الإعلامية ريما مكتبي:
بيروت /متابعات :بعد نحو شهر من انضمامها الى قناة (العربية)، وعملها مراسلة للقناة من بيروت، ستكون لريما مكتبي فرصة حزينة للعودة الى الماضي، فالساعة تشير الان الى الثامنة صباحاً، وبيروت تشهد احدى (طلعاتها) غير المعهودة، انها دقة جديدة على باب الذكريات القديمة، انفجار على بعد 5 دقائق من قرية الدكوانة، عادت معه ريما والكثير من سكان المدينة الى عادتهم القديمة، الصعود الى السطح واستطلاع مكان الانفجار الجديد. حينما دخلت ريما مكتبي مبنى صحيفة (النهار) كانت قد اصبحت مذيعة تلفزيونية معروفة “في احد المؤتمرات التي عقدت في الجامعة اللبنانية الامريكية، كان جبران موجوداً فاقتربت منه وقالت له ان حلمي ان اكتب في الصحافة، فقال لي لا داعي لكي يكون حلماً، ما عليك سوى المرور علي غداً لكي يبدأ التمرين”. خلال فترة العمل في (النهار)، كان يمكن ان تجد اسم ريما في العديد من الصفحات بين اليوم والاخر، مدنيات، تربويات، دوليات، صفحة الانترنت، التحقيقات “اجد نفسي عادية، لكن كانوا يقولون انني بنت حلوة لا قدرة لي على العمل في الصحافة، لكنهم في النهاية امنوا بقدراتي، وساعدوني كثيراً، كان هناك نوع من المفاجأة من ظهور اسمي على الصفحة الأولى، او التنويه عن موضوع لي فيها، يتساءلون ما المهم ان يكون لدي موقع في الجريدة في وقت وصل عمر مشواري الى التلفزيون الى ست سنوات، لكن حتى اليوم اقول انني سوف ارجع للكتابة في الصحافة”. تتذكر ريما تحقيقاً أجرته عن سجون الأطفال في لبنان ربما يكون ابرز ما ميز هذه الفترة بالنسبة لها “رأيت في السجن ظلم المجتمع، اطفالاً ولدوا في بيئة لم يكن لديهم يد فيها، لم يكن لهم ذنب ان يولدوا في بيت فيه الوالد يتعاطى المخدرات والام فقيرة و (معترة) ليكون مجرماً او يقتل بالخطأ، لقد احسست كم محظوظة انا بما لديّ”. على مدى يومين من الكآبة التي عاشتها بسبب دخولها الى ذلك السجن، استرجعت ريما مكتبي شريط حياتها الكامل، فهي فقدت والدها أثناء الحرب الأهلية وعمرها لم يكن يتجاوز الثانية والنصف، لتتحمل المسؤولية مبكراً “احزن على ايام الدراسة في الجامعة والتي كنت استيقظ فيها الساعة السادسة صباحاً، لكي اصل الى التلفزيون مبكراً، واقدم نشرات الطقس من الساعة السابعة وحتى الحادية عشرة صباحاً، ثم اذهب الى الجامعة اللبنانية الأمريكية مشياً على الاقدام حيث كانت على مسافة قريبة جداً من مبنى تلفزيون المستقبل الذي حُرق في الأحداث المسلحة الأخيرة التي شهدتها العاصمة بيروت، لأعود في المساء الى نشرة الليل، ولدي الليل المفتوح وهو برنامج فني اقدمه اسبوعياً، لذلك لم أعش أيام الجامعة وحياتها ولم اشارك في نشاطاتها”. جاء التخرج وبدأت ريما رحلة جديدة مع الماجستير، كان عليها الابتعاد عن التلفزيون، من أجل العمل على اطروحتها (الاصوليات المسيحية وتأثيرها على سياسات امريكا الخارجية) “كان بوش قد وصل تواً الى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، مع الصقور وكان هناك الفكر الانجيلي، وهو موضوع مهم في تلك الفترة، حيث كانت دراسة مبكرة لليمين المتطرف، وتأثيره على المنطقة”. تؤكد ريما مكتبي في حديثها لي انها لم تكن تمتلك اي اتجاه سياسي في تلك الفترة وحتى اليوم “لم يكن لدي اي اتجاه سياسي، لا أحب أن اوضع في اي إطار أو جهة او حزب او توجه سياسي” .. لكن العمل في قناة المستقبل التابعة لرئيس وزراء لبنان السابق يعني في عيون الكثيرين انها تنتمي الى اتجاهه “حتى اليوم يصبغون علي، انا ادفع ثمن اماكن تواجدت فيها، الانسان يدفع ثمناً قد تكون قادته الظروف اليها، ولا تنسى ان عملت هناك 10 سنوات ولكن هذا لا يعني انني منتمية الى تيار المستقبل، لم يكن يهمني ان اوضح ذلك، فلست في مكان انفر منه ولا انتمي اليه، كان عمر 18 سنة حينما دخلت اليه اول مرة، ودفع رفيق الحريري قسطي الجامعي للبكالوريوس والماجستير عبر منحة لأنني كنت اعمل معهم”. تقول ريما انها في قناة “العربية “والاهم خرجت من مستنقع السياسة اللبنانية، ولست مضطرة لمجاملة أحد على حساب اخر، لدينا مجال حر والقضية اللبنانية ملف من بين الملفات التي نتناولها كل يوم، ولهذا اعد من الواحد الى العشرة قبل العودة الى القنوات اللبنانية، لست في وارد العودة الى الخندقة مرة اخرى” مضيفة “تركت مكتب بيروت ولم يكن هناك فريق سياسي لا يحسبني على الآخر، جماعة عون حسبوني على المستقبل، وحزب الله حسبني على العونية، المستقبل نفسه حسبني على الفريق الآخر، كنت اشعر ان هذا جيد، الكل كان منزعجاً”. وقت اسر الجنديين الاسرائيليين من قبل حزب الله وهي شرارة حرب تموز 2006، كانت ريما مكتبي الى جانب والدتها في المستشفى تنتظر تطورات الأمور حالها حال اللبنانيين اللذين عرفوا أن الحرب قادمة لا محالة، تلك الحرب أضافت الكثير إلى رصيد مكتبي حتى اليوم “في اخر اسبوعين منها كان علي الانتقال الى الجنوب، وكانت اصعب رحلة في حياتي، ان تسير في طريق دون ان يوجد فيها انسان”.هنا سيظهر بطل اخر هو غير عمو ميشيل.. سائق تاكسي هو الوحيد الذي يقوم بالمغامرة بين بيروت والمدن اللبنانية الجنوبية “لم احفظ شكله جيداً، لقد قضيت كل الوقت اصلي، في وقت لم يكن هناك اي سيارة، وصلنا الى استراحة مدينة صور، ثم انتقلت بالعبارة الى المدينة”. كان الخراب قد لحق بالطريق الى صور، اما المدينة نفسها فكانت خسائرها مقبولة حتى ذلك الوقت، لكن القرى حولها تحولت الى صور حية للموت “في اخر ليلة قصف الاسرائيليون كل شيء تبقى لهم من اهداف، ووصلنا نحن الى بنت جبيل صباحاً، كانت تلك القرية الأسوأ من حيث الخراب الذي لحق بها”. كانت والدة ريما مكتبي قد عاشت التجربة الاسوأ وهي الخارجة تواً من المستشفى، لكن رؤية ابنتها على الشاشة مباشرة كان يطمئنها قليلاً لانها تعرف اين هي الان “هذا هو الثمن الذي ندفعه، الاهل يدفعون الثمن دائماً”. صور كثيرة ورثتها ريما عن الحرب حالها حال الكثير من اللبنانيين “كنا نشتري الطعام والبترول من مخيم البص الفلسطيني، كان كل شيء غالياً، فالحرب لها تجارها ايضاً”. عاش لبنان محطة اخرى من المواجهات، كانت تذكير جديد بالحرب الاهلية التي كانت تدق باب اللبنانيين كل يوم، كانت تلك اللحظات التي تلت السابع من ايار (مايو) لحظات اختبار حقيقية للكل، كانت ريما بعيدة عن المدينة التي طالما عاشت بها، وعاشت معها جراحاتها “انا راضية تماماً لتغطية العربية لاحداث 7 ايار، في وقتها شعرت بالحنين الى ان اكون هناك، لكن الصورة في المركز الرئيسي اوسع، ظروف الصحفيين كانت اصعب، كان هناك ضغوطات لا يمكن الحديث عنها، القناة اسمت ما حدث انقلاباً، ولكنني بكيت حينما شاهدت مبنى تلفزيون المستقبل القديم يحرق، الحريري علم كثيرين ومنهم طلاب شيعة، وحينما كنا في تلفزيون المستقبل لم يكن هناك سنة من النجوم، كنا بين شيعة ومسيحيين ولم يكن هناك تفكير في ان يكون هناك نجم سُني، ولكي اقول لك اغلبنا لم يكن يعرف طائفة الاخر من الزملاء والأصدقاء ربما حتى اليوم، اكتشفت بحرق تلفزيون المستقبل ان الطائفية اللبنانية لم تذهب، كانت باقية، هذا الجو الذي نعيش فيه بلبنان لم يكن هكذا قبل اغتيال الحريري، تفاقمت الطائفية في لبنان، اليوم هناك تخندق طائفي رهيب في لبنان، وانا والكثير من الناس لا ينتمون الى هذا المجتمع، بدأنا نجد ان هناك اقصى سُني او اقصى مسيحي او اقصى شيعي”. اليوم تعرف ريما مكتبي نفسها اكثر “كنت رافضة كلياً قبل عامين، لكن الان اقول ان الصورة الكاملة هي من المركز الرئيسي لقناة “ العربية”، في لبنان كنت اغطي ملفاً واحداً، ولكن في المركز الرئيسي اعمل على جميع الملفات، لم يكن بالامكان ان اعيش تجربتي الصحفية بصورة كاملة بعد ان اكتملت لو كنت في لبنان، رغم ان اهلي في بيروت وفي لبنان الحياة غنية اكثر، هناك ثمن ولا يمكن ان تحصل على كل شيء في الحياة”.في سؤال اخر حول الكيفية التي ستقسم فيها حياتها لو عرضت على الشاشة العملاقة (Video Wall) الذي تقف امامه حينما تقدم نشرة الثامنة على شاشة العربية قالت ريما “نبدأ بطفلة لم تعش طفولتها بسبب الحرب، وطالبة وعاملة في نفس الوقت، والان في طريق الاحتراف”.