قصص من الغموض والخيال
لقد عانيت الكثير و الكثير من فورتينيتو ، و لكن عندما حانت الفرصة لي لانتقم منه أقسمت بأني لن أدعها تفلت من يدي ، و لكني بالطبع لم أهدده بالقتل جهارا ، لكنني بل فرصتي للقضاء عليه بكل صبر، لقد أردت أن أتجنب مخاطرة الفشل أثناء تنفيذ انتقامي ، و كان لنجاح انتقامي شروط ضرورية أهمها أن يعلم فورتينيتو بأنه يعاقب و من الذي سيقوم بمعاقبته كما، يجب عليه أن يعي تماما انه لن يستطيع أن يثأر لنفسه.استمرت معاملتي الطيبة - ظاهريا - لـ (فورتينيتو) كما كنت دائم الابتسام في وجهه ، و لم يكن هو يعلم باطن هذه الابتسامة. و بالرغم من أن فورتينيتو كان رجلاً يحترمه و يخشاه الجميع، فقد كانت لديه نقطة ضعف واحدة وهي تفاخره بخبرته في النبيذ. فكان نادرا ما يتظاهر بالحكمة و لكنه كثيرا ما يتظاهر بخبرته في النبيذ و كنت أشاركه هذه الخصلة فقد كنت خبيرا بالنبيذ خصوصا الإيطالي و كنت أشتري هذا النوع بكميات كبيرة كلما سنحت لي الفرصة. لقد سنحت لي الفرصة ذات مساء أثناء الإجازة ، فقد التقينا في الشارع وبالرغم من أنه كان ثملا فقد رحب بي ترحيبا حارا، و كان قد ارتدى ملابس خاصة لوليمة كان قد دعي إليها. فقلت له « عزيزي فورتينيتو، كم أنا محظوظ لألقاك اليوم، لقد اشتريت اليوم برميلاً من نبيذ الأمونتيليدو ، و لكن لدي بعض الشكوك حول مدى جودته» . فأجابني والدهشة تملأ وجهه قائلا « الأمونتيليدو !!؟؟ ، برميل !!؟؟ و في منتصف الحفلة!!؟؟ «فقلت له « لدي بعض الشكوك ، و لقد تسرعت بدفع ثمنه كاملا بدون أن أستشيرك حول مدى جودته ، و لكني لم استطع أن أجدك حيينها » فقال بدهشة « أمونتيليدو!!» فقال بدهشة مكررا «أمونتيليدو !!» فقلت « بما أنك لا تملك الوقت الكافي لمساعدتي ، فأنا ذاهب إلى لوتشيرسي أستشيره بالموضوع» .فأجاب بثقة « إن لوتشيرسي لا يستطيع أن يميز الأمونتيليدو من غيره من النبيذ ، حسنا سأرافقك إلى مستودعك لمعرفة مدى جودته». فأجبته متظاهرا بشعوري بالحرج منه « لا يا صديقي ، لا أستطيع ذلك لأني أراك مصاباً بنزلة برد حادة كما أن مستودعي للنبيذ يقع في أسفل الأرض وهناك الكثير من الهواء المشبع بالرطوبة مما يضر بصحتك»فأجاب بثقة « لا عليك ، فأنا لا أخشى نزلة البرد «فاستمر في الكلام وكأنه يخاطب نفسه فقالأ«مونتيليدو !!؟؟لقد خدعوك؟ كما أن لوتشيرسي لايستطيع أن يميز النبيذ الإسباني من الإيطالي» . عندها أمسك فورتينيتو بذراعي و أخذ يجرني بسرعة إلى منزلي. و عند وصولنا لم يكن الخدم موجودين في المنزل. فأخذت مصباحين من الطاولة و أعطيت واحدا لفورتينيتو ، وقدته خلال عدد كبير من الغرف حتى وصلنا إلى مدخل يؤدي إلى سلم ملفوف بشكل حلزوني إلى اسفل. فقلت له إن أسفل هذا السلم الحلزوني يوجد مستودع العائلة. و كانت خطواته غير مستقرة كما كنت الأجراس تدق حول عنقه كلما مشى».فجأة صاح قائلا «البرميل» ، فأنفجر بعدها بسعال عنيف. فأجبته « أنه لا يزال هناك ، منذ متى أصبت بهذا السعال الحاد؟»،ولم يستطع أن يجيبني لعدة دقائق ، بعدها رد علي قائلا «لا عليك» فقلت له متظاهرا ببعض من الصرامة و الجدية «لن نذهب إلى متجري في الأسفل ، سنعود لأن صحتك لا تحتمل هذه الرطوبة وقد تزداد حالتك سوءاً ، يستطيع لوتشيرسي أن يساعدني ..... «وقبل أن أكمل كلامي ، رد علي بحدة قائلا « هذا يكفي ، إن السعال لا يعني لي شيئا ، كما أنه لن يقتلني ، لن أموت بسبب السعال». فأجبته بسرعة «نعم، إن ذلك صحيح ، لم أقصد أخافتك ، ولكن يجب عليك أن تحافظ على صحتك ، خذ أشرب هذا سوف يشعرك ببعض الدفء و يحمينا أنا و أنت من الرطوبة «ففتحت عنق زجاجة من النبيذ كنت قد أخذتها معي و أعطيتها له ، فأخذها مني مبتسما . بعدها اخذ بيدي و أستمرينا بالنزول للوصول للمتجر. أثناء نزولنا للمتجر ، قال لي «إن متجرك كبير جدا» . فقلت له « نعم ، ولأن عائلتي لها أسم عريق في تجارة النبيذ، فإن هناك الكثير من أنواع النبيذ في المتجر» ، و يبدو أن قولي هذا زاد من بريق عينيه. واصلنا النزول للوصول إلى المتجر ، و مررنا بالعديد من الحوائط الكبيرة ، كما مررنا بصفوف كثيرة من القناني و البراميل . فقلت « إن الرطوبة في ازدياد ، نحن الآن أسفل قاع النهر» ، فأعطيته قنينة أخرى من النبيذ بحيث شربها بسرعة ، و بعد أن أفرغها رمى بها إلى أعلى قائلا «لنرى الأمونتيليدو». فأجبته « نعم الأمونتيليدو ، نحن في طريقنا إليها».أستمرينا في النزول و عبرنا العديد من المداخل السفلية، حتى وصلنا إلى كهف عميق و كان الهواء فيه فاسدا بحيث ضعفت قوة المصابيح لدينا، و في نهاية الكهف ظهر لنا كهف آخر أصغر، و كانت أطراف الحيطان مليئة ببقايا جثث بشرية بشكل متعامد مع بعضها البعض إلى سقف الكهف كما كان العرف قبل سنوات عديدة ، و كان ثلاثة أطراف من ذلك الكهف الصغير مزخرفة بتلك الطريقة ، أما الجانب الرابع من طرف الحائط فكانت الجثث ملقاة بشكل كومة على جانبه ، كانت هناك فتحة صغيرة من الطرف الربع للحائط بمساحة أربعة أقدام عرضا و ستة إلى سبعة أقدام طولا ، هناك وصل ضعف المصابيح للذروة بحيث لم نستطع أن نرى شيئا. فقلت لـ فورتينيتو « هيا تقدم ، هاهو الأمونتيليدو ، إن لوتشيرسي .....«لم يدعني أكمل ، فقال بحدة : «إنه غبي» ، و استمر بالتقدم بينما بقيت خلفه ، و في لحظة وصل إلى الحائط ووجد صخرة بحيث شكلت عائقا له للعبور ، فوقف حائراً ماذا يعمل ، بعدها مباشرة - وأنا من خلفه - قمت بتقييده بالسلسلة بسرعة إلى تلك الصخرة عن طريق أحد الأذرع الحديدية الناتئة منها و أخذت القفل منها بعدها قمت بقفل السلسلة بالمفتاح ونزعت المفتاح من القفل بسرعة، كانت دهشته كبيره لما قمت به بحيث لم يستطع المقاومة ، بعدها تراجعت إلى الوراء باتجاه المدخل قائلا له بابتسامة متشفية « سأعمل الآن كل ما بوسعي لمنع الهواء عنك في غرفتك الجديدة» ، بدأ صديقي اللدود بالصراخ الهائج ما زاد من فرحي و سعادتي ، بعدها قمت بأخذ العديد من بقايا عظام كانت متناثرة في أرضية الكهف و رميتها باتجاهه و قمت بعدها بأخذ العديد من الحجارة و الملاط * و بعض الأدوات و بهذه الأشياء بدأت ببناء حاجز حجري يسد المدخل عن سجن فورتينيتو. بدأت ببناء الصف الأول من الحاجز و بعدها مباشرة الصف الثاني عندما سمعت صرخة شديدة أخرى قادمة من فورتينيتو في الداخل ، كان صراخه ممزوجا بصوت السلاسل التي كانت تقيده ، أستمر صراخه لعدة دقائق ، توقفت عن العمل لبضعة دقائق لأستمع لصراخه وأنا اضحك بشدة ، كم كان يشعرني ذلك بالسعادة و النشوة ، بعدها توقف صوت السلاسل كما هدأ صراخه، عندها عاودت عملي ، لقد أتممت الصف الثاني و الثالث و الرابع و الخامس و السادس فالسابع ، لقد بدا أن الحاجز قد أكتمل بناؤه ، توقفت قليلا ثانية و دفعت مصباحي إلى الداخل مسلطا الحزم الضوئية باتجاه فورتينيتو في الداخل، بعدها عاود الأخير صراخه الجنوني وبدأ وأن صراخه قد دفعني قليلا إلى الوراء ، لبرهة ترددت و ارتعشت لا أدري لماذا، و لكنني تماسكت و واصلت عملي في بناء الحاجز الحجري لسجن فورتينيتو ، فقمت بعدها بتقليد صراخه و نحيبه و توسلاته بطريقة ساخرة ، وأخيرا توقف نحيبه. كان الوقت منتصف الليل عندما أنهيت الصف الحادي عشر و الأخير من الحاجز الصخري، بعد بضع دقائق بقيت حفرة صغيرة لسدها بحجرة ليكتمل الحاجز الصخري كليا ، وكانت هذه الحفرة مرتفعة جدا و قد جاهدت كثيرا لسدها كما كانت الحجر الأخيرة ثقيلة جدا بحيث لم أستطع رفعها بسهولة ، وخيرا وضعتها لسد الحفرة، ولكن بعدها أتت ضحكة خافتة من الداخل جمدت الدماء في عروقي ، و بعدها سمعت صوتا استطعت أن أميزه بأنه صوت فورتينيتو و لكن بعد أن ذهب عنه الخوف و الصراخ ، كان الصوت هذه المرة مختلفا تماما عما كان عليه في السابق ، فقد كان هادئا وواثقا و كان يحمل نبرة ساخرة أيضا ، فقال الصوت بصورة ساخرة « ها ها ها ، أنها نكته مضحكة ، مضحكة بالفعل ، حتى أنت ستضحك منها «فأجبته بصوت ملئ بالقلق والرهبة بعد أن نظرت حولي يمينا و يسارا « ماذا تقصد ؟ وأي نكته هذه؟ آآآآآهه !!!! يالي من غبي و مغفل ، لقد قمت بسجن نفسي بدلا من سجن فورتينيتو « ، لقد تركني فورتينيتو و رحل و هو يضحك بشدة ، أما أنا فقد ظللت أصرخ و أصرخ و لكن ما من مجيب». [c1]*الملاط : خليط من الكلس و الرمل و الماء يستخدم في البناء . ( المترجم ) *الأمونتيليدو : نبيذ أسباني فاخر كلية التربية / صبر/ قسم اللغة الإنكليزية[/c]