تقابلك الجبال الشاهقة بابتسامة خجولة.. فتشعر بفرح واندهاش ورغبة في البكاء، نعم البكاء فقد وصلنا إلى مقصدنا بعد عناء ومشقة. تنظر إلى الأعلى فتجد البعيد الذي قد لا تصل إليه لوعورة تلك الطرقات ولقدم السيارة التي تنقلك لكن نشوة الفرح لا تفارقك..هنا وصلنا وهنا وجدنا ذكريات الماضي ومشاعر الحب والود بابتسامات الطفولة البريئة التي تستقبلك على جنبات الطريق فكلٌّ منتظر حبيباً له فهي مناسبة سنوية تجمع كل الأهل وكل الأحبة.. انتظارها مرير وانقضاؤها سريع أنه العيد ولا شيء غيره.كانت الساعة الثالثة عصراً والهدوء يخيم على كل أماكن القرية باستثناء أصوات الدجاج.. الجو بارد للغاية والضباب يحاصرنا من كل اتجاه فقد حجب عنا الرؤية لم يشعر أحد بمقدمنا المفاجئ وصلنا إلى الدار ويالها من مفاجأة سارة لكل من استقبلنا اختطلت الدموع بالعبرات والفرح والحزن وما أجملها من لحظات ليتها تعود لأسمع صوت أمي الداعي لنا بكل الخير وأرى فرحتها وابتسامتها فلعل عمر فرحتها هذه قد تجاوزالعام شعرت حينها كم نحن مقصرون.استطلاع : ذكرى النقيب[c1]الصباح الشتوي[/c]تجول في مشاعرك خواطر لألف قصة وألف قصيدة وأنت تتأمل منظر شروق الشمس من خلف الجبال البعيدة وتحمد الله على تلك النعمة وأن تقطن أعلى جبل في تلك القرية تستنشق الهواء العليل وكأنها المرة الأولى في حياتك وتحس بالانتعاش والنشاط والحماس رغم قسوة برد الشتاء في تلك الجبال وتقف مندهشاً لعظمة الخالق في إبداعه الكوني الرائع، فهو البحر الأبيض (بحر السحاب الذي يغطي تلك القرى وتلك الجبال) منظر لا تشاهده إلا في الصباح الباكر فعند السابعة صباحاً ينتشر كل ذلك الضباب ويغطي الأماكن ولا تستطيع الرؤية وما أجمل المنظر إذا تخلله (هثيم بارد) مطر خفيف وقفت مندهشة ومعجبة بذلك المنظر فعند الصباح لابد من أن أمتع عينيّ بذلك الجمال وأتذكر طفولتي مع أطفال القرية كيف كنا.[c1]ذكريات الطفولة[/c]نذهب إلى المدرسة دون خوف بل بفرح كبير ففي كل صباح كنا نتلقى التعليمات من أمي بالمشي معاً وعدم الافتراق والحذر بخطواتنا خشية أن نقع وتتسخ ملابسنا أو نتأخر عن مدرستنا، وأن نضع كتبنا في أكياس بلاستيكية قبل وضعها في الحقائب حتى لا تتبلل من المطر، كنا لا نستطيع الرؤية من كثافة الضباب ولا نحس بالبرد على الرغم من قسوته فالمرح واللعب والفرح هو المسيطر الأول على تصرفاتنا وفرحتنا تكبر وتكون عظيمة إذا سقط المطر فنحن نمشي تحته غير مبالين بشيء تنجرف السيول وتخرج أمهاتنا من المنازل لملاقاتنا ونحن مبتهجون بتلك النعمة وكنا نحزن إذا سقط المطر في العصر فنحن لن نتمكن من الخروج من البيت للعب لبرد ومطر الشتاء العديد من الذكريات، كما نمرض ولكنا نعود لشقاوتنا من جديد، أيام ليتها تعود، وتعود أيام الطفولة البريئة والحمد لله أنه على الرغم من مرور السنين لم يتغير شيء من جمال ريفنا وعاداته وتقاليده، فهذا الزي لا تزال كثيرات محافظات على ارتدائه ومحافظات على سجايا الكرم والجود.. كرم من كل نوع وحفاوة استقبال لن تجد لها مثيلاً.. خاصة إذا جلست مستمعاً لإحدى الجدات عن أحاديث الماضي وقسوة الحياة كيف كانت وكيف أصبحت، تقول كنا نصلي ولا نعرف ما نقول أو نقرأ بل كنا نقلد الرجال في حركات الركوع والسجود أما اليوم فالعلم قد وصل للجميع، كنا نقلع الأرض ونجلب الماء والحطب من أماكن بعيدة ونرعى الأغنام والأبقار دون مساعدة من أحد أما اليوم فالفتاة تتعلم وتعمل في الأرض وتجلب الماء من مسافات قريبة ودبة الغاز تساعد إلى جانب الحطب، وإذا مرض أحدنا أما ليشفيه الله أو ليموت أما اليوم فالجميع يتعالج.[c1]تربية الحيوانات[/c]الكل يربي الحيوانات ويهتم بها فلا يوجد منزل ريفي بدون بقرة أو أغنام أو دجاج على أقل تقدير، فهي جزء من ذلك المنزل والاهتمام بهما يعد واجباً يومياً لابد من القيام به ففي الخامسة صباحاً تحلب البقرة ويتم غلي الحليب ليقدم مع وجبة الفطور ويصنع الحقين من الحليب الذي يستخدمه الأهالي في وجبة الغداء والعشاء مع صناعة السمن البلدي ذي الرائحة المميزة.. أما إذا كنت ضيفاً عزيزاً فلابد من كبش بلدي أو دجاجة أو ديك.. ذي مذاق لذيذ الذي لا يمكن لك أن تنساه أو تنسى جميع الوجبات الريفية ذات الرائح والطعم اللذيذ فللأكل الريفي مذاق خاص لا تمله.[c1]وعورة الجبال[/c]إذا كنت من محبي تسلق الجبال فستجد ضالتك في جبال القبيطة بارتفاعها الشاهق وصمودها الشامخ فيجب أن ترتدي حذاء بلاستيكياً وتلبس طاقية على رأسك وتحزم ماء للشرب فكل هذا غير مهم وأمر هين أمام تلك المتعة وتلك الجبال سترى من أعلى قمة جبلنا قرى وأودية كثيرة ومديريات من محافظتي تعز ولحج ففي كل عام تجد العمران في توسع والقرى تكبر والبشر يتكاثرون.معالم طبيعية وأشجار مقاومة للجفاف وضباب منتشر وصمود مدهش وأغنام ترعى وطيور تحلق في الفضاء كل هذا يجعلك تردد أمنية (ليتني أعود للعيش هنا).فهذه قرى لا تعرف الشيخوخة ولا الحزن كبني البشر صمود يميزها وجمال يأسرنا حتى منازل الأجداد الوحيدة لا تزال شامخة رغم الاهمال والتسيب الذي لحق بها يتجاوز عمرها مئات السنين وهي لاتزال تستقبل ضيوف القرية من المناطق المجاورة تحكي صلابة الإنسان اليمني واختياره أعالي الجبال سكناً له وتجسد في طريقة بنائها أصالة ومهارة الإنسان اليمني فهي تطل على جميع المدرجات الزراعية التي كانت قاحلة نظراً لأننا في فصل الشتاء فهي لا تزرع هذه المنطقة، ولكن المنظر يشكل تحفة الخالق فيما أبدع، تجلس ولا تمل ولا تريد العودة مطلقاً لأنك لا تريد العودة إلى سجنك العمراني وحياة المدينة المملة.
بين ثنايا اليمن ..قرى لاتعرف الشيخوخة ولا الحزن
أخبار متعلقة