إنّ المسجد يـعَد القلب النابض للمجتمع المسلم، يأتي إليه المسلمون في كل جمعة بأكمل حالة للانتفاع والاسترشاد، إذ يتهيئون بالاغتسال والتطيب ويبادرون بالتبكير والسبق، ويلتزمون الهدوء والإصغاء إضافة إلى معنى التعبد العظيم لله جلَّ وعلا، مع إجلال المنبر وتقدير الإمام مما يجعل خطبة الجمعة رسالة عظيمة في التوعية والتوجيه والإرشاد نحو الأفضل والأكمل للناس .وإن ما يضيرنا كشعبٍ مسلم واع مثقف أن تستغل منابر المساجد للدعوات غير الصادقة والتضليلية، لا سيما منها استغلال بعض المساجد للمعارك السياسية والشخصية .لكن أعظم ما أمرنا الله عز وجل به في كتابه الكريم هو التوحد والتمسك بحبل الله تعالى بعيداً عن المكايدات الضيقة والدعوات التمزيقية المقيتة؟ عندما قال ربنا جل وعلا :- { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } صدق الله العظيم .ولا يخفى عليكم أن هذا هو سر قوتنا ومصدر عزتنا وإظهار أمرنا بين الأمم .إذاً فماذا ستقولون في خطيب « العزلة « بمديرية جحاف محافظة الضالع الذي أوقع نفسه في المحظورات وأفلت في شراك المنهيات، وقال كلام فيه محرمات ؟ عندما سقط عنه قناع الخداع والمكر في خطبة تلك الجمعة ، وفضح الله أمره أمام المصلين والحاضرين، فهل يعقل أن يعتلى من أئتمنه الله على عباده لكي يعظهم ويرشدهم وينصحهم في أمور الدنيا والدين ، وجعله حاملاً لأوامره إلى عباده، فقال للناس جهاراً نهاراً أن المجرمين أبطالاً ، والمُخربين فرساناً، والفوضويين رجالاً ، والانفصاليين مُجاهدين !أيعقل هذا أن يحدث في يمن الإيمان والحكمة اليمانية ؟أيعقل هذا أن يحدث بين أوساط شعب وحد الله قلوبهم قبل أن يتوحد وطنهم ؟ثم أين دور وزارة الأوقاف والإرشاد في هكذا أمور ؟إن خطباء المساجد ينبغي عليهم الالتزام بنهج التوحد والاصطفاف الجماهيري الواحد لمواجهة كل التحديات التي تعصف بمصالحنا كدولة ووطن ، ويجب عليهم الابتعاد عن أي شبهات تتصل بأفكار مضللة وان يلتزموا الإطار بما يُحدده القانون والدستور المستمد أصلاً من الشريعة الإسلامية السمحاء .فمنبر الجمعة وسيلة دعوية شاملة يمثل الخطيب فيها العامل الأكثر تأثيراً وهو ما يفرض على الخطيب أن يعمل قدر استطاعته على تحويل منبر الجمعة إلى منتدى أسبوعي لتناول قضايا المسلمين بإيجابية وقدر كبير من المسؤولية وتنوير الناس في شؤون دينهم ودُنياهم بما يوافق القواعد العامة والأصول الهامة في ديننا الحنيف.لقد استشعر الإسلام أهمية خطبة الجمعة بتجميع المسلمين في مسجد جامع وإلزامهم بالإنصات إلى الخطيب على المنبر وهو ما يفرض على الخطيب أن يكون عند مستوى المسؤولية المُلقاة على عاتقه . وتظهر في هذه المناسبة التي تتكرر أسبوعيا فطنة الخطيب وقدرته على استشراف الموضوعات التي تؤدي بالمستمعين إليه نحو التوحد والتماسك طبقاً لما هو واقع الآن من ضرورة التمازج والاندماج لمواجهة تحديات العصر المختلفة بقوة كيان واحد متعاضد .إن المنبر قمة هامة لا يستغني عنها المسلمين لنشر العلم الصحيح ومواجهة الأفكار الهدامة من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هذا المنكر المُتمثل بالأعمال الإجرامية والتخريبية المُسلحة لعصابات النهب والتخريب الخارجة على الدستور والنظام والقانون . لذلك أنبه إلى أهمية عقد لقاءات دورية بين خطباء المساجد وكبار علماء الجمهورية للاستفادة من خبراتهم في حقل الدعوة وإقامة الدورات التدريبية في المعاهد والجامعات لتدريب الخطباء ، وجعلهم أداة إيجابية لا سلبية على المجتمع . وتفعيل دور المساجد كمؤسسة اجتماعية دينية وطنية تخدم المجتمع الذي تقع فيه . وهنا أدعو وزارة الأوقاف والإرشاد إلى القيام بالترتيب الجيد والمُنظم لاختيار الموضوعات التي يتناولها كل خطيب جمعة لمساعدتهم على القيام بمهامهم ، وتزويد الخطباء بالكتب المستمدة روحها من روح الولاء للوطن ولولي الأمر ، وذلك من أجل خلْق جيل واعي ومجتمع مثقف متمسك بمبادئ ثورتي 26 سبتمبر و14أكتوبر الخالدتين ، وبالنظام الجمهوري ، والنهج الديمقراطي الذين ترسخت قيمهم لدى الشعب منذ إعادة تحقيق وحدة الوطن في الثاني والعشرين من مايو المجيد .وفيما يلعب خطباء المساجد دوراً هاماً في حقل التوعية والإرشاد ، فإن الدور الذي يتطلب القيام به من خطيب الجمعة هو أن يمتلك مهارات خاصة أهمها إتقان فن ومهارات الإلقاء وأن يكون على دراية بقضايا المجتمع الذي يعيش فيه وألا يسمح لبعض الخطباء بتحويل منبر المسجد إلى أداة مجانية لنشر الاجتهادات الشخصية والتوجهات غير الصحيحة .ومن باب حرصي المتواضع لإيجاد خطباء جُـمـَع يتمتعون بالكياسة والرزانة ، فإني أُسهم مع كل الخيرين في هذا المجتمع الصالح لوضع عدد من الخطوات التي لعل وعسى أن ينتفع بها خطباء الجـمـع في مساجد الجمهورية أجمع :-- أولاً :- أدعو خطباء المساجد لاقتناء مكتبة - ولو صغيرة - في المنزل تضم ما يحتاج إليه الخطيب في عمله الدعوي من المراجع خاصة الكتب الشرعية للعلماء المشهود لهم بِعلمهم ووسطيتهم ، والحرص على التأكد من صحة الأحاديث .- ثانياً :- أدعو خطباء المساجد للإطلاع على بعض الخـطَـب المُسجلة عن طريق الأشرطة التي ألقاها علماء موثوق فيهم والاستفادة من أسلوب الموضوعات التي تناولوها في مناسبات مختلفة .- ثالثاً :- أدعو إلى ضرورة أن يلتقي الخطباء لتبادل الرأي فيما بينهم حول القضايا التي تهم المجتمع وتوضيح الأحكام الشرعية الصحيحة في كل قضية من هذه القضايا ، على أن تكون تلك اللقاءات برعاية خاصة من وزير الأوقاف والإرشاد أو مكاتب وزارته في فروع المحافظات .- رابعاً :- أدعو وزارة الأوقاف والإرشاد إلى إقامة دورات تدريبية لخطباء المساجد لرفع مستواهم دعوياً وتأهيلهم للخطابة ، وجعلهم أداة إيجابية تسهم في تعزيز روح الولاء لله عز وجل والوطن وترسيخ فِطرة الانتماء لوطن الثاني والعشرين من مايو العظيم .وإنه لمن عظائم الأمور ، عندما يُوكل الأمر إلى غير أهله ، وهذا ما نبهنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال لأحد الصحابة:- [ إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ! فقالوا : وكيف إضاعتها ؟! قال: إذا سد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة ] رواه البخاري .وانطلاقاً من ذلك أدعو معالي وزير الأوقاف والإرشاد والإخوة المسئولين في وزارته إلى القيام بدراسة المحاور المذكورة آنفاً لما فيه مصلحة الوطن ووحدته وشعبنا لا سيما منهم خطباء المساجد في الجمهورية ، وهنا أوجه حديثي - المتواضع - لخطباء المساجد أن الوقوف على منبر الجمعة يعد أمانة عظيمة حملتم إياها من الله عز وجل أيها العلماء ، فالموعظة الحسنة والخطاب الديني الشرعي المعتدل والهادف هو من صميم مهامكم وعملكم الديني والوطني الجسور .فخذوها بِحقها واحملوها مؤتمنين عليها وسلموها لأهلها تغنمون بخيري الدنيا والآخرة .ولا يفوتني أن أبعث بتحية وحدوية إلى أهالي قرية العزلة بمديرية جحاف محافظة الضالع الذين لم تستسغ آذانهم للاستماع إلى الباطل والأكاذيب من شخص يدعي أنه خطيب ، عندما قاموا بإنزاله من المنبر واستبدلوه في الحال بإمامٍ آخر، دعا الناس إلى الوحدة والتآخي والتسامح ونبذ العنف ، ففضلت العناصر التخريبية « التضحية » بصلاة الجمعة على سماع الخطبة ، وغادروا المسجد .وانطلاقاً مِنْ هذا الحدث ، فقد نشاهد بعضاً من الناس تتلقف مثل تلك الأقاويل المناطقية والدعوات التمزيقية بكل نهم ، وتقوم بترديدها فيما بينهم دون وعي أو إدراك لخطورة ما يتلقفون ، لذلك علينا أن نبحث عن بداية الخلل ، الذي قد يكون بدايته من العزلة التي عزلها خطيبها عبثاً عن الحق المُبين والصراط المستقيم ، وحينها يجب علينا جميعاً أفراداً وجماعات أن نسأل أنفسنا بتمحيص شديد:- ماذا قال خطيب العزلة ؟ .. وما الذي ينبغي فعله تجاه ما قاله ؟ [c1]* رئيس اللجنة الإعلامية للإتحاد العام لشباب اليمن فرع / عدن[email protected][/c]
|
مقالات
ماذا قال خطيب العزلة ؟ .. وما الذي ينبغي فعله تجاه ما قاله ؟
أخبار متعلقة