فاطمة الفقيه منذ عدة سنوات كان الخلاف على أشده في الكويت حول حق المرأة في الترشيح والانتخاب للمجلس البلدي ومجلس الأمة، حدث أن تابعت حوارا بين شيخين كان أحدهما يدعم حق المرأة والآخر ضد فكرة الترشيح بتاتا، ظللت أجيل رأسي بين الطرفين وكل منهما يتحدث بحجج قوية من الموروث الإسلامي المليء بكل شيء، فقال أحدهم ما أفلح قوم ولوا عليهم امرأة وأجاب الآخر بأن بلقيس أفلحت وفرعون وكبار قوم لوط لم يفلحوا، وقال أحدهم شاوروهن وخالفوهن، وقال الآخر خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمشورة أم سلمة في فتح مكة، وهكذا استمر تاريخنا العجوز يتنقل ببضاعته بين الاثنين يمد هؤلاء وهؤلاء بتفان حتى انتهت الحلقة دون أن يحسم الأمر.وفي حوار آخر حضرته بين شاب عربي مع آخر أمريكي عن الإسلام بهدف إقناعه بدخول الإسلام وبعد عرض رائع عن ديننا أنهى حواره قائلا ولكن يجب أن تفكر قبل أن تنطق الشهادتين لأنه في حال ارتدادك سوف تعاقب بالقتل وهو حكم المرتد، هنا قفز عربي آخر كان يدعم الحوار وبرغبة في تغيير المعلومة وتخفيف حدة الوعيد قائلا هذا ليس صحيحاً فالله سبحانه وتعالى يقول: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ويقول: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. لم يسكت الآخر وكال له الأدلة واستمر الجدال بينهما وأنا أتفرج لا أعرف من منهم أصدق وأردد يا مثبت العقل والدين يا رب. ونفس الموقف يتكرر حتى متبني الأصولية المتطرفة التي تصنف كل ما عداها بالكفر وتنادي بتفجيره ويقابلها مفهوم التعايش السلمي بين المعتقدات فكلهم له حجة وبراهين وهذه الازدواجية تصل لأدق التفاصيل في حياتنا، فالمسيحيون أصحاب الثالوث "يصنفون كفارا" ويحرم الزواج منهم لكن رجالنا يتزوجون بالمسيحيات وهم قريرو الأعين لأنهن من أهل الكتاب وهكذا كلما اصطدمنا بمعضلة أخلاقية تشريعية اجتماعية أدرنا ظهورنا للخلف وغصنا في بطون أمهات الكتب العتيقة التي تحمل كل لون وحسب حاجة السوق لتبث بيننا المزيد من الفرقة حتى وصلنا لوضع لا يمكن تعليله.وللإنصاف نقول إن الضرر قد لا يكون من الموروث بذاته بل منا نحن حيث عطلنا عقولنا واتهمناها بالقصور واستبدلناها بالنكوص للوراء بحجة أنه لا يمكن تطبيق ديننا دون الرجوع للتاريخ ولهذا استبدت بنا سلطة الماضي المتناقض وأصبحت فوق المساءلة والنقد وجعلت فتيل الخلاف مستمر الاشتعال والبقاء فيه للأقوى والنتيجة المسلمون سنة وشيعة يكفرون ويقتل بعضهم بعضاً والمرأة المسلمة في وضع لا تحسد عليه غير قادرة على نيل حقوقها لأنها مكبلة بأحكام عفا عليها الدهر، والطفل لا حقوق له ولا حماية. وأما العقل العربي ككل فهو مصاب بأزمة انفصام جعلته غير قابل للمعاصرة فنحن في واقع الأمر لا نعيش اللحظة الآنية بل نحن موجودون في زمن قديم لا علاقة له بالمشهد الذي نحياه، ولو أننا استعملنا عقولنا لعرفنا أن ما حواه التاريخ كان جهد غيرنا الفكري وقد نفعهم في ذلك الحين وجاء دورنا في أن نفكر كما فكروا ونستنتج كما استنتجوا ونقنن ونشرع كما فعلوا بما يناسب معطيات عصرنا وأن نجعل علاقتنا به مجرد فهمه في إطاره الزمني وفطم أنفسنا من بعض مدده وتركه يرقد بسلام في ذمة الله. وهذا لا يعني أننا سنصبح بلا ماض وبالتالي بلا حاضر كما يردد أنصار التراث لأن هذا المفهوم مستحيل برأيي فلا يوجد على وجه الأرض أمة من العدم فكل أمة لها ماض لا يمكن تغييبه لكن من المفروض أن نبقيه في حدود صلاحياته دون سلطة تنفيذية وننزع سلاح التقديس المتسلط الذي يسجن الإنسان بداخله.[c1] * نقلا عن جريدة "الوطن" السعودية[/c]
تراثنا حمال أوجه
أخبار متعلقة