غزة / متابعات : تشق النكتة السياسية طريقها في الشارع الغزي هذه الأيام، لتعكس ملامح مشهد جديد تشكل مع الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، والانقسام السياسي بين غزة والضفة الغربية، وما تبعهما من تغيرات اجتماعية كثيرة جعلت من النكتة ملجأ أخيراً يستجير به الغزيون من لهيب واقعهم.ولما كانت السياسة أهم ما يميز تفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين، فقد وجدت النكتة السياسية أرضاً خصبة للنمو والانتشار، وأصبحت بمفردها تشكل حزباً شفهياً افتراضياً لـ«المعارضة المبطنة»، قد يفوق عدد المنتمين إليه عدد الأعضاء المنضوين تحت أي من الأحزاب الفلسطينية الفعلية الاثني عشر.ووفقاً لتقرير نشره موقع (العربية نت ) فإن من أحدث هذه النكات واحدة تقول: «خضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعملية جراحية في قدمه مطلع أغسطس الماضي، فأعلنت فصائل فلسطينية عدة مسؤوليتها عن العملية»، في تلميح ساخر إلى مسارعة الفصائل في تبني العمليات المسلحة ضد أهداف إسرائيلية دون تحري الدقة.وبعد الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وغزة، عقب سيطرة حركة حماس على القطاع منتصف يونيو 2007، شاعت أخرى مفادها: «أعادت حركة حماس امتحانات الثانوية العامة في غزة لهذا العام، والسبب هو أن العشرة الأوائل على القطاع كانوا ثمانية من فتح واثنان من حماس فقط!».وعقب أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط على يد مجموعة من الفصائل الفلسطينية بينها حركة حماس في يونيو 2006، تبادل الغزيون عبر هواتفهم المحمولة رسالة قصيرة تقول: «اخطف جندياً إسرائيلياً واحصل على جيب هامر هدية، الحملة سارية حتى يتم تبييض السجون الإسرائيلية».وعندما أراد جندي إسرائيلي ذات مرة إخضاع امرأة غزية للتفتيش عند حاجز إيرز شمال القطاع انتشرت نكتة فحواها أن «جندياً إسرائيلياً أراد معاكسة فتاة فلسطينية، فقالت له: تروح عن وجهي ولا أخليك خبر عاجل». وتقال هذه أيضاً في إطار المديح للمرأة الفلسطينية في نضالها ضد المحتل وتحديها له.وقال الدكتور الفلسطيني عاطف سلامة، المختص في فن الكاريكاتور، لـموقع «العربية.نت» «إن النكات الشعبية تعبر دائماً عما يريد الشعب قوله بطريقة مبطنة، والنكتة السياسية بالذات تعد ترمومتراً يظهر مستوى الرضا والسخط الشعبي، وتعبر بجلاء عن هموم البسطاء والمسحوقين ممن يصعب عليهم التعبير عن آرائهم بطريقة ديمقراطية»، ووصفها بأنها «سلاح المقهورين سياسياً واجتماعياً»، وأنها «سلاح الصم البكم العمي».وأوضح سلامة، الذي كتب مقالات عدة في النكتة السياسية الفلسطينية، أن الأخيرة «تعكس وجهة نظر مما يحدث وإن كان بأضعف الإيمان، وإن كانت دائماً همساً بين الناس، على الأقل لإقناع الذات برفض الواقع المعاش وتحديه»، مضيفاً أن النكتة السياسية «تأتي تعبيراً عن الأوضاع الصعبة إما تهكماً أو احتجاجاً أو رسالة لمن يهمه الأمر، وأحياناً لمجرد التنفيس بسبب الفقر والبطالة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الصعبة».وأشار سلامة إلى أن العديد من زعماء العالم كانوا يتابعون النكتة السياسية التي يرددها الشارع، فمنهم من كان يعتبرها استطلاعاً للرأي العام حول سياسته، وآخرون يعتبرونها مؤشراً على صعود أو هبوط شعبيتهم، مثل «تشارل ديغول» الذي كان أكثر ما يزعجه غياب اسمه عن النكتة السياسية أو عدم تشخيصه في الرسم الكاريكاتوري للصحف والمجلات لفترات طويلة.وإذ لم تعد النكتة تقال لمجرد الضحك، ابتكرت المخيلة الفلسطينية نكتاً ذات مغزى سياسي، فأعملت النكتة مبضعها تشريحاً في الواقع اليومي المعاش للغزيين. وفي هذا الصدد، فإن أكثر ما يتندر به الغزيون هذه الأيام هو أزمة الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، بسبب عدم انتظام إسرائيل في إدخال المازوت اللازم لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع.فيتحدثون مثلاً عن أربعين فائدة لانقطاع الكهرباء، منها أن انقطاع التيار في أول الليل يُسهم في نوم طلاب المدارس مبكراً، وبالتالي الاستيقاظ في اليوم التالي في موعدهم المحدد، كما أن قطع الكهرباء يجعلك تقضي مع زوجتك أجمل لحظات الرومانسية على ضوء الشموع، بالإضافة إلى أن كثرة حوادث الوفاة بسبب انفجار المولدات أو حرائق الشموع تزيد من فرص «أبو عزة» في الحصول على غداء مجاني في بيت عزاء مفتوح.ويمضى الغزيون في سرد الفوائد على لسان شركة توزيع الكهرباء بصورة إعلانية، والتي غيروا اسمها إلى «شركة تخريب الكهرباء» فيقولون: نقطع الكهرباء عصراً لتستمتع بجمال الحياة خارج البيت حتى وقت الأصيل. نحن نوفر لك أحد الأسباب المقنعة لعدم استقبال الضيوف في بيتك. «الشمع يستخدم في مناسبات أعياد الميلاد فقط»، نحن نسعى لدحض هذه الشائعات المغرضة. إذا كان يقلقكِ سهر زوجك خارج البيت، فنحن نعمل على عودته مبكراً بقطع التيار عن كافة الخطوط التي يحتمل أن يرابط فيها مع أصحابه، كما أننا نحمي المرأة وندافع عن حقها في الحصول على المهر والشبكة و»الموتور» شرطاً لإتمام عقد الزواج.وأطلق أخيراً شباب من غزة صفحة على «فيسبوك» بعنوان «غزة بدها كهرباء يا عالم» وقالوا: «أنشأنا هذه الصفحة لنطالب العالم والمسؤولين بحل مشكلة كهرباء قطاع غزة، حيث يعاني القطاع يومياً من انقطاع للتيار الكهربائي بمعدل 12 ساعة».وتساءلت سمسمة جابر عبر الصفحة: ماذا تعني لكم الساعة الثانية ظهراً والساعة العاشرة مساءً يا شباب غزة؟ فيرد عليها ياسر حمودة بالقول: «المواتير بتولع، على طول شريط أرتوفين علشان وجع الراس».ويقول عز الدين عماد «أصبحنا نعرف التوقيت دون النظر للساعة، فإذا انقطعت الكهرباء نعرف أن الساعة هي الثالثة عصراً، وإذا عاد التيار نعرف أن الساعة هي العاشرة مساءً».