* عدن وما أدراك ما عدن! جنة اليمن ماضياً وحاضراً، ومستقبل المؤمنين الموحدين مستقبلاً في اسمها شيء من الأمل الأفضل ووعد بالسعادة الأبدية إنها باختصار جنة الله في الأرض ..وأنا اكتب عن عدن لا أستطيع أن أكون محايداً، ومن ذا الذي يستطيع أن يكون محايداً أمام سحر البخور العدني؟ إنه يقلب حياة الإنسان إلى مرحلتين ما قبل البخور وما بعدها. لعدن رائحة مختلفة وطعم مختلف ولون مختلف عن كل مدن الدنيا، ولو أن نزار قباني رحمه الله زار عدن لكان خلدها في إحدى قصائده.وهو يقول: إن قارورة العطر اُنثى وسنبلة القمح اُنثى، وباريس بين المدائن اُنثى، وبيروت تبقى برغم الجراحات اُنثى. وأنا أضيف أن عدن هي الاُنثى الحقيقية الطازجة التي تغتسل بماء البحر وتتبخر يومياً بالبخور والزباد. عدن مدينة المعجزات ومعجزة المدن جمعت في داخلها ما لا يجتمع إلاّ فيها فقط، ووحدت كل الأشياء المختلفة التي لا تجتمع ولا تتوحد إلاّ بها وفيها ومن أجلها. توحد فيها البحر والمحيط والجبل واندمج سكان شرق أفريقيا من البحر الأحمر مع سكان الهند وسكان الجبل من المحافظات الجبلية ليكونوا لوحة فنية بديعة هي باختصار عدن، اختلفت ألوانهم ومناطقهم ولهجاتهم واجتمعوا على حب عدن والعيش فيها وأصبحوا هم عدن وعدن لا تنفصل عنهم لانها مكونة منهم وهم جزء مهم منها.في عدن يعيش الغراب والحمامة في انسجام وتوحد يستحيل وجوده، ولا يمكن أن نرى الحمامة و الغراب إلاّ في عدن فقط والسبب هو السحر الموجود في هذه المدينة والذي يجعل الجميع يلتقون ويتوحدون من اجل عدن. في عدن عاش المسلمون والمسيحيون واليهود وكل الديانات فأنت تشاهد الكنيسة إلى جوار الجامع في تآلف وتوحد بين الأديان قل مثيله في باقي المدن اليمنية، بل إن المذاهب الإسلامية المختلفة تجتمع وتتوحد في عدن وتعيش في سلام وأمان فمساجد الصوفية تجاور مساجد السلفيين ومساجد الشيعة أيضاً. تناسوا كل الخلافات الفرعية بينهم ووحدهم إيمانهم بالله اولاً وحبهم لعدن التي تجمع المختلف وتوحد الفرقاء.في عدن يعيش صاحب التاكسي بجانب صاحب الخصوصي وكلاهما يتقاسمان الرزق معاً من دون النظر إلى اختلاف اللوحات والألوان والأغراض. إنها عدن التي تجمع ما تفرق في بقية المدن الأخرى وتجعل العيش ممكناً وسهلاً وبسيطاً، ببساطة أبنائها ووداعتهم.إنها عدن التي جمعت بين رائحة العرق والبخور في جسد واحد مع ان كل رائحة هي نقيض الأخرى لكنها عدن التي جمعت ما لا يجمع إلا بها وفيها ومن أجلها، وهذا هو سر عدن وسر تألقها وسحرها وبها تكون هي من دون سواها. إنها تجمع بين الفرقاء والمختلفين وتوحدهم وتمزجهم في خليط واحد وجسم واحد وتكون منهم جسداً واحداً متكاملاً متعاوناً ينسى اللون واللكنة ومكان المولد ولا يتذكر إلا أنه يحب عدن ولا يستطيع العيش إلاّ بها.في لكنة أهل عدن تتوحد الحروف أيضاً فيصبح الدال ذالاً والثاء تاءً وتخرج منها لغة عصرية لها في القراءات القرآنية نصيب يعرفها المتخصصون في هذا المجال. وكم كان الشاعر محقاً عندما قال: كل شيء معقول إلا فراقك ياعدن. هذا صحيح لأن العاقل لا يستطيع أن يترك عدن ويفضل العيش بعيداً عنها وحدهم المجانين من يتركون عدن ويرحلون عنها، أما العقلاء فهم الذين يعرفون أنها مدينة مختلفة ومتميزة عن باقي المدن، وأنها جمعت المختلف وأخرجت منه كياناً موحداً مؤتلفاً يعيش بالتوحد ولا يستطيع العيش إلا متوحداً وإلا فالموت هو الفرقة.
عدن.. عن الاختلاف الذي يصنع التوحد
أخبار متعلقة