المستويات وتحققت انجازات يصعب الحديث عنها بمجرد كتابة مقالة هنا أو هناك، لكنني في هذه المقالة سأكتفي بالمنجز الأكبر والأهم لهذه الثورة السبتمبرية ألا وهو الوحدة اليمنية.لم تكن ثورة سبتمبر ضد النظام الإمامي فحسب، لكنها ضد الاستعمار الأجنبي الذي كان يحتل الشطر الجنوبي من الأرض اليمنية آنذاك، ولهذا كان نص مطلع الهدف الأول على التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما لان الاستعمار البريطاني ومن كان معه كانوا على إدراك بما أعلنه الثوار وبما تسعى الى تحقيقه الثورة، ولهذا نجدهم ومنذ اللحظة الأولى قد كشروا عن أنيابهم وأعلنوا عن عدائهم السافر منذ اللحظات الأولى لقيام النظام الجمهوري، ومن أجل ان تحافظ بريطانيا على تواجدها الاستعماري ومصالحها في اليمن أخذت تعمل على صعيدين:الصعيد الأول: دعم القوى الإقطاعية والمشيخية في الجنوب لتعزيز عدائها ضد النظام الجمهوري، وجعلت من إمارة بيحان مركزاً للقوات المعادية للثورة.الصعيد الثاني: دخلت في مناورات سياسية مع النظام الجمهوري مقابل عدم مطالبته بخروج القوات البريطانية من الجنوب، وعلى الأخص من مدينة عدن.وعندما رفض هذا الطلب بدأت بريطانيا تفسر وقوفها إلى جانب القوات الملكية والرجعية وعدم اعترافها بالنظام الجمهوري وبأن هذا النظام لم يتمكن من السيطرة على الأراضي اليمنية وبأنه لولا الوجود المصري لسقط النظام الجمهوري، غير ان هذه الهجمة البريطانية الشرسة لم تثن ثورة 26 سبتمبر عن مواصلة مسيرتها وتحقيق أهدافها فاستمرت في تقديم الدعم والمساندة لثورة 14 أكتوبر وشكلت القاعدة الخلفية لهذه الثورة التي واصلت النضال المسلح باعتباره أعلى أشكال النضال حتى تمكنت من دحر المستعمر وتحرير الوطن.مما لا شك فيه ان ثورة 26 سبتمبر كانت قد شكلت أهم منعطف في تاريخ اليمن المعاصر وأول انجاز حقيقي نحو توحيد الوطن المجزأ وبناء الدولة الواحدة على كامل ترابه.لقد نص الهدف الخامس من أهداف الثورة على ضرورة العمل على تحقيق الوحدة الوطنية ضمن الوحدة العربية الشاملة، وعبارة الوحدة الوطنية لم تكن تحمل عند الضباط الأحرار سوى معنى واحداً ومحدداً، وهو العمل من أجل تحقيق الوحدة اليمنية كخطوة أولية نحو الوحدة العربية الشاملة.لقد ميزت ثورة 26 سبتمبر بين الوحدة كشعار والوحدة كانجاز، وأكدت أهمية الترابط الجدلي بين الوحدة ومحتواها الاجتماعي، ولذا ربطت الوحدة العربية بالشروط التالية:1. ان يتم أولاً انجاز الوحدة اليمنية باعتبارها خطوة أساسية نحو الوحدة العربية.2. ان تكون الوحدة العربية المنشودة وحدة شعبية تعبر عن طموح جماهير الشعب العربي وبمشاركتها، باعتبار أن الجماهير التي تسهم بقناعة في انجاز وحدتها كفيلة بحمايتها والدفاع عنها.3. أن تكون ديمقراطية، بمعنى ان لا تفرضها قيادة وان لا تنتهك الأسس الديمقراطية لقيامها وان تتم في ظل توا فر الحوار والحريات الديمقراطية وتتوا فر لها الأسس الموضوعية لكي تبنى وتستمر. [c1]منجزات الوحدة اليمنية [/c] تسعة عشر عاماً انقضت من عمر الوحدة اليمنية مليئة بالمنجزات وهنا أشير إلى بعضها للدلالة على المنجز العظيم الأكبر الوحدة اليمنية:1 - إن قياس تطور الدول يتم عبر عدد من المعايير يأتي في مقدمتها مستوى البنية التحتية التي تساعد على إيصال باقي الخدمات إلى مستحقيها، ومن خلال هذا المفهوم قامت الجمهورية اليمنية بإيلاء أهمية كبيرة لعملية إنشاء الطرق في كل محافظة من المحافظات بحيث أصبح من السهل التنقل من محافظة إلى محافظة وفي وقت اقصر وفي وضع أكثر أماناً للمواطن، ولم يقتصر الاهتمام على الداخل فقط وإنما تعدى ذلك إلى شق الطرق في خطوط ربط دولية.2 - قطاع الاتصالات حظي باهتمام كبير باعتباره عنصراً مهماً من عناصر التقدم والنهوض وتقريب المسافات بين شعوب العالم، حيث حرصت الحكومة اليمنية على مواكبة التطورات المتسارعة في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات التي شهدها العالم، وضمن التصنيف الدولي صنف اليمن بأنه من أفضل الدول التي واكبت تطورات التكنولوجيا وتقنية المعلومات، والقطاع الاتصالي الرائد في الساحة العربية.3 - حصل نهوض تعليمي وجامعي متزايد ومتميز، وشهد التعليم الفني والتدريب المهني تطورات وإنجازات كبيرة، وفقط للدلالة على ذلك، فقد كان عدد المعاهد الفنية والتقنية عام 1990م ستة معاهد موزعة على ست محافظات وأصبح عدد هذه المعاهد اليوم سبعة وستين مؤسسة تدريبية وتعليمية موزعة على مختلف محافظات الجمهورية.4 - جرى الاهتمام بالثروة السمكية، حيث يمثل القطاع السمكي أحد أهم القطاعات الإنتاجية في اليمن ويحتل المركز الثاني من حيث نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بعد القطاع النفطي، التعويل عليه ليقود تغييراً حقيقياً في هيكل الاقتصاد الوطني مستقبلاً نظراً لما تمتلكه اليمن من ثروة سمكية هائلة. لهذا عملت الحكومة اليمنية على تخصيص نفقات طائلة لتطوير القطاع السمكي حيث ركز اهتمامها على توفير مقومات النهوض لهذا القطاع من خلال توفير البنى التحتية وتنظيم الاصطياد في المياه الإقليمية وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال.5 - اهتمام خاص بقطاع الموانئ والملاحة، حيث شهد هذا القطاع تطوراً ملموساً وإنجازاً بارزاً تظهر نتائجه من المؤشرات والأرقام التي تبين نسب الزيادة الكبيرة في الحركة الملاحية والتجارية والأنشطة العملية داخل الموانئ والمراسي اليمنية، حيث تم استحداث الرافعات الجسرية وحاضنات الحاويات والقاطرات وتزويد أرصفة الموانئ بالعربات وشاحنات النقل لتسهيل حركة النقل، كما تم إنشاء وتأهيل الألسن والأرصفة التجارية والسياحية وتعميق بعض المراسي لتكون مهيأة لاستقبال السفن الكبيرة، وفي هذا السياق جاء إنشاء المنطقة الحرة في عدن والتي تعتبر منجزاً مهماً من منجزات الوحدة اليمنية.6 - السياحة - صناعة اقتصادية : شهدت السياحة اليمنية خلال سنوات الوحدة حضوراً واسعاً في الساحة العالمية نظراً لما تتميز به من مقومات ومزايا فريدة مكنتها من المشاركة الدولية، ونظراً لتنوع البيئة السياحية في اليمن فإن الكثير من المراقبين والمهتمين الاقتصاديين يتوقعون تنامياً ملحوظاً للاستثمار السياحي ليصبح رافداً مهماً للاقتصاد الوطني.7 - قيام حكم محلي واسع الصلاحيات هو استكمال لبنية النظام الجمهوري : غني عن القول إن انتخاب المحافظين بما يعنيه من تجذير لتجربة الحكم المحلي واسع الصلاحيات إنما يعني أن التجربة قد قطعت شوطاً في تنفيذ برنامج فخامة الرئيس / علي عبدالله صالح الانتخابي وهو منظومة متكاملة من الإصلاحات بما في ذلك مبادرة فخامة الرئيس بإصلاح وتطوير النظام السياسي، إن مبادرة فخامة الرئيس في إقامة الحكم المحلي واسع الصلاحيات تهدف إلى تطوير آلية السلطة المحلية بعد أن نجحت تجربة المجالس المحلية وترسخت تقاليدها بانتخابها المباشر من قبل المواطنين وتأصلت فيها دلالة المشاركة الشعبية في صناعة القرار.8 - تطوير التشريعات والمضامين الحقوقية : إن التطور الذي طرأ على مضامين التشريعات اليمنية كبير ويعكس صدق توجه القيادة السياسية صوب احترام الحقوق والحريات العامة ابتداءً من إقرار مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في كامل الحقوق والواجبات العامة، واحترام مواثيق الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان ومنح المواطن حق الإسهام في عمليات البناء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتكوين الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وحق امتلاك الصحف والتعبير على صفحاتها عن الرأي والرأي الآخر، تجربة غير مقيدة إلا بالقانون الذي يعد الضمانة الأساسية لحقوق الجميع.9) مشاركة أوسع وتمكين أكبر للمرأة في كافة الميادين وهذا يظهر من خلال:- تشجيع مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة.- زيادة نصيب المرأة في شغل المناصب الوزارية والدبلوماسية والقيادية في مؤسسات وأجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدني.- إزالة مظاهر التمييز والاختلالات المؤسسية والتشريعية التي تحد من دور المرأة في عملية التنمية.- تشجيع تعليم الفتاة.- التوسع في برامج محو الأمية وتنمية المهارات الحياتية للمرأة الريفية.- العمل على إنجاز التشريعات القانونية الكفيلة بحماية المرأة من كافة أشكال التعسف والاستغلال.- التوسع في إنشاء دور الحضانة لتمكين النساء العاملات من الاستقرار الوظيفي.الوحدة اليمنية التي تحققت في 22 مايو 1990م وهي الهدف السامي لثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر، وحدة الأرض والإنسان والقوة، كانت وما زالت نواة للوحدة العربية المنشودة.الوحدة اليمنية كانت ميزاناً لاستعادة الوجه الشرعي لليمن الموحد الذي عانى طويلاً من ويلات التشطير، واليوم وفي الذكرى السابعة والأربعين لثورة سبتمبر المجيدة يزداد تمسك اليمنيين بالوحدة لأنها زادتهم قوة وتماسكاً وحازوا بها على احترام العالم أجمع.لقد تجذرت الوحدة وترسخت مفاهيمها في أوساط المجتمع، وأصبحت قوية وقادرة على مواجهة التحديات التي تستهدف النيل منها.[c1]المراجع:[/c]1) الوحدة اليمنية قصاصات من التاريخ والمهام الراهنة، علي ثابت.2) اليمن الجديد، العدد التاسع سبتمبر 1987م، نحو رؤية جديدة لفهم خصائص الثورة، د. أحمد صالح الصياد.3) الوحدة اليمنية - الواقع وآفاق المستقبل، مجلة سبأ العدد التاسع، الشيخ الدكتور/ خالد بن محمد القاسمي، محاضرة في جامعة عدن 6 /5/ 2000م.4) صحيفة (14 أكتوبر) ملحق خاص بالعيد الوطني الـ 18، 22 /5/ 2008م.5) صحيفة الجمهورية، حلقة نقاش مع جامعة عدن، العدد (14082)، 22/5/2008م.