أضواء
مرام عبد الرحمن مكاوي :في قرية صغيرة في جبال الألب، لا تبعد كثيراً عن مدينة أنسبرغ الشهيرة عاصمة مقاطعة تيرول بالنمسا، تعيش طوال العام من ريع فصل الشتاء، والذي يجلب معه الزوار والسياح لممارسة رياضة التزلج، فوجئ مالك الفندق بنزلائه السعوديين، في منطقة لا يطرقها عربي ولا مسلم عادة، فكان أن سألهم سؤالاً محدداً على الفور: هل صحيح أن باستطاعة الرجل في بلادكم أن يحصل على ما يشتهي من النساء؟هذا السؤال الذي طرحه العجوز النمساوي لم يكن غريباً على الإطلاق، بالنسبة لي على الأقل، فقد سمعت السؤال ذاته للمرة الأولى في صيف عام 92، حين سألت موظفة الجوازات بمطار أورلاندو بولاية فلوريدا الأمريكية والدي عن السبب في أن والدتي هي الوحيدة من بيننا التي تحمل اسماً مختلفاً، فرد عليها ببراءة آنذاك قائلاً: “زوجاتنا لا يحملن أسماءنا”، فزمت شفتيها بتأفف قائلة: “زوجاتكم؟! كم واحدة لديك؟”. وحين عدت إلى بريطانيا للدراسة بعدها بعشر سنوات، طالما واجهت هذه السؤال من قبل النساء والرجال.ولم أكن الوحيدة التي تعرضت لهذا السؤال، فالأديبة الفلسطينية فدوى طوقان تذكر في كتاب مذكراتها (رحلة جبلية..رحلة صعبة) حين تحكي عن الفترة التي قضتها في بريطانيا للدراسة في أوائل الستينات من القرن الماضي، أن هذه القضية واحدة من القضايا التي واجهت صعوبة في شرحها للآخر! وبعد ما يقارب الخمسين سنة من رحلة فدوى، وبعد تحول العالم إلى قرية كونية، وظهور وسائل الاتصال الثورية مثل الإنترنت، مازال “الآخر” يطرح نفس السؤال، ومازلنا “نحن” عاجزين عن تقديم الإجابة المقنعة أو شرح أبعاد القضية.الشرق عموماً في ذاكرة الغرب سواء كنا نتحدث عن الصين أو الهند أو فارس أو بلاد العرب، عبارة عن عالم غامض مثير، تزينه الروائح الخلابة، والأطعمة الشهية، والسحر والأسرار، ومكان يحتل الجنس فيه الصدارة. فهناك القصور الفارهة ذات الأسرة الواسعة حيث تتناثر هنا وهناك أجساد الصبايا الفاتنات الخانعات، اللاتي يتقن مهارات الجسد، ويكرسن حياتهن (مكرهات غالبا) لمتعة الرجل. وقد ساهم في تكريس هذه الصور النمطية عدة أمور منها التراث الأدبي القديم كقصص ألف ليلة وليلة، ومنها خيالات الرحالة الواسعة في الزمن الغابر، ومنها أفلام هوليوود، وغيرها.لكن المشكلة حين يتعلق الأمر بالعرب أو المسلمين، فإنه يتم ربط كل هذه الأمور، لا بالعادات أو بالتقاليد أو التراث، وإنما بالدين، وهنا تختلط الأمور. إذ يصبح الإسلام متهما بأنه دين الرجال، الذي يريد أن يجعل المرأة أداة للمتعة ليس إلا، وهو يكرس ذلك عن طريق تشريع تعدد الزوجات.وحين ننتقل إلى العصر الحديث، فإن تبرير تعدد الزوجات لشابة من إسبانيا أو رجل من هولندا أمر بالغ الصعوبة! وقد يقول البعض ولماذا علينا أن نبرر؟ هذا ديننا وهذه شرائعه، ومن لم يعجبه فليشرب البحر! والحقيقة أنني قد أتفق مع وجهة النظر هذه - إلى حد ما - فيما يتعلق ابتداء بأمور لا جدال فيها مثل الأركان الخمسة، ولكن في الوقت نفسه حين أرى أن هناك قضية غير جوهرية ولا محورية في عقيدتنا، تتخذ ذريعة للإساءة للدين، أو تقف حاجزاً أمام الدعوة وأمام أن يطلع الآخر على عظمة دين التوحيد، فإنني سأميل إلى أن أزيل اللبس عن هذه القضية أمام أنفسنا وأمام العالم.ابتداء فإن الصورة النمطية عن علاقة الرجل والمرأة، ليست وليدة الأمور الخارجة عن إرادتنا وحسب والتي ذكرتها في المقطع ما قبل السابق، فنحن أيضاً مسؤولون عن ذلك. ولو راجعنا ما تنشره وسائل إعلامنا من القضايا والفتاوى والأحكام والخطب الوعظية عن أمور لها علاقة بالمرأة والجنس خلال أسبوع واحد فقط، لرأينا أنها تنال نصيب الأسد! وتأتي شبكة الإنترنت وأجهزة البلوتوث لتكمل الناقص كما يقال. بل قد قرأت بالفعل عبارات تتحدث عن أن المرأة فعلا خلقت لمتعة الرجل وخدمته، وكأنها ليست داخلة في قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)؟!يبدو الأمر عندنا أحياناً وكأن العلاقة بين الرجل والمرأة كزوجين عبارة عن علاقة جسدية، على المرأة فيه أن تعمل لإسعاد الطرف الآخر، وإلا سينهار بيتها ويتشرد أولادها! ويبيت الناس في الغرب وهم مشغولون بقضايا البيئة والصحة والتعليم، في حين توحي المقالات والتعليقات التي أقرؤها بالعربية على المواقع الإلكترونية بأن الناس عندنا تبيت وهي تحلم بالتعدد وزواج المسيار!لا شك أن جواز ارتباط الرجل بأكثر من زوجة تشريع له حكمته في الإسلام، ومع ذلك فقد حدده الشرع بأربع وقيده بالعدل الذي تبين الآية الكريمة بأنه صعب المنال، وتبين السنة المطهرة العقوبة الشديدة لمن لا يعدل، ولذلك فإن عدد المسلمين الذين جمعوا أكثر من امرأة عبر التاريخ الإسلامي، والذين يفعلون ذلك اليوم، في عصر الأسرة النووية، قليلٌ جدا، وربما يصل إلى أقل من 10 % من عدد الرجال المسلمين. وهذه النقطة بالذات، هي التي يجب أن يتم شرحها للرجال في بلداننا أولاً، وللطرف الآخر ثانيا، حتى يستطيع أن يرفع الغطاء وأن ينظر إلى جوهر دين الوحدانية والعبودية المطلق لإله واحد عظيم. لا أن يكون الجدل كما هو الحال الآن عن طريق مقارنة تعدد الزوجات بتعدد الخليلات! ومن قال إن تعدد الخليلات مقبول للرجل المتزوج في البلدان الغربية؟ حتى الملحدون يحتقرون الرجل الذي يخون زوجته مع امرأة أخرى، والخيانة مبرر قوي تحكم المحكمة على أساسه بالطلاق للزوجة (أو الزوج)، فتنال المرأة نصف ثروة الرجل، وربما تمنح حضانة أطفاله بالمطلق. والأمر الآخر هو تعديل بعض التشريعات الخاصة بنا والتي يمكن أن تحد من التعسف والعشوائية في موضوع تعدد الزوجات، اللذين كانا السبب في تشويه التعدد. فمثلاً، إذا لم يثبت الرجل بأنه مقتدر جسدياً ومادياً وعقلياً على أن يرتبط بأكثر من زوجة ويفتح أكثر من بيت بما فيه من أطفال، فلا يجب أن يوافق له على ذلك، تماماً مثلما تم ربط العقد بالكشف الطبي. وينبغي سؤاله عما إذا كان يدرك واجباته الزوجية والتزاماته التي يقبل عليها، لأن المجتمع هو المتضرر من هذه النزوات التي تخلف وراءها مشكلات وضحايا. كما لا بد من إعادة النظر في زواج المسيار، والطريقة السيئة التي صار يتم بها. وأخيراً لنحاول أن نشغل مجتمعنا عبر المدرسة والجامعة ووسائل الإعلام المختلفة بأمور تعود بالنفع علينا في الدنيا والآخرة، فكما أن الصلاة واجبة فإن عمارة الأرض نوع من أنواع العبادة أيضاً، وهي من غايات الوجود. فهناك عالم يتطور ويبني نفسه ويشيد حضارته، في حين أن البعض عندنا يصرف حياته وهو مشغول فقط بملذاته في غرف النوم! * عن/ جريدة “الوطن” السعودية