قصة قصيرة
الإهداء : "إلى الذين يعيشون ليالي طويلة كهذه دون دواءٍ أو طبيبٍ.. مواساة وبشرى وأملاً"تمنيت أن أنام.. الساعة الآن الثانية بعد منتصف الليل .. قلبي يرجف كعصفور ذبيح.. كسجين يريد أن يخرج من سجنه إلى فضاء الحرية.. وقواي تزداد ضعفًا.. وأنا أتقلب على فراشٍ ضجرٍ تطوف حوله الفئران متسترة بجلباب الظلمة تبحث عن طعامٍ هنا وهناك.حاولت أن أنهض من فراشي مرارًا.. ولكن لم يكن ذلك ممكنًا.. قدماي قالبان من الحديد.. يداي مسمرتان بالأرض.. وجذعي قلعة قلعة صيرة .. لكنها الآن في غرفةٍ سوداء ضيقة مع سعتها.. خانقة مع تهوئتها.يا إلهي !!.. إنقذني!!قلت كمن تنفس تحت الماء.. لم يسمعني أحد من النائمين حولي، ولم أحب في هذه الليلة أن ينزعج أحد مني.. فقد طال عناؤهم من مرضي وأنيني.. وحدها الفئران تدافعت إلى الخارج.. لكنهم سرعان ما عادوا.. ثم اشتدت حركتهم .. حدقت فيهم.. كانوا في هذه المرة على غير عادتهم.. خلعوا عنهم الخوف والحذر.. أسنانهم لا تدع شيئًا.. حتى فراشي!!.آح يا مجرمين..!!صرخت .. أحدهم حاول قضم الأصبع الصغرى من قدمي اليمني، حاولت ضربه لكنه اقترب من رأسي.. رشقني بنظرةٍ غير آبهة ومشى مهرولاً نحو سلة البطاطا ساحبًا معه واحدةً منها نحو الخارج. يا للمهزلة !! حتى الفئران تسخر من الإنسان؟!إزدادت نبضات قلبي.. جسمي يتمدد الآن كخرقة بالية. نفسي يتصاعد من تحت أطنان من الرمال بطيئًا.. ما عدت أقوى على الكلام .. نفرت الدموع من عينيّ بصمت منتحرة في ظلمة الليل الأصم.. خيّمت غمامات على قلبي سوداء ثقيلة.. انتفضتُ كطفلٍ يفاجأ بوحش كاسر.. يبحث عن ملاذ في صحراء لا شجر فيها ولا حجر .. لكني لم أستطع النهوض.. ارتعشت أوصالي .. حاولت أن أتماسك.. قلت في نفسي بيقين :إنّه الموت .. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدًا رسول الله.. أشهد .. أش.انقطعت الأنفاس .. زمجرت رعود الموت.. هبّت عواصف الرحيل.. إسودت الآفاق .. إستسلمت الروح وفي الصباح أفقت .. لا أعلم كيف .. لكنني أعلم يقينًا أنني الآن أحكي، وأنكم تقرأون.عبدالجبار ثابت